نارام سرجون كتب عن ما بعد إدلب وعن مأزق بائع البطيخ أردوغان
أخبار وتقارير
نارام سرجون كتب عن ما بعد إدلب وعن مأزق بائع البطيخ أردوغان
17 شباط 2020 , 09:16 ص
الانتصارات المتتالية والسريعة للجيش العربي السوري وضعت أردوغان في مازق وجودي, كاتبنا نارام سرجون يصف المشهد بأسلوبة المتميز وبكتابة تقترب للسرد الروائي السهل الممتنع, ولكي لا نُفسد عليكم متعة القرائة

الانتصارات المتتالية والسريعة للجيش العربي السوري وضعت أردوغان في مازق وجودي, كاتبنا نارام سرجون يصف المشهد بأسلوبة المتميز وبكتابة تقترب للسرد الروائي السهل الممتنع, ولكي لا نُفسد عليكم متعة القراءة سنقدم لكم المقال.

إضاءات

 

مابعد ادلب .. استانبول .. مأساة بائع البطيخ 
بقلم.................. . نارام سرجون 
-------------------------------------------------------------

المهووسون بالتاريخ يتصورون انهم يخضعونه لأبحاث الاستسناخ .. ويعيدون استساخ قطع منه بعينها .. وهؤلاء مجانين مثل مجانين اليهود الذين يريدون استساخ قصص التوراة بحذافيرها ويرون في كل شيء من عالم اليوم صورا من التوراة .. ومثلهم مجانين المسيحيين الجدد وهم فصيلة أخرى من المجانين في اعلى أشكال الجنون .. ولايختلف عنهم المجاهدون الاسلاميون الذين يرتدون الجلابيب القصيرة ويتحدثون وكأنهم يعيشون أحداث فيلم الرسالة للمخرج السوري مصطفى العقاد .. كأن التاريخ هو نعجة مختبر مثل النعجة دولي التي تم استنساخها .. والتاريخ ليس نعجة وليست له شيفرة وراثية تسمح باستنساخه .. بل هو كائن خرافي يتطور كل يوم .. ويكبر كل يوم .. يموت كل يوم .. ويولد كل يوم .. ولايشبه الا نفسه .. فهل أكفر ان قلت ان التاريخ (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد)؟؟ .. وربما كان هو الله نفسه ..  

اردوغان هو مجنون تركي حول تركيا الى مشفى للمجانين يريدون احياء الخلافة والميثاق الملي .. ولكن كل أنابيب الاختبار لاستساخ تلك الحقبة واحياء التاريخ الملي لم تنتج الا فوضى ورفضا لتركيا وكراهية للعثمانية واحتقارا لتركيا التاريخية .. الى ان وصل اردوغان اليوم الى ماوصل اليه الزعيم النازي الالماني أدولف هتلر الذي اجتاح اوروبة لاقامة الرايخ الثالث .. وبعد سنوات كان يقبع في حصن تحت الارض فيما يتقلص الرايخ ويتآكل .. كما حدث مع رايخ اردوغان الاخواني .. الذي صار محشورا في حصون ادلب بعد ان كان يتمطى فوق الشرق من سورية الى تونس والمغرب .. 

لاأدري كيف ينام اردوغان هذه الايام .. ولاأظن أنه ينام او يقدر على النوم .. انه أصعب امتحان له في حياته كلها .. وبائع البطيخ المشهور بصوته الجهوري يقف وأمامه اليوم كومة من البطيخ لايعرف في أي منها يسكن اللون الاحمر الحلوالمذاق كي يتذوق ويطعم جمهوره العطشان الى شيء حلو كثيف السكر .. ولايعرف في اي منها تسكن القنبلة التي ستنسف وجهه وشاربيه وتنسف تركيا .. اردوغان الذي تعلم كيف يصيح على البطيخ يقف وقد ادرك ان الصياح قد يجلب انتباه الناس في البداية ولكنه في السياسة قد يجلب النحس .. لأن السياسة ليست بيعا للبطيخ بل فن وعبقرية وحياكة هادئة .. ففي يوم من الايام قدم له الناتو واسرائيل العالم العربي على طبق الربيع العربي ليتولى شؤونه .. وكان صوته وهو يبيع البطيخ الاسلامي العثماني قد وصل الى مصر وتونس وليبيا وسورية وهو يصيح مبشرا ببطيخة الاخوان المسلمين .. ولكن انتهت الحفلة ولم يعد البطيخ موجودا الا في جيب صغير في ادلب وفي جيوب متناثرة هنا وهناك .. انه الرجل الذي أفاق ثريا على ثروة عدة شعوب ثم أفاق ووجد نفسه مفلسا في اليوم التالي .. وهو لايعرف حدود الحلم وحدود الكابوس فيما يجري حوله .. 

أستطيع اليوم أن استنتج بثقة ان اردوغان أدرك ان السياسة لاتعتمد على فن الصياح في طرقات الشرق الاوسط ومفارقه ونواصيه أمام أكوام بطيخ الاخوان المسلمين التي كان يبيعها لنا .. اردوغان لاشك أنه كان قويا جدا في مراحل الربيع العربي الأولى وربما كان الشخص الأكثر قوة على الاطلاق وهو يمسك بيده بكل الحركات الاسلامية الجهادية والسياسية السنية التي بايعته بشكل رسمي وعلني او بشكل صامت وخفي .. ولكنه تعرض لعملية استدراج لعبها ببراعة معه الروس والايرانيون وشارك فيها الصمت السوري الرزين على محاولاته الاستفزازية .. فالحلفاء كانوا يعرفون نقاط قوته وضعفه ويساومونه عليها ويعرفون انهم يتعاملون مع عقل بائع بطيخ .. كانوا يقدمون له بعض الهدايا الصغيرة المؤقتة وهم يسحبون البساط من تحت أقدامه ويجردونه من اسلامييه .. لأنهم يعرفون انه رجل اميريكي له مهمة خاصة واحدة وهي تدمير المجتمعات العربية المحيطة باسرائيل وتأمين تهديد اسلامي للاتحاد الروسي وايران تستعمله اميريكا عندما تريد .. فهو دخل الى فلسطين وغزة ومصر وليبيا وتونس والعراق .. واليوم لم يبق له من امبراطوريته سوى الثمالة وبقي محشورا في جيب ادلب وجيب طرابلس .. وبعض جيب غزة ..     

  منذ تعرفت على (أبو بلال أردوغان) .. والناس خائفة من نفاذ صبره .. وكان الرجل يتصرف وكأنه يتوق لأن يخطئ أحد بحقه وحق تركيا كي يريه النجوم في عز الظهر ويظهر البأس التركي الذي غاب منذ سقطت الخلافة .. وربما كنت أنا الوحيد الذي انتظر بتحرق اللحظة التي ينفذ فيها صبره لأنني كنت حائرا في معرفة حال الرجل الذي نفذ صبره وهو العثماني الذي يحمل على كتفيه آلام بني عثمان .. ويتنطح لمهمة مستحيلة وهي مهمة استنساخ التاريخ ..

اليوم يدخل اردوغان الى ادلب بشحمه ولحمه لأنه صار يدرك ان المعركة التي سيخوضها مابعد ادلب ستكون حول قصره في استانبول .. لأنه سيفقد شرعيته حتى في عيون انصاره ومجانين الخلافة العثمانية .. وكما بدأ هذا المجنون بنظريات حمقاء عن ان استساخ عصر السلاطين يبدأ من دمشق .. فانه يظن اليوم ان استعراض الدبابات التركية في ادلب سيخيفنا .. وخاصة انها ترتدي ثياب الناتو .. ولو كانت فيه حصافة لادرك ان مانريده منه هو هذه الوليمة من الدبابات لأن مشاهد احتراق الدبابات الاسرائيلية في وادي الحجير سيرى في سهل الغاب وجبل الزاوية .. وهذه المشاهد التي سيتم بثها بشكل مباشر ستهز المشاعر التركية كما الزلزال .. ومن الغباء ان يظن اردوغان ان استفزاز المشاعر التركية سيعيد اليه المجد والدعم الشعبي .. لأن هذه المشاهد المتوقعة ستجعله في عيون الاتراك مهزوما فاشلا قاد مشروعا كارثيا لأن ماسيدركه الجميع ان ادلب مستنقع خطير لن يتوقف في معركة او معركتين بل هي سكين في بطن تركيا يصل نصلها الى قلب تركيا النازف .. 

اردوغان حائر جدا في معركة ادلب .. وهو لاينام ليلا بسببها .. فان تركها للجيش السوري فان عليه ان يحارب في مرحلة مابعد ادلب للدفاع عن وجوده في القصر الرئاسي في استانبول .. وان دخل الحرب فان يعلم انه يواجه جيشا مدربا على القتال بتجربة تسع سنوات ..ولديه تسليحه الحديث وستكون الاقمار الصناعية الروسية حليفا له .. فمن غير المعقول ان الروس دعموا الجيش السوري ضد حلفاء تركيا وسيتركونه وحيدا امام تركيا لانه لافرق بين تركيا وحلفائها ولافرق بين سورية وحلفائها .. وقد لاتبقى المعركة في ادلب لأن خروج النار التركية الى خارج ميدان ادلب فانه سيعطي مبررا للصواريخ السورية لتحط في مدن تركية من باب العين بالعين .. وليجرب ابو بلال عندها ان يستنجد بالناتو دفاعا عن تركيا .. فالناتو ايضا فيه باعة للبطيخ يرفعون الصوت ولكنهم لايقدمون الى المبارزة عند الجد .. 

لطالما انتظرت نفاذ صبر اردوغان ثماني سنوات كاملة .. حتى كدت أضجر وأنا أنتظره .. وأخيرا خرج غضب أردوغان .. ولم يعد يحتمل .. فكل البطيخ الذي كان ينادي عليه تبين انه فارغ ومجوف .. ولكن ادلب في الحقيقة هي معركة لم تعد في سورية بل هي معركة في استانبول وحول قصر اردوغان الذي سيحاصره معارضوه والغاضبون من الهزيمة التركية وجرح الكبرياء الأجوف للأتراك .. ولذلك فقد صوابه .. ونزل بالدبابات .. في عملية انتحارية .. ولكنها حتما .. آخر معركة للسلطان قبل النهاية الحتمية ..

المصدر: وكالات+إضاءات