كان كورت فالدهايم أميناً عاماً للأمم المتحدة...
مثله مثل كل الامناء العامين لهذه المنظمة كان عليه أن يحرص على عدم إغضاب القوى العظمى...
لكي تحافظ على كرسي، عليك أن تنسى الضمير وتنسى الإنسانية وتجاري هذه الدول بكل ما تريد...
هكذا يفعل غوتيريش هذه الأيام بعد أن بدأ حياته يساريا، يدافع عن حقوق النصف الفقير من الكرة الأرضية؛ وها هو يحمي إسرائيل والسعودية والإمارات من اي ملاحقات قانونية ويسمح للرياض أن تتزعم مجلس حقوق الإنسان!!!...
في لحظة ضمير، صدق كورت فالدهايم النمساوي أن أوروبا تريد فعلا حلا للقضية الفلسطينية يقوم على دولتين...
بدأ العمل بجدية من أجل حشد التأييد لهذا الحل...
كان من المؤكد أن يصطدم مع إسرائيل التي بدأت فورا العمل على منع إعادة انتخابه لذلك المنصب...
لم يكن ذلك صعباً...
فقد استطاعت إسرائيل جمع أكثر من فيتو من الدول الخمس دائمة العضوية لمنع فالدهايم من البقاء في منصبه...
عاد الرجل إلى بلده وترشح لمنصب مستشار النمسا...
جن جنون إسرائيل وبدأت حملة عالمية عليه بتهمة الإنتماء في شبابه إلى الشبيبة النازية لهتلر...
لم ينف فالدهايم الأمر، وقال بصريح العبارة أن النمسا كانت جزءًا من الرايخ الثالث بعد أن ضمها هتلر الى ألمانيا... وان الخدمة الإجبارية في الجيش كانت تجبر كل الشباب للإنضمام إلى هذا الجيش...
تفهم الشعب النمساوي ابنه كورت فالدهايم، ورأى أن ما يجري معه هو ابتزاز رخيص، خاصة بعد أن علت أصوات كثيرة في أوروبا تتهم إسرائيل بتطبيق نظام أبارتايد للفصل العنصري كما كان الحال في جنوب افريقيا...
فاجأت النمسا العالم واختارت فالدهايم مستشاراً جديداً للبلاد...
زاد جنون إسرائيل ومعها طبعا اميركا ودول حلف الاطلسي...
فُرض حصار قاسِِ على النمسا رغم أنها بعد الحرب العالمية الثانية قررت أن تكون دولة محايدة بين المعسكرين الشرقي والغربي...
مع الحصار جاءت العقوبات ضد التصدير والاستيراد...
بدأ شعب النمسا يعاني وزادت البطالة، ومعها التضخم الذي رفع أسعار السلع...
لم يعتذر كورت فالدهايم...
لكنه خرج على الشاشة وخاطب الشعب النمساوي قائلا...
ما فعلته وما قلته يعبر عن وجهة نظري، وانا مصر على هذا ومستعد لتحمل كل العواقب، لكني سوف اتقدم بالإستقالة من منصبي لمنع الإساءة إلى شعبي والى بلدي...
استقال فالدهايم وانتصر الشر الأميركي الصهيوني على الحق مرة أخرى...
جورج قرداحي قال كلمة حق...
الفرق بين فالدهايم وقرداحي أن الأول كان ينتمي إلى أمة وقفت وراءه واحترمت قراره حين تحدى اميركا وإسرائيل... واحترمت قراره حين تنحى...
بينما ينتمي الثاني إلى شعب من تجار الهيكل، نصفه من عملاء اميركا والغرب، وأكثر من نصفه من عبدة الدولار...
سوف يذكر التاريخ أن العملاء وتجار الهيكل وعبدة الدولار انتصروا في لبنان...
لكن قرداحي لم يتراجع...
تماما مثل فالدهايم...
أصر على صحة موقفه وآثر أن لا يسمح لكلاب العرب المسعورة من استمرار النهش في جسد وطنه النحيل الذي يعاني...
عزاء جورج أنه لم يبق في حكومة وفي نظام، معظم أركانه إما عملاء وإما لصوص...