اربعة عشر عاما على هزيمة 2006:
حزب الله يهزم اضخم ثالوث استخباراتي اسرائيلي..وجنرالات" اسرائيل" يتخبطون: لماذا لم ننتصر على حزب الله...
نواف الزرو
[email protected]
(هذه المادة البحثية التحليلية حول حرب الاستخبارات بين حزب الله والعدو الصهيوني هي جزء من فصل من كتاب موسع شامل وموثق حول معطيات الحرب ونتائجها بالوثائق والشهادات الصهيونية ، ونحن إذ نبادر لنشرها هنا على نحو مكثف للإفادة والذاكرة والوعي العام)
هناك في الكيان الصهيوني تشكل اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية الركيزة الاساس للدولة والجيش والحروب والانتصارات او الهزائم، بل ان الانجازات الامنية والعسكرية الاسرائيلية وخاصة على صعيد الاغتيالات والعمليات الخاصة تحققت بالنسبة لهم بفضل فعالية اجهزة الاستخبارات.
فمن وجهة نظر المؤسسة الاستخبارية الاسرائيلية فان جاسوسا واحدا يساوي أكثر من ألف جندي في أرض المعركة، كما قال نابليون بونابرت في زمنه، وربما اصبح يساوي اليوم في اعقاب الهزائم الاسرائيلية عشرة آلاف جندي في الميدان، اذ بدون الجاسوس –اي المعلومة- يبقى الجندي اعمى لا يرى شيئا...
وهذا هو المحرك لبحث جديد أصدره معهد الأمن القومي الإسرائيلي حول الميول القائمة في البيئة الإستراتيجية، والتي يجب على الاستخبارات الإسرائيلية الاستعداد لها في العقد المقبل، ويقول التقرير الذي جاء تحت اسم "الاستخبارات الإسرائيلية... إلى أين؟" "إنّ المبنى القائم حالياً لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية هش للغاية، ولا يستطيع مواجهة التحديات الجسام القائمة أمام الدولة العبرية".
وقد تجلت هشاشة الاستخبارات الاسرائيلية عمليا- ميدانيا هناك في لبنان في حرب صيف/2006 وما قبلها وما بعدها، وكذلك هناك في دمشق حينما ظهر نصر الله فجأة الى جانب الاسد ونجاد، والاخطر من جهة"اسرائيل" نجاح حزب الله في اختراق المؤسسة العسكرية والاستخبارية الاسرائيلية.
وفي سياق كتابات بحثية وتقييمية مختلفة حاول كتابهم ومحللوهم الرد على الاسئلة الكبيرة حول الهزيمة، فكتب المحلل العسكري الاسرائيلي المعروف اليكس فيشمان في يديعوت معددا خمسة عوامل للفشل الاسرائيلي تتعلق بالقيادتين السياسية والعسكرية والاستعداد والتنظيم، غير ان اهم عامل كان ذلك المتعلق بالاستخبارات اذ قال:"احدى المفاجآت الكبرى في الحرب لم تكن نوع الوسائل القتالية التي يمتلكها حزب الله، وانما كميتها، ففي الاستخبارات عرفوا أن لدى حزب الله صواريخ مضادة للدبابات من طراز متطور، ولكنهم فوجئوا من كمية الصواريخ التي أُطلقت، كما فوجئوا من تقنية القتال التي طورها حزب الله في جنوب لبنان".
واضاف:" ان السؤال الأكبر: لماذا بقي العدو في مكانه رغم الهجمات المكثفة؟، ورد على ذلك : ان صمود حزب الله لم يكن فقط قضية ردع اسرائيلي محطم، فهذه ايضا مشكلة استخبارات غير ممركزة بدرجة تُمكن المدفعية والقوات الجوية من ضرب الأهداف التي تُلحق الضرر التراكمي الصحيح بصفوف العدو".
ورأى الخبير الاسرائيلي في الشؤون الاستراتيجية رونن برغمان "ان الحرب التي تورطت فيها دولة اسرائيل وعمليات الكوماندوز الفاشلة، كشفت قصورين فادحين اولهما انهيار مفهوم التسلط الجوي الذي وضعه قبل سنوات قادة سلاح الطيران وتبنته القيادة العسكرية، ويقوم على انه يمكن حسم أي معركة جواً مع الاستعانة بقوة برية صغيرة. والثاني فشل استخباراتي ذريع سيُكتب الكثير عنه بنسبة اكبر مما كتب عن الاخفاق في حرب تشرين الأول (اكتوبر) 1973".
وكرس برغمان حيزاً واسعاً من تقريره في يديعوت احرونوت2006/8/19 ليتناول ما وصفه بـ "العمى الاستخباراتي"، وقال"ان الاستخبارات الاسرائيلية فشلت في اختراق حزب الله فشلاً ذريعاً على رغم ان مئات من عناصرها عملت في هذا الاتجاه"، واضاف "ان عدم النجاح في اختراق مركز صنع القرار في حزب الله انعكس جلياً في النتائج التي تمخضت الحرب عنها"، وأشار الى ان بداية الفشل الاستخباراتي كانت مطلع العام الفين حين مني الجيش بـ"إحباط ويأس" بعد فشل "عملية كبيرة استهدفت الحصول على معلومات عن تحصينات حزب الله، لكنه لم يشر الى طبيعتها، ومنذ ذلك الوقت عملت الاستخبارات العسكرية في عتمة لم تر فيها شيئاً"، وجعل "العمى الاستخباراتي" من الجنود الصهاينة "بطاً في ميدان رماية عناصر حزب الله".
وعدّد الكاتب ما وصفها بـ "الثقوب السوداء" في عمل الاستخبارات الصهيونية في لبنان منها:
- فشل الاستخبارات في التوقع المسبق للهجوم الذي شنه حزب الله وتسلل وحدة كوماندوز الى الأراضي الاسرائيلية لأسر الجنديين.
- الاستخبارات لم توفر للجيش معلومات كافية عن منظومة الصواريخ المضادة للمدرعات التي في حوزة حزب الله، بما في ذلك عددها وأنواعها.
- لم توفر الاستخبارات معلومات ايضاً عن وسائل قتالية متطورة لدى حزب الله مثل الصاروخ الذي قصف البارجة.
- عدم توفير معلومات استخباراتية عن المنظومة المتطورة التي بناها حزب الله للقتال داخل القرى وعدم تزويد القوات البرية معلومات كافية عن تحرك مقاتليه.
- فشل الاستخبارات في تزويد وحدات النخبة العسكرية بمعلومات دقيقة قبل عمليات الانزال في بعلبك وصور التي فشلت جراء معلومات غير صحيحة زودتها الاستخبارات لوحدات النخبة.
- الفشل في تحقيق اختراق جدي لمركز صنع القرار في حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت.
- عجز الاستخبارات، حتى الآن، عن الرد على السؤال الأهم وهو: أين يقيم الأمين العام لـ حزب الله حسن نصر الله...؟!
واعترف مسؤول امني إسرائيلي "بحرب عقول" مستمرة بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وجهاز الأمن الداخلي التابع لحزب الله، لكنه، أكد بان النشاط الاستخباري الاسرائيلي في المنطقة غير كاف لإحباط مساعي حزب الله لتطوير قدراته العسكرية وتكثيف تواجده الأمني المسلح في مناطق جنوب لبنان/3 / 08 / 2009
واكدت صحيفة ذي تايمز البريطانية "أن حرب جواسيس تدور حاليا في الخفاء بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، وأن الأخير أقام شبكة خلايا جاسوسية له داخل الدولة العبرية تقوم بالتجنيد حتى إنها تجند جنودا إسرائيليين/ الجزيرة-الاثنين 2/23/2009"، وأضافت صحيفة ذي تايمز "أن الاعتقالات التي تمت مؤخرا لجواسيس مزعومين أماطت اللثام عن حرب سرية "مهلكة" تدور بين الدولة اليهودية والتنظيم اللبناني الشيعي على حد وصفها.
وفي سياق هذا الفشل الاستخباراتي ايضا كتب المحلل العسكري المعروف عاموس غلبوع في معاريف 2006/8/15 قائلا:" كانت أسهم النقد التي سُددت في بداية الحرب الى الاستخبارات (وفي مركزها "أمان")، في موضوع صواريخ حزب الله: فلم تعرف الاستخبارات كم من الصواريخ يملك حزب الله، وما هي أنواعها، وأين هي وما يشبه ذلك من الاتهامات.
استخبارات حزب الله- عناصر القوة والتفوق
وهناك في المشهد الامني /العسكري/الاستخباراتي الاسرائيلي الكثير ..الكثير من المعطيات والدلائل التي تؤكد الحقيقة الكبيرة الساطعة: ان اسرائيل منيت بهزيمة عسكرية حارقة في هذه المواجهة الحربية مع حزب الله ...بل ان رون بن يشاي كبير محلليهم الاسترتيجيين يثبت لنا حقيقة اخطر عندما كتب في "يديعوت أحرونوت2006/8/22" : "إن ما حصل للجيش الإسرائيلي في الواقع يشبه الهزيمة التي مني بها الجيش الأمريكي في فيتنام، وتلك التي مني بها "الجيش الأحمر" في أفغانستان، حيث وقفت الجيوش النظامية عاجزة أمام المقاتلين ولم تتمكن من بلورة تكتيك قتالي ناجع أمام الفيتكونغ والمجاهدين".
وبرأي بن يشاي فإن "وقف إطلاق النار منع وقوع هزيمة أكبر بكثير في القتال البري".
ولعل ابرز عوامل التفوق الاستخباري لحزب الله تمثل من جهة اولى بنجاحه المطلق في تنظيمه الداخلي وفي انتشاره وقدرته على اخفاء القيادات والمقاتلين والاسلحة الصاروخية، وتتمثل ثانيا بقدراته الاستخبارية المتميزة على مستوى رصد وملاحقة وتفكيك اخطر شبكات التجسس اللبنانية العاملة لصالح الموساد الاسرائيلي، وفي هذه المسألة تحديدا اعترفت مصادر أمنية اسرائيلية "أن جهاز الأمن الخاص لحزب الله استطاع تفكيك أخطر شبكات التجسس التابعة للموساد الصهيوني والتي عملت في بيروت والجنوب اللبناني".
وقالت المصادر" أن عملاء الموساد الذين القي القبض عليهم في بيروت هم الأخطر في منطقة الشرق الأوسط والأكثر تدريبا على احدث الأجهزة الالكترونية وان مهمتهم كانت تحديد الأماكن والمخابئ السرية والشقق البديلة التي يستخدمها زعماء الحزب ووضع علامات الكترومغناطيسية وفوسفورية على الأماكن التي يجب أن يستهدفها القصف الصهيوني إضافة إلى زرع أجهزة التصنت في أماكن متعددة في الضاحية الجنوبية/التقرير نقلا عن فلسطين اليوم /2006/9/2 ".
وأوضحت المصادر "أن الخلية الثانية تتكون من 20 شخصاعملت في الجنوب اللبناني وعملت خلال الحرب على إمداد دولة الاحتلال بكافة المعلومات حول الأنفاق والمواقع التابعة للحزب وان قائدها هو قبطان بحري لبناني جرى تجنيده وتهريبه من ايطاليا إلى دولة الاحتلال بعد أن ألقت السلطات الايطالية القبض عليه بتهمة الاتجار بالمخدرات"، ونوهت المصادر إلى "أن الإعلان والتسريب الصهيوني حول العمليات الاستخبارية لحزب الله جاء بعد تيقن دولة الاحتلال من كشف الشبكتين وقطع الاتصال معهما وفي محاولة أيضا لإيصال رسالة للجمهور الاسرائيلي بان أجهزة الأمن الاسرائيلية نجحت في اختراق حزب الله " .
وتتمثل كذلك بالمفاجآت الكبيرة التي هزت اركان اسرائيل وجيشها مثل مجزرة دبابة الميركافا المشهورة، وتدمير المدمرة الاسرائيلية، واطلاق الصواريخ نحو اهداف عسكرية دقيقة في شمال فلسطين المحتلة وغير ذلك.
ولعل الصفعة الاستخبارية الشديدة الاولى التي وجهت الى الجيش الاسرائيلي جاءت في أعقاب صلية الصواريخ التي أطلقت على "كفار غلعادي" وأدت إلى مقتل 12 جندياً ...
وقالت مصادر عسكرية أن القيادة اللوجستية لوحدة المظليين في الإحتياط التي تعرضت للقصف، كان قد تم نقلها إلى المكان قبل وقت قصير من سقوط الكاتيوشا، ولم يعلن عن أي مستوى عسكري أصدر هذا القرار.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى قول أحد عناصر الإستخبارات العسكرية بأن المنطقة، كفار غلعادي، قد تكون مكشوفة لأحد مواقع الرصد التابعة لحزب الله في الجانب اللبناني من الحدود قرب مزارع شبعا.
وبحسب المصدر نفسه فإن لدى الإستخبارات العسكرية معلومات تشير إلى أن قصف المنطقة المذكورة كان مخططاً من حزب الله " .
وفي الخلاصة المكثفة المفيدة يمكننا القول بدورنا في ضوء كل هذه المعطيات والشهادات الاسرائيلية والامريكية على نتائج الحرب ...انه على خلاف استراتيجياتهم ومخططاتهم ومفاهيمهم الامنية المرتكزة الى حد كبير الى تفوقهم الاستخباراتي والتكنولوجي المزعوم ..و الى ما يسمى قدرة "الردع" و "حرق الوعي لدى الآخر"...وعلى خلاف ثقتهم العالية بالنفس وغطرستهم العسكرية المرتكزة ايضا الى تفوقهم الجوي واجهزة استباراتهم واعتقادهم بامكانية الحسم العسكري السريع في اي مواجهة حربية مع اي طرف عربي ...فقد نجح حزب الله في هذه الحرب العدوانية الاسرائيلية الاجرامية المنفلتة في قلب كل الحسابات والتقديرات العسكرية والاستوراتيجية..وفي اسقاط النظريات والمفاهيم الحربية الاسرائيلية ...بل اكثر وابعد من ذلك فقد "رد نظرية "كي الوعي" الى نحورهم ...