هل نهض الرئيس ميشال عون من النوم فجأة وقرر طرح الفيدرالية؟
هل هي مزايدة بين أقطاب المارونية السياسية، لكسب شارع أبناء الست على حساب أبناء الجارية، خاصة وأن هذه الفيدرالية هي حلم كل الزعامات الإنعزالية عند المسيحيين حتى قبل اندلاع الحرب الأهلية ومنذ تأسيس لبنان الكبير وحتى قبل أن يتم التوافق على أن يكون ذي وجه عربي...
دون الاختباء وراء شعارات وطنية براقة، ولبنان الذي يطير بجناحين، علينا الاعتراف أن نسبة المؤمنين بالتميز والتفوق النوعي، والفوقية عند المسيحيين ليست قليلة كما قد يتبادر إلى ذهن الكثيرين...
أنها عقدة متراس دفاع الأقلية عن نفسها أمام ضمور دورها المرافق لضمور حجمها، حيث لا تجد هذه الأقلية غير التميز والفوقية سلاحاً يساعدها في إخفاء هذا الضمور في الدور داخل المجتمع...
رغم إصرار بعض المعلقين أن طرح الرئيس عون في اللامركزية الإدارية والمالية ليست سوى ابتزاز لحلفائه في حزب الله، طمعا للحصول على نسبة أكبر في توزيع مغانم السلطة... إلا أن كل الدلائل تشير إلى أن الرئيس لا يختلف كثيراً عن بقية زعماء الإنعزالية المسيحية الذين يرون أنفسهم أعلى مرتبة من غيرهم...
هل اجتمع الرئيس عون بأي خبير اقتصادي أو مالي قبل أن يخرج على الناس بأخر رؤاه التي سوف تعيد عقارب ساعة القتال من أجل مكتسبات فارغة إلى الحياة بعد أن ظن البعض أن اتفاق الطائف قد وضع جدولاً تنظيميا لها...
هل اجتمع الرئس ميقاتي بأي خبير اقتصادي أو مالي قبل أن يخرج على الشاشة ليدور حول نفسه ويدير معه اللبنانيين في نفس حلقة الطائف الفارغة، والمنتهية الصلاحية...
حتى الوزير فيصل كرامي، لم يجد غير هذا "الدستور!!" ليطالب بتطبيقه، وكأن الضرب في الميت ليس حراماََ...
منذ إعلان دولة لبنان الكبير وقرآن وإنجيل هذه الدولة الإقتصادي هو رأسمالية آدم سميث مع ملح وبهار إقطاعي مفرط لم يحد من تأثيره سوى بعض الرتوش على يد الرئيس فؤاد شهاب...
رتوش ما لبث الإقطاع السياسي المتجذر في الأحزاب القديمة والإقطاع المالي الآتي مع الأحزاب والتيارات الجديدة أن أنهيا كل أثر إيجابي لها في هذه الدولة العجيبة التركيب...
منذ إعلان دولة لبنان الكبير وكل انبياء هذا النظام الإقتصادي يأتون من نفس هذا النظام الرأسمالي المفرط في الحرية إلى درجة التوحش القصوى...
حتى أكثر هؤلاء الانبياء إنسانيةََ من أمثال الدكتور الياس سابا أو جورج قرم لن يستطيعوا فعل شيء للحد من توحش هذا النموذج الإقتصادي...
هل من دليل أكثر على هذا التغول الرأسمالي المتوحش في النظام من حصر الحلول في يد أربعة من جهابذة هذا النظام هم الرئيس ميقاتي، الحاكم رياض سلامة، الوزير يوسف الخليل، والوزير سعادة الشامي...
ما هو القاسم المشترك بين هؤلاء الأربعة غير الدفاع المستميت عن إيديولوجية دولة المصرف، أو الدولة الشركة على حساب كل شيء آخر في هذه الدولة...
هؤلاء لا يختلفون في شيء عن كل رجالات الدولة والأحزاب الحاكمة في لبنان في بيع الكلام المعسول عن الدفاع عن الطبقات الشعبية، أو عن رفض تحميل المودعين الخسائر الفادحة التي أنتجها هذا النظام، بينما كل ما يفعلونه في واقع الحال هو سحق الطبقات الشعبية وزيادة عصر بطون الفقراء وربط أمعائهم بخيوط قديمة جديدة تستند إلى نفس الوصفات التي لم يعرف النظام الرأسمالي بديلا عنها...
يقال إن الوزير جبران باسيل سوف يخرج بكلمة قبل رأس السنة من المؤكد أن لا تختلف عن مجمل ما قاله عمه الرئيس...
لامركزية إدارية ومالية في ظل تهشيم المركز لا يعني سوى فيديرالية تؤدي إلى التقسيم...
هذا كل ما تستطيع القوى الطائفية والفكر الإنعزالي المذهبي تقديمه للحفاظ على الإمتيازات...
لم يعد رجالات الإنعزالية يصرون على لبنان بلد غربي ذي وجه عربي... لأن العروبة لم تعد لا ناصرية ولا بعثية ولا فلسطينية ولا حتى بقيت عربية أصلاً...
صارت العروبة الحديثة في العقود الأخيرة صهيونية بامتياز...
كل ما في الأمر هو اكتشاف أولاد عم جريد كوشنير أننا كلنا احفاد إبراهيم الذي قررت الأسطورة الدينية كتابة نهاية التاريخ باتفاقيات تحمل اسمه...
ألم يرجو محمود عباس أن يخرج السلام في المنطقة من "كلسون" ابن غانتز...
ألم يتشدق ممثل الإخوان المسلمين في الكنيست عباس منصور بأحقية يهودية الدولة...
هل نحن في لبنان في معزل عن النهج العام الذي يريدون سيادته في هذا العالم العربي وفقا لمقررات مؤتمر كامبل...
من اليوم وحتى يوم الإثنين، لدى السيد نصرالله وقت ضيق جداََ...
صحيح أن المناسبة تحمل رايات ثورية خفاقة عن شهادة أهم رجالات الاستراتيجية التي أدت إلى انتصارات عسكرية لم نعرف حتى اليوم قطف ثمارها السياسية... لكننا على قاب قوسين من مفترق الطرق...
في لبنان تتم شيطنة حزب الله ليس من منطلق مذهبي كما يعتقد الكثيرون...
لقد كان شاه إيران شيعياً، وكانت دول الخليج تسير أمام عصاه وهي تمجد باسمه وباسم أوليائه...
تتم شيطنة حزب الله لأن هذا الحزب هو آخر قلاع روح هذه الأمة... لأن حزب الله هو عدو "الإبراهيمية الصهيونية الجديدة"... لأن فكر حزب الله عزمهم في سوريا، وفي العراق وفي اليمن...
رافضية أو شيعية حزب الله ليست مشكلة عند الإبراهيميين الجدد... المشكلة هي في هذا التعلق بنهج كربلائي كان يعتقد الجميع أنه اندثر مع بربرية كل من خلف يزيد على خلافة لم تعد خلافة، بل عرشاََ قيصريا أو كسرويا يمثله أقزام مشيخات ملكة بريطانيا جل جلالها...
مع من سوف يجتمع السيد نصرالله في اليومين القادمين لمناقشة ما طرحه الرئيس عون وما سوف يؤكد عليه صهره باسيل...؟
مع من سوف يناقش السيد نصرالله أي لبنان نريد... لأن هذا ما سوف يحدد اي شام نريد واي عروبة نريد... وإذا كنا من الأصل نريد فلسطين...
حزب الله يحوي كمية هائلة من رجالات السياسة والإقتصاد... رجالات هواها الإقتصادي والسياسي يقف على حبل مشدود بين الدفاع عن النظام الإقتصادي "الحر"، وبين مصلحة شعوب هذه الأمة...
حتى الأمس القريب، وفي آخرها تصريحات نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم تقول الأمور إن الحزب "مبسوط" في تمكنه من الوقوف على هذا الحبل المشدود وعدم التقدم خطوة إلى الأمام أو الرجوع خطوة إلى الوراء...
لكن ما لم يره الشيخ نعيم هو أن الأميركيين والأعراب والحلفاء من داخل منظومة الطبقة الحاكمة في لبنان، يهزون الحبل من الخلف، وكل همهم ان لا يتقدم الحزب هذه الخطوة إلى الأمام...
إما أن يعود وإما أن يقع عن الحبل لأن في حالتي العودة أو الوقوع سوف تصبح هذه المنطقة إبراهيمية معاصرة كما كانت العروبة قد صارت عروبة حديثة، عروبة إبن سلمان وابناء زايد ومحمد السادس ومن يسير على هذا الدرب الخسيس...