كتب الأستاذ حليم خاتون: لبنان بين الإمبريالية الغربية والإمبريالية الشرقية
دراسات و أبحاث
كتب الأستاذ حليم خاتون: لبنان بين الإمبريالية الغربية والإمبريالية الشرقية
حليم خاتون
15 كانون الأول 2021 , 16:06 م

إذا صدقنا جريدة الديار، والواقع يدل أن ما تقوله ليس بعيداً عن الحقيقة، فإن الرئيس عون يرفض كسر القيود الأميركية التي تقيد لبنان واللبنانيين بسلاسل لا تختلف عن تلك التي كانت تقيد العبيد على السفن المتجهة إلى العالم الجديد...

تقول الديار أن الرئيس يرفض كل العروض الروسية والصينية حتى لو كانت أفضل من العروض الغربية بأشواط...

يصر جماعة التبعية للغرب على التفتيش عن كل الموبقات، ووضعها في سياسة الاتجاه شرقاً...

بين الاتجاهين، الغربي والشرقي، يجب على المرء أن لا يحتار...

المهم وضع المعايير الصحيحة لبناء اقتصاد صحيح والتمتع بإرادة وحرية قرار... وهذا هو المفقود في لبنان بكل أسف...

لقد كان لبنان مرتبطاً بالغرب منذ العلاقات بين الإمارات المختلفة على ارضه والمدن الاوروبية منذ القرن التاسع عشر، ولم يسمح بأي ارتباط ذي وزن بأية جهة شرقية...

القول دائما أن الجودة العالية محصورة في الغرب كان قولاً صحيحاً، في خمسينيات القرن الماضي ربما... حتى في تلك الأيام، كان المقصود بالشرق اليابان...

أما في أيامنا هذه، يكفي التجول في الأسواق الغربية المختلفة من أوروبا إلى أستراليا ووصولا الى اميركا، حتى يكتشف المرء أن ٩٠٪ من المنتجات مصنوعة في الصين، أو تركيا او ماليزيا أو إندونيسيا... الخ...

ما هي قصة الجودة...؟

وهل الشرق عاجز عن الوصول إلى تلك الجودة وحتى ربما تخطًيها...؟

الحقيقة أن المعيار الأساسي هو الزمن اللازم لهذه الجودة أن تخدم...

من الغباء مثلاََ أن تنتج هاتفاََ نقالاََ كي يخدم عشر سنين، وانت تعرف أن التكنولوجيا في تطور مستمر وسوف يبقى الهاتف بحالة جيدة لكن غير كافية للاستجابة لمتطلبات تقدم العصر...

لو كان الامر ينحصر في الجودة، لما كانت تلك الأسواق الغربية ملئ بهذه المنتجات الشرقية...

إذاََ، مسألة الجودة هي ما يمكن وضعه في دفاتر الشروط، استنادا إلى المطلوب من المشروع...

لقد بنت شركة جنرال اليكتريك الأميركية معامل لإنتاج الكهرباء في العراق بضعف القيمة التي كانت شركة سيمنز الألمانية طلبتها...

بعد أكثر من عشرة مليارات دولار، لا يزال العراق دون كهرباء بينما لا مشكلة كهرباء في مصر، حيث بنت سيمنز المعامل...

يتحدث بعضهم عن وضع الصين يدها على اقتصاد سيريلانكا أو هذه الدولة الأفريقية أو تلك، بعد عجز تلك الدول عن سداد الديون...

هذا أيضاً له علاقة بأصول العقود والشروط الموضوعة هناك...

ليس دفاعا عن الصين ولكن يجب النظر إلى ما تفعله تلك الحكومات...

في دولة الكونغو مثلاً، حيث وافقت الصين على أخذ مستحقاتها من انتاج البترول مقابل المشاريع التي نفذتها، فوجئت الحكومة الصينية بأن الحكومة هناك تبيع البترول في السوق السوداء بعيدا عن المصارف حتى لا تدفع المتوجب عليها للصين...

لكن، وفي نفس الوقت، نجد أن الصين تغرق البلاد الأفريقية بأسوأ المنتجات، حتى باتت هذه البلاد عبارة عن مزابل لمنتجات لم تعمر أكثر من بضعة أيام أو أسابيع أو شهور...

ما تسمح الصين بإرساله الى تلك البلاد الفقيرة هو عبارة عن خردة، لا تجرؤ الصين على إرسالها إلى أوروبا، أو اميركا أو استراليا...

هل يجب إدانة الصين لهذه الأسباب..؟

لوكان (ماوتسي تونغ) على قيد الحياة لما قبل بالتأكيد بهذا انطلاقاً من المبادئ الاشتراكية ومن مبدأ مساعدة شعوب العالم الثالث على التطور...

لكن الصين التي سمحت بوجود جنين رأسمالي داخل احشائها، سمحت في الوقت نفسه لهذا الوحش أن يفترس الفقراء كما يفعل في البلاد الرأسمالية...

لذلك المطلوب عدم التوقيع بأعين مغمضة على كل ما يجلبه الصينيون... وربما الروس أيضاً...

لقد تعاملنا مع الغرب بأعين مغمضة ومسدس موجه إلى رؤوسنا حتى وصلنا الى القعر الذي نحن فيه اليوم...

الإمبريالية كما هي غربية في الأصل وكما هي أعلى مراحل الرأسمالية...

هي تستطيع أن تكون شرقية أيضاً، طالما أن هذا الشرق يخضع لنفس المبادئ الرأسمالية...

عندما تتم المطالبة بالإتجاه شرقاً، هذا لا يعني استبدال سيد سيء بسيد سيء آخر...

في لبنان رجال اقتصاد وإدارة من الكفاءة بمكان كي يديروا البلد...

رياض سلامة لم يخطئ، رياض سلامة خالف كل قواعد النقد والتسليف عن سابق إصرار وتصميم، وكسر كل قوانين البنوك المركزية لأنه كان محمياََ ولا يزال من قبل نفس اللصوص الذي حكموا ولا يزالون يحكمون البلد...

الخطأ هو أن في لبنان نظام يمنع المحاسبة، ويمنع القصاص...

لا يمكن المحاسبة في نظام الطوائف والزعماء والأزلام...

لا يمكن المحاسبة والقصاص في نظام ليس فيه حرية رأي، ولا ديمقراطية...

سوف نذهب الى الإنتخابات...

سوف ننتج نفس النهج، وربما حتى نفس الأشخاص الذين سوف يقومون بتنفيذ نفس السياسات، ثم نتوقع أن نرى نتائج غير ما رأيناه في السابق...

سوف نعود إلى شتم اللصوص...

لكن لن يكون عندنا لا كهرباء، ولا مياه، ولا اقتصاد... بل مجرد اولاد في المهجر يرسلون ما يكفي لكي يزداد الفقراء فقراََ، ويزداد الأغنياء غنى... وتسيطر على حياتنا نفس المصارف التي يقوم لإنقاذها من الافلاس اليوم رياض سلامة والرؤساء الثلاثة ومجلس للنواب أغلبه من اللصوص والباقون إما اغبياء أو عاجزون...

على الشاشات، سوف تستمر نفس المسرحيات التي نسمعها كل يوم عن الفساد والدعم ورفع الدعم... حتى برامج التوك شو لن تتغير كثيراً...

لكن أحداً لن يقول لنا لماذا لا يزال نفس النظام قائماً، ولماذا تحرص كل الأطراف على عدم المس بهذا النظام رغم أنه ليس منزلاً من السماء...

حليم خاتون