في عيد الشهداء من ساحة المرجة حتى ساحة البرج تستمر قوافل الشهداء
أخبار وتقارير
في عيد الشهداء من ساحة المرجة حتى ساحة البرج تستمر قوافل الشهداء
اضاءات
6 أيار 2020 , 17:18 م
في 6 أيار/مايو 1916، كانت  المرجة "دمشق"  وحتى "ساحة البرج " بيروت ؛على موعد مع يوم دام ، بقي راسخ بالذاكرة العربية حتى وقتنا الحالي ، حيث علق "جمال الباشا" رقاب الأحرار (من نخبة المثقفين والسياسيين العرب )في دمشق وبيروت على أعواد المشانق

 

في 6 أيار/مايو 1916، كانت  المرجة "دمشق"  وحتى "ساحة البرج " بيروت ؛على موعد مع يوم دام ، بقي راسخ بالذاكرة العربية حتى وقتنا الحالي ، حيث علق "جمال الباشا" رقاب الأحرار (من نخبة المثقفين والسياسيين العرب )في دمشق وبيروت على أعواد المشانق، فقد شهدت ساحة المرجة بدمشق التي تحولت لاحقا لساحة الشهداء إعدام الأتراك 7 من كبار المثقفين والقوميين العرب، وكان من ضمنهم الأمير عمر الجزائري حفيد الأمير عبد القادر الجزائري، والكاتب رشدي الشمعة، والشاعر والأديب شفيق بك مؤيد العظم، والشاعر رفيق رزق سلوم والمفكر والصحافي عبد الحميد الزهراوي.

أما بيروت فقد شهدت  ساحة البرج، التي سميت لاحقا ب (ساحة الشهداء)، إعدام 14 فردا من النخبة المثقفة، وقد تضمنت القائمة كلا من الكاتب والصحافي عبد الغني العريسي، والمفكر سليم الجزائري، والمؤلف والشاعر عمر حمد، والشاعر والصحافي جورج حداد وشهداء آخرون ... ومنذ ذلك التاريخ، كان قدر الشهداء أن يسيروا في قوافل متتالية على درب الحرية والتحرر، من خلال مقاومة المحتل الذي وإن تغيرت أدواته بكل مرحلة زمنية الا انها وجوه لنفس العملة ، ولنفس الجهة والهدف استعماري بحت ، حتى وقتنا الحاضر.

ولمعرفة قصة هذا التاريخ لا بد لنا من الرجوع قليلا بالذاكرة ، فالتاريخ لا يرحم وكلٌ في كتاب محفوظ.

 

ظروف الدولة العثانية :

كانت الدولة العثمانية مع بداية الحرب العالمية الأولى (1914-1918) تعاني مشاكل عميقة تضعها على حافة الهاوية من حيث قدرتها على المحافظة على وحدتها السياسية من جهة وتصديها للأطماع الخارجية من جهة أخرى. فالدولة العثمانية التي هيمنت منذ حوالي 400 سنة (بعد هزيمة المماليك أمام السلطان سليم الأول عام 1516 في معركة مرج دابق)، قد سادت على العالم العربي بمجمله تقريباً وأخذت دور اللاعب الرئيس في منطقة الشرق الأوسط ، هذه السيطرة المطلقة قد تخلخلت مع مرور الزمن لكثير من العوامل ، وأخذ الفساد والظلم ينتشر مع عجز السلطة المركزية من علاج الأمر، إضافة الى ظهور قوة  (محمد علي)  في ذلك الوقت ،تلك القوة الذي بدأت تظهر من خلالها ملامح دولة قوية تلوح بالإستقلال  أصبحت تنافس الدولة العثمانية التي بدأت ملامح المرض تظهر عليها أيضا، والذي أُطلق عليها بذلك الوقت مصطلح "الرجل المريض " ، مما أثار حفيظة الدول الغربية المتربصة للدولة العثمانية، وأخذت تتجهز لتقسيم التركة العثمانية، وبالتالي ظهور محمد علي ومشروع دولة قوية  مستقلة يهدد هذه المطامع،  فقررت التدخل المباشر والسريع  للقضاء على هكذا مشروع.

في ظل هكذا ظروف خارجية لم يكن الوضع العثماني الداخلي بأحسن حال ، حيث لم تكن سياسات الدولة العثمانية تجاه شعوبها كفيلة بضمان تأييد هذه الشعوب ضد أي خطر خارجي، فاعتمادها على سياسة، تقوم على نهب ثروات البلاد التي احتلتها، ووضع البلاد تحت سلطة ولاة قساة ظالمين وسفاحين، إضافة إلى سياسات التتريك وإهمال التراث الحضاري والثقافي لهذه البلاد، واعتماد سياسية التتريك اللغوي، وخصوصاً في المنطقة العربية القريبة منها ( العراق وبلاد الشام)، كل ذلك أوجد مطالب وتطلعات لإنبات جذور الثورة والتمرد عند سكان البلاد العرب، الذين ينتمون إلى تراث عريق لا يمكن تجاهله.

 

Tughra of Abdülhamid II.JPG

 

 

البدايات (السلطان عبد الحميد الثاني):

بعد استلام السلطان (عبد الحميد الثاني) العرش في عام 1876 ارتفعت الصيحات المطالبة بإصلاح أحوال الإمبراطورية العثمانية، وشهدت الدولة إنشاء مجلس الأعيان (الشيوخ) ومجلس المبعوثان (النواب) الذي أُنتخب أعضاؤه مباشرة من الشعب، حينها عرفت بلاد الشام أول برلمان لها، وكان من أعضائه خالد الأتاسي عن حمص ، وأمين أرسلان عن جبل لبنان، وحسين بيهم ونقولا نقاش عن بيروت، ونوفل نوفل عن طرابلس.

 هذه الفترة لم تستمر طويلاً إذا سرعان ما تم تعطيل الدستور، وتحول حكم (عبد الحميد الثاني ) إلى نظام بوليسي، واشتدت أعمال البطش والقمع التي لحقت بدعاة الإصلاح السياسي، وعلى رأسهم الأدباء والمفكرين العرب الذين أخذوا يدعون إلى أن ينال العرب حقوقهم القومية والثقافية والسياسية، مما أدى إلى ظهور حركة عامة في جميع المجتمعات العربية، ترنو إلى تحرير العرب من نير الاحتلال العثماني، وبدأ المثقفون العرب تأسيس الجمعيات التي قادت هذا التوجه العام.

يذكر انه في تركيا نفسها، نشأت جمعيات سياسية هدفت إلى إصلاح النظام السياسي، حيث شكلت هذه القوى حزباً سياسياً معارضاً للسلطان( عبد الحميد) عرف بحزب ( تركيا الفتاة) ، ثم عرف فيما بعد (بجمعية الاتحاد والترقي).

في بادئ الأمر انضم  بعض الضباط العرب في الجيش التركي، وتعاطف معها مثقفون بارزون من أمثال (عبد الرحمن الكواكبي) و(أديب اسحق). وتحت تأثير هذا الضغط أعاد السلطان (عبد الحميد) العمل بالدستور عام 1908، لكن هذا الوضع لم يستمر طويلاً إذ سرعان ما أعاد السلطان تعطيل الدستور، فقرر مجلس الأمة خلعه ونفيه في عام 1909، وتسلم حزب (الاتحاد والترقي) السلطة، والذي بدوره  بدلاً من أن يمد يده إلى العرب الذين أيدوه في حركته الإصلاحية، عمد فوراً إلى حل جميع الجمعيات والمنظمات التي لا تنتمي إلى الجنس التركي، وأولها جمعية( الإخاء العربي العثماني)، واتبع سياسية العسف والاستبداد والعنصرية ضد القوميات الأخرى في جسم الدولة التركية مما دفع الأحرار العرب إلى العودة مرة أخرى إلى النضال السياسي لتحرير الأمة العربية والوصول إلى استقلالها.

 

 

الحرب العالمية الأولى:

وفي ظل الظروف السابقة صادف اندلاع الحرب العالمية الأولى، حيث تحالفت السلطة التركية الجديدة مع ألمانيا، في محاولة منها لإيقاف الانهيار المستمر لسلطتها في البلاد الخاضعة لها، ولأن تركيا كانت هدفاً لأطماع الدول الكبرى السائدة آنذاك خصوصا بريطانيا وفرنسا؛ مما دفع بالسلطات التركية إلى خوض حرب ضروس مع هذه الدول، وتجنيد أعداد كبيرة من الجنود كانت غالبيتهم من شعوب الدول الخاضعة لسلطتها، وخاصة من بلادنا العربية، فيما عرف لاحقاً بـ«السفربرلك»، وذهبت أعداد كبيرة من شباب العرب إلى هذه الحرب، وكثير منهم لم يعودوا. ​

 

جمال باشا السفاح:

بسبب الظروف التي فرضتها هذه الحرب ارتأت السلطة التركية،تعيين قائد كبير يفرض سلطته القوية على منطقة بلاد الشام و مصر التي كانت قد خضعت للإنكليز، فعينت عام 1915 والياً جديداً على سورية خلفاً للوالي (خلوصي بك)، هو (أحمد جمال باشا) الملقب بالسفاح.

أحمد جمال باشا هو قائد عسكري عثماني ومن زعماء جمعية (الاتحاد والترقي)، ومن المشاركين في الانقلاب على السلطان عبد الحميد، وقد شغل منصب وزير الأشغال العامة وقائد البحرية العثمانية، قبل أن يصبح الحاكم المطلق في سورية وبلاد الشام. 

عرف الرجل بمكره الشديد، ففي البداية حاول استقطاب العرب، وضمهم تحت جناحيه؛ خشية الانقلاب على دولته في ذلك الظرف الصعب في مواجهتة ضد دول التحالف في الحرب العالمية الأولى، وذلك من جهة، ومن جهة أخرى الاستفادة منهم في تلك الحرب بتجنيدهم في الجيش العثماني، واستغلال مواردهم.

 

حملة جمال باشا السفاح على مصر

كانت مهمة( جمال باشا) الأساسية تجهيز حملة على مصر للقضاء على منافس قوي يلوح بنوايا دولة مستقلة ،وفي عام 1915 قاد جمال باشا الجيش الرابع التركي لعبور قناة السويس واحتلال مصر.

في ليل 2 شباط 1915 اخترق صحراء سيناء التي كانت حينها تفتقر لطرق المواصلات فكانت القوات التركية تصل إلى القناة منهوكة القوى ، وفشل الهجوم فشلاً ذريعاً ولم ينج من الجيش الرابع إلا القليل.

كان الفشل الذريع لهذه الحملة مسؤولية جمال باشا المباشرة عن ذلك الفشل، وهو الحاكم العسكري المطلق على سورية، مما أدى إلى أن يصبح عصبي المزاج بشكل دائم، وحاد الطباع، فصب جام غضبه على القيادات العربية العسكرية والمدنية التي حمّلها مسؤولية إخفاقه .

وبظل ذلك  سرعان ما انقلبت الحرباء العثمانية على العرب ؛ لتظْهِر لهم ما كانت تخفيه وتضمره لهم من شر وخبث ، فبعد فشل الحملة ، وهزيمته في إعادة فرض سلطته الغاشمة على أرض الكنانة، عاد ليمارس الانتقام ضد أهل الشام محملِاً إياهم أسباب فشله، مستغلا تلك الحادثة، ليحكم قبضته على السلطة بيدٍ من حديد،  فلم يكتفِ رجل العثمانيين الأول في الشام بإقصاء العرب عن إدارة بلدانهم، بل قام باعتقال المثقفين العرب ببيروت ودمشق، وإعدامهم بتهم ملفقة ومطبوخة ،على شاكلة التخابر والتجسس لصالح بريطانيا وفرنسا من جهة ، ومحاولة الانقلاب والانفصال عن الدولة العثمانية من جهة أخرى ، وهي التهمة نفسها التي تنطبق على "جمال باشا" الذي حاول فرض نفوذ مطلق في الشام؛ بغية تكرار تجربة (محمد علي باشا) في مصر، فكانت نيته تكمن بالانفصال بالشام عن الإمبراطورية العثمانية، وتنصيب نفسه سلطاناً عليها.

فمارس سياسة البطش ضد كل من يخالفه الرأي، فضلاً عن إقصاء العناصر العربية من الإدارة واتخاذ القرارات، وإحلال العناصر التركية بديلاً عنها فعمل على استبدال الكتائب العربية في بلاد الشام بكتائب غالبية جنودها من الأتراك، وفصل الضباط العرب البارزين من وظائفهم وأرسلهم إلى مناطق بعيدة، وأخذ باعتقال الزعماء الوطنيين والمفكرين العرب والتنكيل بهم وتعذيبهم حتى الموت. 

 

 

6أيار /مايو 1916 اليوم الدامي:

يوم 6 أيار/مايو 1916، كانت دمشق وبيروت على موعد مع ملحمة بطولية بين قوى التحرر العربية التي طالبت بالمساواة والتحرر من العبودية وبين السفاح العثماني ، حيث ساق السفاح المناضلين العرب بتهم  التخابر مع الاستخبارات البريطانية والفرنسية،  إضافة لنواياهم بالانفصال عن الدولة العثمانية، وتوج عمله هذا بجريمته التي نفذها في السادس من أيار عام 1916، عندما أعدم 21 مناضلاً ومثقفاً عربياً في كل من بيروت ودمشق، بعد أن عقد «الديوان العرفي» في عاليه (لبنان) المحاكمة ، حيث أديرت المحاكمة بقسوة وظلم شديدين ، فشهدت ساحة المرجة بدمشق التي تحولت لاحقا لساحة الشهداء إعدام الأتراك ل  7 من كبار المثقفين والقوميين العرب ، وفي بيروت ساحة البرج  التي سميت لاحقا  ساحة الشهداء، أُعدم  14 فردا من النخبة المثقفة. بقرار محكمة جائر وبدون أن تحقق أدنى معايير المحاكمات العادلة والقانونية.

 

نهاية سفاح

بقي جمال باشا السفاح مستمرا في بطشه  إلى أن شعرت الدولة العثمانية بنتائج سياسته الفظيعة فنقلته من سوريا، وعينت بدلاً منه جمال باشا المرسيني الشهير بالصغير.

قـُتل جمال باشا في مدينة تبليسي عام 1921 على يد أرمني يدعى اسطفان زاغكيان، وقد روي عن طلعت بك زميل جمال باشا السفاح في جرائمه أنه خاطب زميله هذا بقوله: "لو أنفقنا كل القروض التي أخذناها لستر شرورك وآثامك لما كفتنا".

في ذكرى يوم الشهداء ننحي احتراماً لتضحياتهم ولعطائهم الذي كلفهم حياتهم على طريق حرية اوطانهم من التخلف العثماني , لم تتوقف قوافل الشهداء منذ ذلك الحين وليومنا هذا , وفي سياق هذه الذكرى نُذكر بالثلاثاء الحمراء حيث أقدم الاستعمار البريطاني على اعدام ثلاثة من خيرة ابناء الشعب الفسطيني في عام 1930 على أثر ثورة البراق في العام 1929 وهم الشهداء عطا الزير وفؤاد حجازي ومحمد جمجوم حيث تسابقوا لتعلوا أقدامهم فوق رقية الجلاد البريطاني, كما ونذكر بالشهيد ابن مدينة جبلة سوريا, عز الدين القسام ’1935 وبشهداء ثورته 1936 وبشيخها الشهيد فرحان السعدي الذي أعدم بمثل هذه الأيام في رمضان فارتقى للعلى صائماًً صابراً صامداً,

في ذكرى يوم الشهداء ستبقى ذكرى شهدائنا مشاعل نور تضيئ الدرب للأجيال, في هذه الذكرى ننحني احتراماً لشهداء سوريا ولبنان ممن تصدوا لأشرس حرب كونية عرفها التاريخ وكان عرابها السفاح العثماني الجديد أردوغان, المجد والخلود لذكرى الشهداء والنصر حليف أمة تقدم خيرة أبنائها قرابين على مذبح حرية الأوطان. 

المصدر: وكالات+إضاءات