كونفيديرالية الفراعنة في لبنان.. لبنان جمهورية مع وقف التنفيذ.
مقالات
كونفيديرالية الفراعنة في لبنان.. لبنان جمهورية مع وقف التنفيذ.
حليم خاتون
11 كانون الأول 2021 , 18:50 م

كتب الأستاذ حليم خاتون:


قبل الحرب الأهلية كان لبنان دولة شبه مركزية في الواجهة، أما خلف الستار...

فقد كان بالفعل كونفيديرالية طوائف، حيث يمثل كل طائفة زعامتان، واحدة دينية ممنوع المس بها، وواحدة سياسية إقطاعية في أغلب الأحيان...

حاول فؤاد شهاب مأسسة هذه الدولة... لكنه وإن ترك بعض المؤسسات بعد حرب شرسة مع الحلف الثلاثي من إقطاعيي الموارنة، إلا أن الكونفيدرالية تقاسمت هذه المؤسسات فيما بينها... وهكذا صرنا أمام كونفيديرالية طوائف، حيث تضع كل واحدة من هذه الكونفيديراليات الطائفية يدها على مؤسسة أو أكثر من مؤسسات الدولة، تمارس فيها الزبائنية السياسية لكسب الفقراء الجاهلين لأبسط حقوقهم المدنية كمواطنين في دولة...

اندلعت الحرب وبرز أمل بأنه من الممكن تغيير هذا الوضع باتجاه بناء دولة على يد يسار كان يلهب الشوارع بشعارات تبين أنها كانت في النهاية مجرد شعارات وأن هذا اليسار ليس سوى صورة طبق الأصل عن المجتمعات الكونفيدرالية المتخلفة نفسها...

عندما يضع اليسار الماركسي إقطاعياََ على رأسه، ثم وبعد اغتيال هذا الإقطاعي يقوم بتنصيب ابنه المتخرج من الحانات والملاهي الليلية رئيساً للحركة الوطنية، ويخضع لعتاة اليمين الفلسطيني المتمثل بجماعة الإخوان المسلمين أو أشباههم... لا يمكن سوى الترحم على على كل هذا الفكر اليساري وقراءة الفاتحة عن روحه...

قد لا يوافق الكثيرون على دخول الجيش السوري إلى لبنان، وكاتب هذه السطور كان واحدا من المعارضين لهذا الدخول ورأى بعين الطفولية اليسارية أن هذا الدخول انقذ اليمين في لبنان من هزيمة ساحقة وأنهى إمكانية قيام دولة ديمقراطية في لبنان...

لم يمر وقت طويل قبل أن نكتشف عقم اليسار وعقم الديمقراطية في لبنان وأنه لولا دخول النظام السوري إلى لبنان، لكان كمال جنبلاط أنهى الحرب التي قامت بين الدروز والموارنة في القرن التاسع عشر وانتقم من الفلاحين المسيحيين الذين هزوا

عرش الإقطاعية الدرزية وسيطروا على السلطة بدعم فرنسي كامل وواضح...

أما عتاة اليمين الإخواني الفلسطيني فقد بينت حرب سنة ١٩٧٨، ثم غزو لبنان سنة ١٩٨٢ أن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لم تكن سوى سلطة مقاومة فنادق وشقق فخمة ما لبثت أن لاذت بالفرار أمام دخول الصهاينة الى لبنان...

بعد أقل من عشرة سنوات على معركة الكرامة في الاردن، كانت قيادة منظمة التحرير (الخاضعة لسيطرة حركة فتح) قد نست سبب قيامها...

بدل الفرح بدخول الصهاينة للقيام بالإشتباك معهم في حرب شعبية طويلة الأمد عبر الانتشار في جبال لبنان ووديانه أو حتى الدفاع عن المخيمات في حرب شوارع داخل المدن...

قامت هذا المنظمة بالإنتحار الذاتي، هكذا ببساطة ومن تلقاء نفسها انسحبت حتى تم حصارها في بيروت قبل أن توافق على توزيع مقاتليها على بعد آلاف الأميال عن الحدود الفلسطينية...

بعد اندحار هذا اليسار الانتهازي،

وبداية ظهور إمكانية بروز حركة مقاومة أكثر ثورية وأكثر جذرية سارعت الولايات المتحدة الى العودة لمغازلة سوريا وتلزيمها لبنان بالشراكة مع الوهابية السعودية...

وبعد فشل عدة محاولات للوصول إلى تسوية طائفية في لوزان في سويسرا، حيث أن الإستعمار يحرص دوما على الحفاظ على نظم تقسيم المشرق على أساس ديني أو مذهبي أو عرقي، استدعت السعودية أمراء الحرب ومعهم النواب الممدد لهم عدة دورات إلى مدينة الطائف حيث تم قص أجنحة المسيحيين السياسية لصالح السنة، في الطريق قبل أن يعمل رفيق الحريري على محاولة قص الأجنحة الإقتصادية لاحقاً...

تخلى المسيحيون عن الكثير من الصلاحيات في السلطة الرمزية التنفيذية، في الرئاسة الاولى، وفي مجلس الوزراء... لكنهم حرصوا على الحفاظ على على التأثير الكامل في الجيش وفي القضاء وفي المصرف المركزي...

يمكن القول إن اتفاق الطائف كان اتفاقاََ اميركياََ بامتياز...

أولاً، تم الحفاظ على التقسيمات الطائفية في البلد لمنع إمكانية قيام دولة مدنية بأي حال من الأحوال...

الشرق يجب أن يكون دولاََ ذات تركيبة طائفية من أجل مستقبل يتقبل الدولة الدينية اليهودية...

ثانيا حرصت اميركا على الإمساك بالسلطة القضائية إلى درجة حصر الهيئات العليا في هذا القضاء حصراً بمن يتبع لها مباشرة أو غير مباشرة...

ثالثاً، حرصت اميركا على أن يكون القرار المالي منذ اليوم الأول بيد الفريق الذي بشر بالسلام القادم في الشرق الاوسط، وهو فريق رفيق الحريري الذي جلب معه رياض سلامة من ميريل لينش إلى البنك المركزي...

إذا كان نظام ما قبل الطائف يقوم على رأس كبير واحد يحكم فوق رؤوس اصغر منه..

فإن الطائف صار نظاما متعدد الرؤوس...

بدأنا بترويكا مارونية سنية شيعية تعاونها مجموعة من الرؤوس الأقل حجماً تمثل الدروز والارثوذكس...

كان رفيق الحريري يستند إلى دعم سعودي جعل منه شبه ديكتاتور، يتحالف مع نبيه بري عند الشيعة ووليد جنبلاط عند الدروز، وسليمان فرنجية عند الموارنة، وميشال المر عند الأرثوذكس...

سمح هذا الحلف لرفيق الحريري أن يطبق السيطرة على السلطة القضائية عبر من توالى في محكمة التمييز، وعلى السلطة المالية عبر رياض سلامة...

وحده الجنرال إميل لحود وقف ضد السيطرة المطلقة للحريري، وحاول حماية الجيش من الوقوع بين براثنه...

رفض إميل لحود كل الأوامر التي كانت تأتيه من أجل الإصطدام مع المقاومة، كما رفض الهيمنة الأميركية داخل الجيش مما جعله صديقا شخصيا للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد...

ازداد التباعد بين الأميركيين والسوريين، رغم قمة بيل كلينتون وحافظ الأسد في أوروبا...

أحكمت سوريا قبضتها في لبنان، حتى على رفيق الحريري...

وزاد زبائن الفاسدين بضعة ضباط سوريين بالإضافة إلى الطقم السياسي اللبناني بالكامل...

صحيح أن الكلمة الأخيرة في لبنان يومها كانت لسوريا...

لكن احتفظ كل زعماء الطوائف بموقع ما تحت المظلة السورية...

كان كل ديك في لبنان على مزرعته صياح... لكن ضمن الضوابط السورية...

حتى بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد... ذهب الجميع الى القرداحة لتقديم ولاء الطاعة للرئيس الجديد...

كان لسقوط العراق في المصيدة الأميركية عبر غزو الكويت أكبر الأثر في فتح شهية جورج بوش الإبن للسيطرة المطلقة على كامل الشرق الأوسط...

لم يكن هذا الأمر ممكنا بوجود رفيق الحريري الذي رغم تبعيته للسعودية لم يخرج يوما ضد هيمنة دمشق على بيروت...

لذا كان يجب التخلص من هذا الرجل بشكل يسمح لأكثر من سيناريو اللعب وفقاً لمصلحة أمريكا...

لكن الأكيد أن أهم نتائج اغتيال رفيق الحريري تمثلت في خروج كل من كان يعمل معه لكي يأخذ جزءًا من السلطة المطلقة التي تمتع بها الرجل...

صار كل واحد من هؤلاء فرعوناََ في المركز الذي هو فيه...

إذا كانت السلطة داخل الطائفة انحصرت عند السنة في سعد الحريري على أساس أنه ولي دم رفيق الحريري، وإذا كانت السلطة عند الشيعة انحصرت في الرئيس نبيه بري بفضل الكاريزما التي تمتع بها حتى في حياة الحريري الأب، فإن السلطة عند المسيحيين تناثرت بين أكثر من طرف بحكم قوة أكثر من طرف وأيضاً لأن اميركا حرصت على محاصرة وإضعاف الجنرال إميل لحود بسبب رفضه أي تنازل تجاه إسرائيل في مسائل الحدود...

دعمت فرنسا الجنرال عون الذي كان منفيا عندها ايام السوريين، بينما دعمت اميركا سمير جعجع، رجل التحالف مع إسرائيل ضد الفلسطينيين...

احتفظت اميركا برياض سلامة في البنك المركزي ومنعت أياََ كان من المس به أو الإقتراب منه، كما عملت على الإمساك بقوة بالهيئات القضائية...

إذا كان الوضع الطائفي والمذهبي جعل من وليد جنبلاط عند الدروز، ونبيه بري عند الشيعة وسعد الحريري عند السنة رجالاً لا يمكن المس بهم...

فإن اميركا جعلت من رياض سلامة ومجموعة القضاة وعلى رأسهم سهيل عبود وطارق بيطار رجالاً لا يمكن المس بهم تحت طائلة العقوبات...

هكذا تطور اتحاد كونفيديراليات الطوائف، ليصبح مجلس نقابة فراعنة الطوائف... تماما كما كان الأمر مع عائلات المافيا في اميركا...

لبنان اليوم محكوم من رياض سلامة في المال (اميركا)...

سهيل عبود وطارق بيطار في القضاء (اميركا) ...

أما في مراكز السلطة السياسية:

الرئيس عون (فرنسا)...

سمير جعجع(اميركا وإسرائيل).. وليد جنبلاط والرئيس الحريري ( اميركا وفرنسا)...

الرئيس بري( مع الكل وضد الكل)...

هل هناك امل بإيجاد حل للإنهيار المالي الحاصل في لبنان؟

فقط في حالة واحدة...

وهي توافق دولي كما حصل يوما

في الطائف... لكن بموافقة إسرائيل... وهو ما يعني تنازلاََ لبنانياََ تجاه إسرائيل... لذلك نرى جماعات المجتمع المدني لا تتوقف عن استهداف إيران وحزب الله...بما أن إيران لا يمكن أن توافق على أمر كهذا ومعها حزب الله بالتأكيد...

لذا، الأمور إلى تصعيد...

حزب الله ينتظر رضوخ اميركا التي تزداد كل يوم عدائية تجاه روسيا والصين وسوريا وإيران...

إنه الستاتيكو في القعر إلى أن يتراجع أو يُهزم أي من المحورين ...

القصة طويلة...

والحرب ليست مستبعدة، إلا إذا عادت اميركا إلى براغماتيتها رغم انف اسرائيل كي تتجنب الهزيمة الساحقة الآتية حتما...

 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري