كتب الأستاذ حليم خاتون:
يتساءل المرء ما هي الصعوبة القصوى التي تجعل من الصراع العربي الصهيوني، صراعاً يعصى على الحل كما حصل مثلاً مع نظام الفصل العنصري في دولة جنوب إفريقيا...
نظام الأبارتايد هناك كان أيضاً نظاماً استيطانياََ قام على سرقة الأرض عن طريق المستعمرين البريطانيين...
لا نعرف التاريخ الصحيح لما حدث هناك، حيث من الممكن أن عدد البيض لم يصل إلى نفس مستويات الذين ذهبوا إلى أميركا أو استراليا، ولذلك وجدنا عددا لا بأس به من الأفارقة السود لا يزال على قيد الحياة...
ربما أن هؤلاء البيض ابقوا على حياة قسم كبير من السكان الأصليين، بسبب حاجتهم لهم في العمل في الحقول والمناجم، أو للقيام بالأعمال الوضيعة أو الصعبة التي لا يقوم البيض بها...
مهما كانت الأسباب، يبقى التساؤل نفسه... أين تكمن صعوبة حل القضية الفلسطينية كما تم حل مسألة جنوب إفريقيا أو زيمبابوي (روديسيا سابقاً)...؟
الاستعمار هو نفسه، القديم والجديد...
رأس المال الذي كان يتحكم بدول الاستعمار القديم والعالم والذي انتقل للتحكم بالإستعمار الجديد والعالم هو نفسه في زمن جنوب أفريقيا وزمن فلسطين..
الإمبريالية التي تجسد أعلى مراحل الاستعمار الجديد حسب العلم الماركسي، هي نفسها تتركز في اميركا محتفظة بالمراكز التقليدية، لندن، باريس، فرانكفورت... الخ...
لا بل هي تتركز في شارع واحد في نيويورك، هو وول ستريت، ومن هناك يتم التحكم بالاقتصاد العالمي كله...
كيف جرى تكون رأس المال هذا...؟
إذا كانت الحيوانات تقتل
عندما تجوع من أجل البقاء، فإن الإنسان هو أسوأ المخلوقات على الإطلاق...
الإنسان يقتل استجابة لغريزة البقاء عندما يجوع؛ وعندما يشبع، يزيد مستوى القتل عنده استجابة لغريزة السيطرة...
من منا لم يسمع دونالد ترامب حين قال، أن على اميركا السيطرة على منابع ومصادر الطاقة، ليس لحاجتها لها ولكن من أجل السيطرة...
Not for need, but for domination..
إنها غريزة السيطرة...
لذلك انتقل الإنسان الأول شيئا فشيئا من حياة الصيد والغذاء إلى حياة مراكمة الغذاء وحفظه...
لأن الغذاء لا يمكن حفظه لزمن طويل، بدأ في مقايضته بأدوات وأشياء حسية...معادن احجار، إلى أن وصل إلى الذهب...
يمكن القول إن هذا الانسان كان يجمع الذهب منذ أيام عصر العبيد وصولا إلى يومنا هذا...
لكن الحروب والغزوات وتدمير المدن والنهب والقتل كان يقضي في الطريق على أصحاب هذه المقتنيات الذهبية أو المعدنية، فينتقل إلى ايد جديدة لا تلبث أن تبددها...
من يتصفح تاريخ تطور النقود يجد ان معظم رأس المال الذي كان يتبع لمعظم الاوطان، كان مصيره إما الضياع أو الإنتقال إلى الغزاة الجدد...
وحده رأس المال اليهودي كان يجد لنفسه انتقالاََ أكثر سهولة بين المدن والبلدان بحكم توزع اليهود في كل أرجاء العالم... اينما ذهب اليهودي يجد لنفسه ملجأ وأقرباء يساعدونه على استقرار جديد بانتظار غزوة جديدة أو انتقال جديد...
هكذا يمكن القول إن رأس المال اليهودي كان أقل عرضة من غيره للضياع...
يضاف إلى ذلك أن الربا الذي كان محرما بين يهودي وآخر، لم يكن كذلك في حال كان المقترض غير يهودي... وهذا ما سمح لهذا الرأسمال بالنمو باضطراد دون صعوبات ومخاطر...
وقد وصل الأمر ببعض هؤلاء إلى حجم من الثروات مكنهم من شراء ليس فقط الأراضي والقصور والممتلكات، بل أيضاً السلطة...
هكذا اشترى المرابي روتشيلد لنفسه لقباََ نبيلاََ من الإمبراطورية النمساوية الهنغارية، التي كان يقرضها المال من أجل التوسع وبسط نفوذها في أوروبا...
يقال إن روتشيلد هذا كان يستفيد كثيرا من الحروب عبر القروض وعبر شراء كل ما يقل ثمنه نتيجة هذه الحروب... إلى درجة أنه عمل على تشجيع اندلاع النزاعات بين الدول في سبيل مزيد من الثروة...
مع بروز دولة بروسيا، حاول روتشيلد الدخول والعمل هناك وربط المارك بالذهب دون أن يلقى نجاحا إلى أن وقعت الحرب البروسية الفرنسية التي انتهت بهزيمة فرنسا...
طالبت بروسيا فرنسا بتعويضات الحرب... لكن فرنسا المهزومة، كانت أيضا مفلسة...
جاء روتشيلد إلى بيسمارك وعرض عليه الصفقة التالية:
هو مستعد لإقراض فرنسا كمية ضخمة من الذهب تدفعها كتعويضات حرب إلى بروسيا، مقابل وضع هذا الذهب في مصرفه وربط المارك بالذهب والسماح لمؤسسات روتشيلد بالعمل هناك...
إنه نفس روتشيلد الذي عرض على السلطان العثماني عبد الحميد تسديد ديون السلطنة مقابل إعطاء فلسطين وبيت المقدس إلى الصهاينة...
يومها رفض السلطان التفريط بأولى القبلتين...
كان اولاد روتشيلد قد توزعوا في المدن الأوروبية الرئيسية...
وسيطروا على اقتصاداتها...
ما رفضه السلطان عبد الحميد قبله البريطانيون بحماس...
المهم أن هوية رأس المال الاستعماري اخذت طابعا صهيونيا لم يتوقف عن التوسع والنمو على حساب كل الرساميل الأخرى سواء عبر الحروب أو عبر المصادرات والتأميمات والاحتلالات...
ما يواجهه العرب والمسلمون الحقيقيون، وليس أبناء سعود وزايد وخليفة، وكذلك المسيحيون وبقية احرار العالم:
هو اخطبوط أساسه رأس مال الصهاينة الذي يشترون به كل الرؤساء والملوك وأعضاء الكونغرس ومجالس الشيوخ واللوردات وزعماء الدول... الخ
لذلك معركة الفلسطينيين هي قطعاً أكثر صعوبة بكثير من اي حروب تحرير أخرى...
من هنا كان قول الدكتور جورج حبش من أن تحرير فلسطين هو أشبه ما يكون بمهمة مستحيلة، ولكن عدم خوضها يعني الموت والزوال الحتمي...
من هنا التوجه الى كل حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية والسورية واليمنية وإلى الجمهورية الإسلامية بالقول إن أي حلم بأنصاف حلول، أو حلول جزئية هو مجرد وهم...
إسرائيل هي فعلاً شر مطلق...
إسرائيل هي ورم سرطاني إن لم يتم إقتلاعه سينتهي به الأمر إلى ابتلاع كل ما حوله حتى يبتلع كل الكوكب...
أميركا ليست سوى الصورة المكبرة لهذا الاخطبوط المالي...
قد تكون اميركا أكثر براغماتية من إسرائيل، في استيعاب الهجوم واستيعاب الهزائم...
لكن النظام الأميركي كما تقول الاغنية، هي فعلاً رأس الأفعى ويجب القضاء على رأس الأفعى، إذا أردنا القضاء على ذنبها الإسرائيلي...
الذي يأمن للأفعى إما غبي أو انتحاري...
الحرب مع الافعى حتمية ويجب ضربها فور أن تسمح الفرصة وألا فالموت بالسم القاتل آت حتما...
في إحدى المرات، كنت اشتري سيارة من رجل مسن الماني...
تبادلنا الحديث عن الشرق الأوسط... قال هو ما عنده...
وقلت أنا ما عندي...
عند افتقارنا، نظر إلي وقال إذا كان ما تقوله صحيحا فهذا يعني انكم انتم العرب آخر حصن للبشرية أمام هذا التنين...
ابتسمت وقلت، ليس كل العرب...
وليس كل الفلسطينيين...
إنها آخر الحروب بين الخير والشر...
لذلك هي واجب كل أحرار العالم أن يعملوا على انتصار مبادئ السيد المسيح ومساعدة أحفاده الفلسطينيين على استعادة الأراضي المقدسة كي تعود نقية مع عودة المخلص...