كل ما تقوله القوى الحزبية في لبنان من التبريرات عن عدم استطاعتها على مواجهة ما يحدث بسبب تركيبة المجتمع اللبناني، وتركيبة هيكل السلطة في البلد، هو في النهاية ليس سوى كذبة كبيرة لتغطية انغماس الجميع دون استثناء، في الاستفادة من هذه التركيبة بكل الموبقات التي تحويها...
عندما كنا صغارا في المدرسة، لم نكن نفهم لماذا رفض الإمام علي، إبقاء معاوية على ولاية الشام اتقاءََ لشرًه وشرً كل خصومه من المستفيدين من الفساد المنتشر في الخلافة منذ آلت تلك الخلافة إلى عثمان...
لم نكن نفهم... ليس بسبب صغر السن...
لم نكن نفهم، لأننا ابناء مجتمعات انتهازية، لا تقيم للمبادئ والمواقف وزنا إلا بمقدار ما تخدم هذه المواقف والمبادئ المصالح الدنيوية المباشرة...
كأننا لا نملك رؤية مستقبلية واضحة عن الهدف الأسمى الذي يجب الوصول إليه...
قد يقول قائل إن مساوئ معاوية تفوق بكثير مساوئ أهل الفساد في لبنان إلى درجة أن حزب الله لم يجد نفسه مضطراً لأخذ نفس مواقف ابن ابي طالب المبدئية في مواجهة الفاسدين... رغم أن هؤلاء الفاسدين المفسدين يتفوقون على معاوية في الكثير من جوانب الحكم الفاسد في مواجهة الحكم الرشيد...
حتى لو تم توجيه الأسئلة إلى حزب الله ألف مرة، هو سوف يجد لنفسه التبريرات ذاتها التي يسوقها غيره من مثل القول، "ما خلّونا"، أو درئاََ للفتنة، أو حفاظاً على السلم الأهلي... الخ من المعزوفات التي رغم وجود شيء من الصحة فيها إلا أنها ترقى إلى مستوى خيانة المبادئ وخيانة مصالح الناس، وخيانة هدف بناء الدولة القوية العادلة...
لقد تم توجيه السؤال أكثر من مرة إلى النائب الدكتور علي فياض، ممثل حزب الله في لجنة المال والموازنة عن عدم دعم الحزب لبرنامج الدكتور حسان دياب الإصلاحية، وترك الرجل وحيدا عارياً في مزرعة الذئاب...
لقد تم توجيه السؤال أكثر من مرة إلى الدكتور فياض، وإلى كل كتلة الوفاء للمقاومة عن سبب عدم القيام بفرض كابيتال كونترول كامل لمنع تهريب الأموال إلى الخارج في اليوم التالي لانتفاضة ١٧ تشرين، والإقفال الصوَري للمصارف...
أيضاً، لم يسمع الناس جواباً شافياً يمكن أن يبرر هذه المواقف...
إذا كانت كتلة نواب المقاومة اتخذت مواقف فعلاً ولم يسمع بها الناس... هذه مصيبة...
أما إذا كانوا نياماََ، ولم يأخذوا اي مواقف... المصيبة أعظم...
نفس الموقف ينطبق على عدم المس بحاكم المصرف المركزي، وعدم الوقوف بوجه مراسيمه الهمايونية بشكل مبدئي وحاسم رغم وضوح أهداف هذه المراسيم الآيلة إلى تحميل الفقراء والطبقات الشعبية كل الخسائر الناجمة عن انهيار الوضعين الاقتصادي والمالي في البلد...
رياض سلامة الآتي من عالم الشركات المالية الدولية، جاء مع رفيق الحريري وهو يمثل مشروعا أميركيا لتكملة هيكل السلطة الذي سوف يكون عليها مواجهة المقاومة يوماً، حين تحين الساعة...
في لبنان، حيث الكل رأى بكل وضوح دور السلطة التابعة لأمريكا، ودور المصرف المركزي فيها... وحده حزب الله لم ير هذا الدور أو على الأقل، لم يواجهه كما ينبغي...
المشكلة أن المرء، حين يواجه بعض المقاومين بهذه الأسئلة، يتلقى إجابات مبهمة توحي بأن حزب المقاومة الذي يضم كماََ هائلا من مكاتب ومؤسسات الدراسات ورعاية الجرحى والأيتام الخ... لا يملك جهاز نقدياََ واحد لتقييم سياسات أو تصرفات قيادات المقاومة أو ممثليها في الجهازين التنفيذي والتشريعي من السلطة الحاكمة...
من المفهوم جداََ أن يستميت البطرك الراعي والمطران عودة ووليد جنبلاط والوزير خير الدين والوزير وئام وهاب، وتيار المستقبل وحركة أمل وتلفزيونات الجديد والمر وال LBC في الدفاع عن رياض سلامة ووضع خطوط حمر حول اسمه لمنع المس به...
هؤلاء جميعا استفادوا بشكل أو آخر من هندساته المالية أو من تغطية تحويلاتهم المالية إلى الخارج...
لكن عندما يتم التجديد لرياض سلامة على يد ميشال عون وبصمت مطبق من حزب الله، هنا يجب سؤال الإثنين معا عن المنطق الذي جعلهما يؤيدان هذا التجديد أو يسكتان عنه...
هنا تجدر الإشارة إلى أن التيار العوني، ليس بعيداً على الإطلاق عن السياسة الاقتصادية الانتحارية في لبنان...
ألا يقرأ التيار العوني مزامير نظام الاقتصاد الحر ليلاََ نهاراََ...؟
أما حزب الله... فلا داع لسبر أغوار مواقف الحزب لأنها تتميز دوما بتأييد الحلفاء الانتهازيين على حساب المبادئ... أو على الأقل، عدم الصدام معهم في الدفاع عن مصالح الناس والدولة القوية العادلة...
تقول التسريبات أن الرئيس عون سوف يخرج اليوم الإثنين لينتقد حزب الله ويحمله مسؤولية فشل عهد هذا الرئيس وعهد هذه "الأكثرية الكاذبة" ...
بغض النظر عن مدى أحقية انتقادات الرئيس عون، إلا أن حتى هؤلاء الحلفاء الانتهازيين، لم يعودوا يتحملون مواقف الحزب المرتبكة في معظم الأحيان...
يقول الإمام علي، أن الحق لا يترك لصاحبه، صاحباََ...
فهل هذا هو معيار الخصومة مع حزب المقاومة... أم أن المعيار هو وقوف حزب المقاومة دوما موقفا وسطيا بين الحق والباطل لكي لا يتم استفزاز حليف فاسد...
حتى تلك المواقف المرتبكة، لم يعد يقبلها حلفاء السوء... بل يطلبون المزيد من التخلي عن مبادئ إقامة الدولة القوية العادلة...
بعد سنتين من المطالبة بالمس بالذهب من أجل فقراء لبنان، ومن أجل وقف انهيار الدولة... ها هو رياض سلامة يسرب أن ١٥ مليارا تكفي لإعادة انطلاق الاقتصاد...
هل هي صدفة أن تتناول الجديد مسألة بيع الذهب اليوم، وبعد تبديد رياض سلامة وشركاه ما يعادل ثمن هذا الذهب خلال سنتين من سياسة الدعم العقيمة وسياسة تهريب المال المنهوب إلى خارج البلد...؟
لا، لا مجال للصدف عند اتباع الأميركيين...
يجب بالتأكيد بيع الذهب...
لكن يجب قبل أي شيء آخر إلقاء القبض على ٩٩٪ من أهل السلطة في لبنان... وأولهم كل أولئك الذين يرهنون البلد للأميركي أو الغربي بشكل عام...
هل يستطيع الرئيس أن يقول لنا اليوم لماذا لا يزال مرسوم الحدود البحرية في درج رئاسة الجمهورية...؟
هل يستطيع الرئيس عون أن يخبرنا لماذا لا يزال هو نفسه وقبل الآخرين، يرفض الاستثمارات الروسية والصينية بانتظار رضى اميركا ورضى بن سلمان...؟
بيع الذهب مطلوب ضمن سياسة عامة في البلد لا يكون فيها لا رياض سلامة في المركزي ولا اي رئيس في أي من السلطات القائمة اليوم...
بيع الذهب مطلوب مع سلطة جديدة ثورية لا يظهر لها ولا حتى خيال، طالما حزب الله نائم على درج السلطة، يتعرض "لدعس" الصاعدين كما النازلين، على حدّ سواء...
الشعب يوافق على التقشف...
لكن التقشف يجب أن يطال أهل السلطة قبل أن يطال من لا يجد قوت يومه...
هل لدى المقاومة ما يكفي من الآذان كي تسمع، أم أن تلك الآذان قد تمت مصادرتها من قبل حلفاء السوء وشركاء السوء في وطن يسود فيه كل السوء...