كتب الأستاذ حليم خاتون: أي لبنان نريد..؟
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: أي لبنان نريد..؟
حليم خاتون
25 تشرين الثاني 2021 , 14:34 م

كتب الأستاذ حليم خاتون:


لو سأل أي مراقب كل لبناني على حدة هذا السؤال، ربما خرج بعشرات آلاف الأجوبة المتداخلة بعضها في البعض الآخر، والمختلفة دائمًا بشيء ما، بعضها عن البعض الآخر...

"اللبناني متميز"، قد يقول البعض...

اللبناني، "شيء آخر"، يقول البعض الآخر...

"خلق الله اللبناني وكسر القالب"، يؤمن فعلاً بعض اللبنانيين، وهم كثر على فكرة، وليسوا أبداََ أقلية كما قد يتوهم البعض...

إنها النرجسية عند اللبنانيين..

يكفينا هنا نظرية طائر الفينيق المملة...

لكن الأكيد الأكيد، أن هذا اللبناني "إله صغير" يعتبر أن الله خلق الكون كله إكراما لحضرته...

أكثر صورة تنطبق على هذا اللبناني هي صورة سعيد عقل الذي بدأ إنسانياً، ثم صار قومياً عربياً، ثم قومياً لبنانياََ... إلى أن انتهى إلى اعتبار نفسه أيقونة الوجود كله...

شعب يعتبر هذا المعتوه النازي فيلسوفاََ، يحتاج فعلا إلى علاج نفسي مكثف...

الشعب اللبناني مُسيّس صحيح، لكنه أيضاً طائفي، ومذهبي، وعنصري تجاه الآخر إلى درجة أنه من الصعب جمع اللبنانيين في أحزاب وحركات إلا إذا استند الموقف أو الشعار إلى تلك العناوين...

التعددية التي من المفترض أن تكون غنى ثقافياً وإنسانياََ في كل المقاييس تعيش ملعونة في لبنان، وفي خوف دائم من هذا الآخر...

لم تخجل امرأة من القول علنا على الشاشة إنها تؤيد فؤاد السنيورة لأنه من (ملتها!!!)، كما لا يستحي آخرون من الحديث عن (جماعتنا!!!)...

حتى الماركسيين السابقين، تقوقعوا خلف زعماء الطوائف أو المناطق...

نسوا كارل ماركس وفلاديمير لينين وتشي غيفارا...

نسوا العلمانية والفلسفة والعلوم، لم يحافظوا من الحداثة إلا على موديلات الثياب، وماركات السلع وما شابه...

إنه اللبناني "اللًي بدّو يعيش"...

الغريب، أن مقومات العيش والحياة غير معقدة، ويستطيع معظم اللبنانيين تأمين الحد الأدنى من هذه المقومات...

لماذا تعصى اليمن على كل الغزوات وعلى مدى التاريخ، بينما يقبل اللبنانيون دوما بالغازي الجديد، كي يقدموا له فروض الطاعة...

بالتأكيد هناك متطلبات عصرية استجدت، وصارت من ضروريات الحياة...

لكن اللبناني هو ربما من القلائل جداً من بين الشعوب الذي يعتبر هذه المقومات اهم من الكرامة أو عزة النفس... بل أهم حتى من معنى الوطن والوطنية...

حتى الوطنية صارت في لبنان وجهة نظر...

ربما ليس كل اللبنانيين، لكن نسبة اللبنانيين المستعدين لبيع حصتهم من الوطن مقابل بدل، نسبة ليست ضئيلة كما قد يتصور البعض...

الذين طالبوا ماكرون بعودة الاستعمار الفرنسي، أو الذين طالبوا الأمم المتحدة بوضع لبنان تحت الوصاية الدولية، ليسوا على الإطلاق أفراداً قلائلَ...

حتى بعض الأحزاب والتنظيمات سعت سرا في فترات ما لوضع لبنان تحت الفصل السابع مع ما يعنيه هذا من فقدان أي من مقومات السيادة...

المضحك المبكي أن معظم هؤلاء هم من رافعي شعارات السيادة...

على فكرة، ينتشر هؤلاء "السياديون مع وقف التنفيذ" على كامل الجغرافيا اللبنانية، وفي كل المجموعات الطائفية والعرقية وحتى في فئات عمرية قد تُذهل المراقب...

في ألمانيا، حيث تزيد مسحة البلد على ٣٠٠ ألف كلم٢، وحيث يزيد عدد السكان على ٨٣ مليون، لا يتعدى عدد الأحزاب السياسية الأساسية عدد أصابع اليد الواحدة... وفي حال أخذنا في الحسبان الأحزاب الصغرى، سوف لا تتعدى عدد أصابع إثنتين من الأيدي...

في لبنان ال١٠٤٥٢كلم٢، وأقل من خمسة ملايين نسمة، يفوق عدد الأحزاب والحركات والتيارات السياسية عدد أصابع اليدين والرجلين معاََ، وإذا اضفنا إليهم عدد المنصات السياسية، سوف نحتاج ربما إلى أصابع نصف السكان للقيام بالعد...

في ألمانيا، عدد الأندية والجمعيات الرياضية والثقافية والعلمية..الخ يفوق ال ٦٠٠ الف، بينما لا نحتاج في لبنان الى أي تعداد... لأن العلوم مفقودة والثقافة مصادرة والأندية تتبع الطوائف والزعامات...

هل من أمل يرتجى في هذا الوطن؟

أراد الخمير الحمر في كامبوديا إعادة التكوين الفكري والثقافي، فقاموا بارتكاب إحدى أكبر الجرائم الإنسانية التي عرفتها البشرية...

أكيد أننا لسنا في وارد إعادة تجربة الخمير...

لكن من الممكن على الأقل تطبيق مشابه لهذه التجربة على من حكم هذا البلد من بعيد أو من قريب منذ إنشاء دولة لبنان الكبير...

هل هذا ممكن؟

بالتأكيد، وعبر إقامة مؤتمر مصارحة كما حدث في دولة جنوب افريقيا...

يأتي كل حزب وكل مجموعة وكل فرد من هؤلاء يقولون ما عندهم ويجيبون على تساؤلات المواطنين...

يجري كل هذا على الهواء مباشرة، لكي تكون الأمور واضحة وضوح الشمس أمام كل اللبنانيين...

من يريد بناء دولة، لا يستطيع بناءها وحده...

وبما أننا نختلف في الكثير من الامور، علينا الوصول إلى قناعات وقواسم مشتركة، أكيد دون الانتقاص من حق السيادة وحق الدفاع

قد نختلف مع سيرج داغر ومحمد نجيب ميقاتي على العلاقة مع الخليج...

لكننا سوف نتفق حتماً على ان السيادة لا تتجزا، وان الكرامة الوطنية لا يمكن القبول بابتزازها...

يقول أشرف ريفي انه مع أستراليا فيما قررت، وان معظم اللبنانيين هناك من طرابلس ولن يتأثروا...

أشرف ريفي مستعد لبيع جزء من السيادة والكرامة مقابل بدل مادي...

هذا هو المعنى الحقيقي لما قاله..

بناء وطن يعني اول ما يعني بناء استقلال...

الاستقلال، يعني ان لا نتبع لا السعودية ولا أستراليا، ولا لأميركا ولا لإيران...

بغض النظر عن الفرق بين هذه العلاقات...

لكن إذا اردنا فعلا بناء استقلال فلنحدد معايير هذا الاستقلال...

الاستقلال يحتاج إلى دفاع، والدفاع يحتاج إلى جيش، والجيش يحتاج إلى رجال ونساء وميزانية، وليس إلى حملة شحادة تذهب إلى طرف معين هو بالقطع عدو لأكثر من نصف اللبنانيين... ثم ترفص الذهاب إلى الطرف الآخر...

بناء دولة يعني بناء قضاء مستقل، ولكن يخضع هو أيضاً للمساءلة، وليس تركيب ملفات كما فعل القضاء الوطني والدولي في قضية رفيق الحريري، وكما يفعلون اليوم في قضية المرفأ والطيونة...

بناء دولة لا يعني ان رياض سلامة فوق الجميع، ولا يخضع للمحاسبة... بل يعني ان يكون هناك سلطة شعبية تستطيع اعتقاله، كما غيره من المسؤولين...

بناء ديمقراطية يعني ان يكون بإمكان الشعب عزل أي مسؤول بمجرد جمع نسبة محددة من التواقيع لهذا...

غورو الذي اعلن عن تأسيس لبنان الكبير الضعيف الهش، لا يختلف عن بريمر الذي اعلن عن تأسيس العراق الحالي الذي تم قضم ظهره لصالح أحزاب متناحرة تدعي الوطنية ولا تقوم بأبسط الواجب لإقامة وطن واحد لكل أبنائه...

بناء وطن يقوم على شعار نردده ولا نطبقه...

الدين لله، والوطن للجميع...

هذا يتطلب اول ما يتطلب فصل الدين عن الدولة..

هل نحن مستعدين لخوض غمار تجربة محاولة بناء وطن...؟

هنا السؤال، هنا المسألة...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري