مضت مائة عام على الواقعة الشهيرة والتي عرفت "بمجزرة تنومة" في 17 ذي القعدة سنة 1341، حين منع النظام السعودي اليمنيين من أداء فريضة الحج وتم إغلاق بيت الله الحرام أمام الحجاج.
ويتكرر اليوم السيناريو ذاته، فالعدو السعودي يمنع المسلمين من أداء فريضة الحج ونحن الآن في العام 1441 هجرية وإغلاق أبواب البيت الحرام أمام القلوب التي تهوى اليه، وافراغ الحج عن محتواه وأهدافه وغاياته التي تمثل تجسيدا حياً للوحدة الإسلامية وبراءتهم من أعداء الله وتأدية دوره في تقرير وحدة المسلمين وتوجيههم نحو قضاياهم المصيرية، من خلال حجج واهية واهداف سياسية أمريكية الصنع.
ولو رجعنا الى لتاريخ قليلا لوجدنا أن آل سعود هم أداة تتبع أمريكا، حيث ينفذون اوامرها في استباحة دماء المسلمين.
وللتذكير حول ما حدث في ذلك اليوم الأسود بحق الحجاج اليمنيين في تنومه، نسرد هنا جزءاً من تفاصيل الواقعة، وهي مجزرة وقعت عام (1341ه – 1923م ) ويكاد أن ينساها التاريخ ولا تجد لها إلا ذكر.
ويعد الدكتور حمود الأهنومي واحداً من أبرز الباحثين الذين تطرقوا إلى هذه المجزرة، وأفرد لها كتاباً سماه "مجزرة الحجاج الكبرى"، مؤكداً أن الهيمنة النجدية كان لها اثر بالغ في دفنها بين رمال النسيان، فهي كانت مسيطرة على القرار السياسي في البلاد وبأدواتها المختلفة، إضافة الى أن الملحق الثقافي السعودي والسفارة السعودية في اليمن كانت تمارس ضغوط الترهيب والترغيب بحق المثقفين والمؤرخين والشعراء والادباء والكتاب الذين كانوا لا يدورون في نفس الفلك الوهابي،
رغم ان المجزرة كانت جرس انذار يشير الى عدوانية الوهابيين السعوديين (النظام السعودي).
واختلفت الروايات حول العدد الحقيقي لضحايا مجزرة تنومة من الحجاج اليمنيين، لكن معظم التقديرات تؤكد أن العدد كان 3000 آلاف حاج يمني بحسب جريدة الإيمان اليمنية.
ويشير الأهنومي إلى أن توجيهات السلطة السابقة الموالية للسعودية ساهمت في إهمال توثيق الروايات والشهادات الشفهية المعايشة للحدث من شهود العيان الذين نجوا من المجزرة، ولهذا من الطبيعي أنْ تصطف مجزرة تنومه مع مجازر هذا العدوان الأمريكي السعودي القائم على بلدنا في مسار واحد، لتشكل وعيا راسخا لدى عموم شعبنا الحر بأن عدو الأمس هو نفسه عدو اليوم، وان عداء الوهابيين السعوديين لليمنيين خصوصا وللمسلمين عموما عميق الجذور شديد الظهور وان جريمتهم في تنومه قد سبقت بجرائم عديدة أخرى، ولهذا كان من الحكمة أن يتوقع اليمنيون عودة العدوان عليهم كما حدث في 2015م ، وهاهم اليوم ومنذ العام نفسه يصدون حجاج اليمنعن فريضة الحج.
مجزرة تنومه ..الزمان والمكان
تتعدد روايات المؤرخين في تحديد زمان المجزرة، وتشير بعض المصادر إلى انها وقعت في عام 1340ه ولكن المصادر المعايشة للحدث والقريبة من تفاصيل المجزرة وعلى رأس تلك المصادر سيرة الامام يحي حميد الدين أنها وقعت يوم الاحد 17ذي القعدة 1341ه الساعة الخامسة بالتوقيت الغروبي ، أي الموافق ١يوليو -1923م وهذا بحسب تعليقة كتبها أمير الحج السيد العلامة محمد بن عبدالله شرف الدين، اضافه الى توقيت ورد في مخطوط البحث المفيد، بل بتفصيل أكثر حيث ذكر أنهم تعرضوا للمذبحة وبعضهم كان قد انتهى من شد رحله بعد الغداء، وبعضهم في حال شد الرحل، وبعضهم كان لا زال في حال الغداء.
وبخصوص مكان المجزرة يوضح الباحث الأهنومي وبحسب المصادر أنه في تنومه من بني شهر في منطقة عسير ، الذي ورد في سيرة الامام يحيى ووثيقة العلامة قاسم العزي بأن الحجاج كانوا قد نزلوا على ثلاث فرق، الفرقة الاولى نزلت في تنومه وعدادها في بني شهر وفرقة في سدوان الاعلى وفرقة في سدوان الاسفل وسدوان معدود في بني الاسمر.
أسباب ارتكاب المجزرة
ويسرد الباحث الدكتور الاهنومي عدداً من الأسباب التي دفعت النجديين الى ارتكاب أكبر مجزرة بحق المسافرين والحجاج المسالمين بسبق تعمد واصرار، وأتموا بالقتل من كان جريحاً، وأخذوا أموالهم وكل ما يمتلكون منها
ويقول الباحث ان عبدالعزيز آل سعود كان قد أخضع معظم عسير وعلى رأسها أبها بجيش من الاخوان التكفيرين بعد ان خاض عدد من المعارك مع ابن عائض العسيري وانتهت بهزيمة وتثبيت حكم النجدين على هذا الجزء من اليمن الكبير و كان في المقابل الامام يحي واليمنيون يعتبرون عسير جزءاً لا يتجزأ من اليمن وكانوا يجاهرون بذلك ولهذا كان الاختلاف والاصطدام متوقعا وكان تأجيله ناتج عن انشغال الامام يحيى بترتيب أوضاعه الداخلية التي منعته من التعامل بما ينبغي تجاه ملف عسير.
وفي ظل تلك الظروف استغل ملك الرمال انشغال الامام يحيى وبدأ يتربص به وينتظر الفرصة المناسبة لإيصال رسالة تهديد واجبار للإمام يحيى بإقرار الوضع الحالي كما هو عليه وبدون ادعاءات ، لان الامام كان يتمسك بالحق التاريخي في عسير جبالها وسهلها ولهذا يقول الدكتور الوجيه ان رفض الامام يحيى للاحتلال السعودي لمدينة أبها وما حولها ومطالبته لا بن سعود بالرحيل منها يوحي أن مجزرة تنومه كانت رسالة تهديد وتخويف.
ظل الامام يحيى عصيا على بريطانيا خلاف حكام الجزيرة العربية فهو لم يخضع لها لأنه ينظر اليها انها دولة احتلال تسعى الى استغلال الارض وكونها محتله لجنوب اليمن، وهنا كانت بريطانيا تتحين الفرصة للدفع بحكام الجزيرة العربية لحافة المواجهة مع الإمام يحيى وحرف نظره الى الحدود الشمالية لليمن، اضافة الى صرفه عن النظر الى عدن ومناطق الجنوب المحتلة والتي يكرر الامام ضرورة تحريرها من الاحتلال البريطاني وهذا ما تجلى بوضوح في اندفاع الإدريسي للاحتماء بالسعوديين.
وبحسب الباحث والمصادر فان الوهابية تكفر المسلمين وتعتبرهم مشركين وضالين ومنحرفين ومبتدعين، ويمكن لاحدهم بتبرير تافه قتل المخالف وهذا نتيجة السبب العقائدي التكفيري الذي أنتج هذه الجماعات العنيفة بدءا من بالإخوان اهل الهجر وانتهاء بالقاعدة وداعش في عصرنا، وهو الباعث لهم على استباحة دماء مخالفيهم، وهذا ليس في أهل عصرنا فقط، بل فيهم منذ أول يوم وجِدت فيه الوهابية.
ويؤكد الباحث أن الوهابيين والحركة الوهابية قامت على أساسِ العنف الدموي، وتميزت بالشراسة والوحشية، فلم يكونوا يخضعون لقانون أخلاقي أو ديني، فمن قتل النساء والأطفال، إلى قطع رؤوس الأسرى، إلى الغدر ونقض العهود والمواثيق ، إلى التقلب في المواقف وموالاة الأمم الغالبة.
ووصف محمد حامد الفقي وهو من المتحمسين للوهابية مجزرة كربلاء مشيدا بجند الإسلام فقال : توجه سعود في ذي القعدة في سنة ١٢١٦ ه/ ١٨٠١ م بجموع كثيرة إلى العراق فكانت واقعة هائلة، وكانت مذبحة عظيمة، سالت فيها الدماء أنهارا، وخرج منها سعود وجيشه ظافرين ودخل كربلاء، وهدم القبة العظيمة بل الوثن الأكبر.
ولهذا ذكر القاضي عبدالرحمن بن يحيى بن محمد الارياني أن جنود ال سعود قتلوا الحجاج لانهم في نظرهم مشركين والدليل على ذلك ان علماء الوهابية أصدروا فتاوى باستباحة دماء اليمنيين في 2015م وحتى يومنا هذا.
أما الأسباب المادية والعسكرية لحدوث هذه المجزرة، فيؤكد الباحث الأهنومي أنها واضحة ، حيث اعتاد الحجاج اليمنيون ان يحملوا معهم البضائع والمنتجات المحلية لبيعها في موسم الحج والانتفاع بمردودها المالي في تكاليف الحج، وقد ذكر الرحالة بن جبير الأندلسي ان أسعار سائر انواع الحبوب والبقوليات ترخص عند وصول الحجاج اليمنيون.
ويوضح الأهنومي أن أهل مكة الحجاج كانوا ينتظرون وصول الحجاج اليمنيين، ولهذا ومن الموكد ان احد اسباب قتل الحجاج وابادتهم هو ما كانوا يحملونه من بضائع مغرية جدا ومال وفلوس ، حيث بلغ تقديرها بحسب البحث المفيد بحوالي أربع مائة الف ريال ماري تريزا فرنسي.
وبخصوص الأسباب العسكرية يقول الباحث ان معظم الحجاج كانوا بلا سلاح و قليل منهم من لديهم السلاح بهدف الدفاع على انفسهم واموالهم من قطاع الطرق ولم يكونوا على استعداد عسكري وهنا يشير الباحث إلى ان هذه الحالة كانت سببا من أسباب تجرؤ أولئك المتوحشين على الفتك بهم وابادتهم اضافة الى ان ابن سعود اتهمهم بالجنود المتنكرين بزي الحجاج.