ميشيل كلاغاصي / طوق النجاة الروسي لواشنطن وأنقرة من أجل الانتصار في أوكرانيا
مقالات
ميشيل كلاغاصي / طوق النجاة الروسي لواشنطن وأنقرة من أجل الانتصار في أوكرانيا
ميشيل كلاغاصي
31 كانون الأول 2021 , 19:39 م


ميشيل كلاغاصي / طوق النجاة الروسي لواشنطن وأنقرة من أجل الانتصار في أوكرانيا




تبدو تركيا في وضعٍ لا تُحسد عليه، وَضَعَها فيه شركاؤها في الناتو، بمواجهة صعبة لقرارٍ قد يكلّفها الكثير في حال اختارت أن تكون مع روسيا أو حتى ضدها.

تخضع التوترات الدولية الشديدة لحساباتٍ معقّدة، وتضع الدول في حساباتها إمكانية الحلّ السياسي ومستوياته قبل اندلاع الحروب العسكرية، بما في ذلك الأشكال المختلفة للمواجهات المحتملة، كتحضير صفوف الحلفاء والشركاء والأصدقاء، وحتى المقاتلين على الأرض، بالتوازي مع اللجوء إلى الحروب النفسية والتهديد والتهويل والرسائل المتبادلة والحروب الاقتصادية والتجارية وغيرها. 

وفي الملف الأوكراني المعقّد، يمكن رصد كلّ ما سلف ذكره وقد تحقق على أرض الواقع، وقدم كل طرف ما أراد إظهاره على وقع طبول الحرب الحالية المحتملة، ويبقى السؤال: هل أنهت واشنطن استعداداتها لتنظيم هوية وصفوف حلفائها ومقاتليها على الأرض؟ هل قرر الناتو الاعتماد على الجيش التركي، وهو ثاني أكبر قوةٍ عسكرية في صفوفه، لصدّ "العدوان الروسي"، أو سيكون ذلك خارج حساباته الميدانية، بالنظر إلى العلاقة والمصالح الروسية - التركية المشتركة؟ ما هو رأي القيادة التركية وموقفها؟ هل ستكون محرجة أو مجبرة على إزالة القناع وإنهاء أرجحتها على الحبال كافّة، وعليها أن تقرر أيّ هزيمةٍ تفضل تلقيها، على الجانب الروسي - الأوراسي - الإيراني - الصيني - الآسيوي أو على الجانب الأميركي - الأطلسي - الغربي - الأوروبي - الإسرائيلي؟ 

ما هي خيارات قوات الرد السريع الأطلسية ذات العدد والعدة والجاهزية العالية، وخصوصاً أنَّ قيادتها تتمركز في تركيا، وتُعتبر بمثابة القوة الرئيسية للناتو، وقرار تشكيلها بدأ في العام 2014 مع بداية الأزمة الأوكرانية، بهدف "احتواء" موسكو؟ ومما لا شكَّ فيه أنَّ تركيا ستكون بلد المقر الرئيسيّ لحلف الناتو وغرف عملياته العسكرية للدفاع عن أوكرانيا، كما تتحدّث واشنطن وحلفاؤها.

تبدو تركيا في وضعٍ لا تُحسد عليه، وَضَعَها فيه شركاؤها في الناتو، بمواجهة صعبة لقرارٍ قد يكلّفها الكثير في حال اختارت أن تكون مع روسيا أو حتى ضدها، وسط غياب خيارٍ ثالث حتى اللحظة، ما ينذر باقتراب أزمة خطرة تطال العلاقات الروسية – التركية التي قطعت أشواطاً مهمة، كذلك يمكن أن يعيد وقوفها ضد روسيا عقارب الزمن إلى العام 2015 وعملية تدمير الطائرة الروسية وإسقاطها.

 يبدو الوقت غير مناسب لاستفزاز الدب الروسي ومخالبه القوية في أيام غضبه، في وقتٍ أشار المتحدث باسم الرئيس الروسي، أمس الأول، إلى "احتمال إجراء مشاورات أميركية - تركية"، لكن هذا لن يمنح تركيا فرصة التنحي جانباً والوقوف على الحياد، وخصوصاً إذا ما عدنا إلى تصريحات سابقة وخطرة لوزير الخارجية التركي، أكد من خلالها أننا "لن نتجاهل مبادئنا وعلاقاتنا الوثيقة مع أوكرانيا لمجرد علاقاتنا الواسعة مع روسيا"، في حين أعلن الرئيس إردوغان مؤخراً "استعداد بلاده للقيام بدور الوسيط بين أوكرانيا وروسيا"، في إشارة واضحة إلى أولوية الحلول السياسية والدبلوماسية. 

لكن ما يجري ميدانياً حتى الآن يؤكّد سير تركيا بعكس ما تحدث عنه إردوغان، فقد شاركت بفعالية في توريد الأسلحة إلى أوكرانيا، وتحديداً بطائرات "بيرقدار" من دون طيار الهجومية. وقد استخدمتها مؤخراً القوات الأوكرانية في عمليات الاستطلاع والقصف في دونباس، باعتراف هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية، وبتأكيد الرئيس الأوكراني ووزير خارجيته. 

تبدو الازدواجية والنفاق التركي في أعلى مظاهرهما بالسير بين الحل السياسي والدعم العسكري معاً، وخصوصاً مع ذرائع التبرير التي استخدمتها وسائل الإعلام التركية بإلقائها اللوم على حكومة كييف، وبأنه لا يمكن لتركيا أن تتحمل مسؤولة استخدام الطائرات من دون طيار بعد بيعها، وأنها لم تعد تركية، وأصبحت أوكرانية... في حين استخف الروس بها، وأكدوا أنها طائرات "متخلّفة وضعيفة وبطيئة السرعة، وستكون أهدافاً سهلة لأنظمة الدفاع الجوي الروسية". 

وعلى وقع التصعيد وهيجان التصريحات ضد روسيا، للعديد من السياسيين والعسكريين في المعسكر الأميركي - الأطلسي (بدفعٍ أميركي)، وإشاعة الأجواء التي توحي باقتراب المعركة وإمكانية هزيمة روسيا، يبدو من الصعب حالياً إيجاد صيغة للحل السياسي - الدبلوماسي، وسط تصريحاتٍ روسية وأميركية تعبر عن عدم رغبة أي منهما في خوض هذه الحرب، وتبدو إمكانية نضوج مناخات "يالطا" جديدة معدومة، فالحل السياسي في أوكرانيا يعني انتصار موسكو والرئيس بوتين وهزيمة مدوية لواشنطن والرئيس بايدن، وهذا ما يرفضه الأميركيون. 

ولا تبدو الولايات المتحدة حالياً مستعدة لخوض تسوياتٍ كبرى، على وقع هزائمها الميدانية مع حلفائها في غالبية الساحات الساخنة، ناهيك بالهزائم السياسية المتوقعة في غالبية الملفات الشائكة والعالقة، وعلى رأسها تصاعد القلق الإسرائيلي من احتمال النجاح في التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، وخروجها من العراق من بعد أفغانستان، وارتفاع احتمال خروجها من سوريا، وميل لبنان نحو الاستقرار أكثر من ميله نحو الفوضى المطلوبة أميركياً، بحسب تصريحات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الأخيرة... وبالتالي لا بد من البحث عن حلٍ ثالث لا يسمح بهزيمةٍ كاملة أو بنصرٍ مؤزر، سواء كان روسياً أو أميركياً، باستثناء تقديم بعض الحلول المؤقتة على طريقة مسكنات الآلام. 

هذا ما سترحّب به تركيا، وسيكون طوق نجاتها من كارثة تستطيع هزّ كيانها على يد بوتين، أو بانهيار حكم إردوغان في ليلة وضحاها على غرار انقلاب 2016. وفي الوقت نفسه، سيكون طوق النجاة الروسي الذي يقدمه بوتين ذاته لواشنطن والرئيس بايدن، لتقبّل الواقع الدولي الجديد والهزيمة البطيئة تحت عنوان الحوار الاستراتيجي بينهما.

المصدر: إضاءات