احتراق المصباح .. تحرير إدلب ومهلة أوردوغان: سؤال الحقيقة والزّيف\ ادريس هاني
مقالات
احتراق المصباح .. تحرير إدلب ومهلة أوردوغان: سؤال الحقيقة والزّيف\ ادريس هاني
27 شباط 2020 , 03:30 ص
  في معارك الذّروة في إدلب تعتبر الهدنة فرصة للإرهابيين، هذا ما حاول التعبير عنه سيرغي لافروف حين اعتبر الهدنة ليس لأجل الوضع الإنساني إنما هي تنازل وتشجيع للإرهاب، مؤكّدا وجود دول ترعى الإرهاب في

 

في معارك الذّروة في إدلب تعتبر الهدنة فرصة للإرهابيين، هذا ما حاول التعبير عنه سيرغي لافروف حين اعتبر الهدنة ليس لأجل الوضع الإنساني إنما هي تنازل وتشجيع للإرهاب، مؤكّدا وجود دول ترعى الإرهاب في إدلب. ولقد طغى الموضوع الإنساني في وسائل الإعلام المعادية لسوريا حيث في تشريح الخطاب الإعلامي إياه نقف على أنواع من المغالطة لا يمكن أن تكون مقنعة لمن يرصد الخطاب الإعلامي من زاوية تحليلية، فتكرار المغالطة هو نفسه أداة انكشافها. تقدّم بعض وسائل الإعلام معطيات تقدم الجيش العربي السوري بتجاهل منجزاته على صعيد تطهير المنطقة من الإرهاب ويغلّفونه بكثير من الحديث عن الجانب الإنساني ثم في الوقت نفسه يحاولون الرفع من معنويات ليس المسلحين فحسب بل بيئتهم التي تتابع انتصارات وهمية يقدمها إعلام صمّم خصيصا ليكون إحدى أدوات مشروع الشرق الأوسط الجديد.
وبينما يعتبر قصف مواقع الإرهاب في إدلب حين "يأتي" من قوات ما سمي بالتحالف يكون انتصارا على الإرهاب لكن حينما يقصف الجيش العربي السوري مواقع الإرهابيين يبدأ الحديث عن المدنيين والجانب الإنساني ويصور هذا التقدم بوصفه عدوانا. ولقد عاش الرأي العام طيلة تسع سنوات على استهلاك هذا النمط من الإعلام المضلّل الذي يحتقر المتلقّي ويتعاطى معه كقطيع قابل للتوجيه من دون إعمال نظر ومقارنة، تسع سنوات والإعلام الرجعي يحرس الصورة النمطية داخل أذهان شريحة واسعة لم تجد بعض لقاحا ناجعا من هذا الوباء. لقد تلوّثت البيئة العربية بإعلام الرجعية الذي حرّف كل معالم الحقيقة في جغرافيا السياسة الإقليمية، حيث تعتبر سوريا مثالا نموذجيا لدراسة كيف يستطيع الإعلام الصمود في وجه الحقيقة بلعبة التأويل الفاسد للحدث واستغلال الصّورة.
لقد أصبح النقاش حول إدلب يعاني من انسداد تام، يتجاهل أوردوغان في كل خطابه الحديث عن آلاف الإرهابيين المسلحين الذي يتمتّعون بترسانة جيش كلاسيكي، ولذا كرر في خطابه الذي ألقاه في اجتماع الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية بالبرلمان التركي في العاصمة أنقرة – الأربعاء 26/2/2020- مطلبه في إدلب الذي اختزله في انسحاب قوات النظام السوري خلف نقاط المراقبة التركية وذلك لمنح فرصة على حدّ تعبيره للنازحين للعودة إلى ديارهم، هذا في الوقت الذي يسعى إلى تمكينهم من العودة ليكونوا دروعا بشرية للمسلحين الإرهابيين، الأمر الذي بات واضحا منذ استهداف المسلحين المدعومين من قوات أوردوغان للممرات التي قوات الجيش العربي السوري للنازحين. ولقد شاهد العالم الأهالي في المناطق المحررة كيف خرجوا عن بكرة أبيهم احتفالا بتحرير مناطقهم وتقديم الولاء والشّكر للجيش العربي السوري الذي قدم العديد من الشهداء من خيرة شبابه لتحرير الأرض والشعب السوريين من سيطرة الإرهابيين والتنظيمات المسلحة. ويعتبر خروج الأهالي بصورة عفوية من داخل المناطق المحررة استفتاء يناهض مزاعم أوردوغان وحديثه عن الجانب الإنساني، وأيضا شهادة حية على أنّ من يقوم بدور إنساني هو الجيش العربي السوري الذي لازال يتقدم ويحرر مناطق كثيرة من سيطرة الإرهابيين. وكان أوردوغان قد صرح في خطابه الأخير بأن هناك مشكلة تواجه قواته في إدلب تتعلق باستخدام المجال الجوّي، مدّعيا بأنّ هذه الأزمة ستحلّ قريبا، لكنه لم يقل كيف، لكنه كرر بأنّ المهلة التي منحها للقوات السورية أوشكت على الانتهاء، هذا في الوقت الذي لم تلتفت سوريا لكل هذا التهديد ولا زالت تتقدّم بشكل منهجي في ريف إدلب الجنوبي، وهذا يؤكّد على أنّ أوردوغان يحاول إقناع الرأي العام التركي بأن هناك أملا بالتقدم في إدلب، وبالأحرى كان قد قدم لنفسه مهلة وليس للقوات السورية لأنّه دخل طريقا يعتبر الخروج منه إعلان هزيمة. وكل المؤشرات تؤكد على أنّ تاريخ المهلة سينتهي ولن يوقف ذلك تقدم الجيش العربي السوري الذي استطاع السيطرة على 19 قرية في ظرف 48 ساعة فقط، لأنه غير معني بأوامر أوردوغان التي تنتهك السيادة السورية بصورة غير مقنعة.
وكما هو متوقع دائما سنسمع حديثا عن السلام والأمن في سوريا كهدف للتدخل التركي، وكأن المجموعات المسلحة التي يسندها أوردوغان بإدلب هي حمائم سلام وأمن.
تهديد أوردوغان باستهداف قوات الجيش العربي السوري قوبلت بتحذير روسي أيضا فضلا عن أنّ قوات النظام السوري عازمة على أن تردّ على أي عدوان لأنها تحارب داخل مجالها الوطني وبأنّ تركيا ليست في المكان المناسب لتعطي أوامر للدولة السّورية. إذا كان أوردوغان يرى في حسم سوريا في ملف الإرهاب وإنهاء الأزمة المفتعلة في سوريا بمثابة تهديد لمصيره السياسي فتلك مشكلة يعيها كل أطراف المعادلة، لكنّ سوريا لا يمكن أن توقف مهامها الوطنية لتدفع فاتورة السياسات الخاطئة لأوردوغان في سوريا والمنطقة. لا شكّ أنّ الشعار الذي يهتدي به حزب أوردوغان هو المصباح، لكن المصباح يشتعل وينطفئ حسب حاجة المتحكم، لكن حين يحترق المصباح فإننا نفقد كل خياراتنا الممكنة، فلا يمكن التحكم بمصباح محترق.
ادريس هاني

المصدر: وكالات+إضاءات