أي لبنان نريد.. فيلم أميركي طويل..
مقالات
أي لبنان نريد.. فيلم أميركي طويل..
حليم خاتون
1 كانون الثاني 2022 , 17:26 م

كتب الأستاذ حليم خاتون:

كل عام "وانتو" بخير..

"طالما نحنا هيك...

رح تنعاد علينا"..

وممكن على أسوأ...

حلقة نارية للصحافي الاستاذ غسان سعود على قناة الOTV...

لم يترك الاستاذ غسان للرئيس بري ستر مغطى، إلا وحرق نفَسَه فيه، دفاعا عن الرئيس ميشال عون...

يعدنا الاستاذ غسان بأن كلمة باسيل سوف تتخطى الديبلوماسية التي ميزت كلمة الرئيس عون... إلى درجة أن كلام الرئيس لم يكن أكثر من خزعبلات في اللا مركزية ومواقف لا تسمن ولا تغني عن جوع...

الاستاذ غسان من أهم المدافعين عن المقاومة، ومن الرعيل الاول للتيار العوني رغم صغر سنه... هو بالأحرى، من المبدئيين القلائل داخل التيار... من رعيل "الإبراء المستحيل" الذي لم يتغير، ولا يتأخر في انتقاد التيار من داخل صفوفه...

في مقابلات كثيرة للأستاذ غسان، لم يتأخر عن لوم التيار العوني على الزلات الكثيرة التي ارتكبها هذا التيار بحق المقاومة...

لذلك يجب القول إن الاستاذ غسان هو أكثر موضوعية بكثير مما بدا في المقابلة...

في الحقيقة، لم يترك الاستاذ غسان ستراََ مغطى لكل الطبقة السياسية التي حكمت لبنان منذ التسعين وحتى اليوم... وفي هذا لا يختلف أي عاقل معه في فضح هذه الطبقة بكل عناصرها من مستقبل إلى اشتراكيين إلى قوات إلى كتائب إلى أمل... وصولاً حتى إلى المجتمع المدني الذي فضح الاستاذ غسان كل أصوله المرتبطة بالطبقة السياسية الفاسدة إياها...

أهم ما قاله الاستاذ غسان والذي استدعى نقدا وردا عنيفا من أعداء الفيدرالية في لبنان ضد الرئيس عون، جاء مطابقا في انتقاد السلطات اللا مركزية وإظهار أنها لا تقل فساداً عن مجمل الطبقة الحاكمة نفسها...

الحقيقة هي أن اللا مركزية الإدارية والمالية يجب أن تقترن حكما بوجود حكم مركزي قوي جدا... وإلا نكون نسير في خط مستقيم نحو التقسيم والتبعية لتحالف الابراهيميين الجدد، وهؤلاء لهم أتباع وأنصار في لبنان لا يخفون شوقهم للارتماء في حضن معسكر التطبيع العربي...

يطلب الاستاذ غسان من حزب الله أن يحسم أمره من أجل بناء دولة في لبنان... وهذا ما تردده كل الأصوات النقية، والتي يمكن الادعاء أنها التيار اليساري داخل جمهور المقاومة... لكن...

لكننا قد نختلف مع الاستاذ غسان في توصيف، أو بالأحرى في تحديد مشكلة بناء الدولة في لبنان...

يضع الاستاذ غسان في تلك المقابلة كل المشكلة في العلاقة غير السوية التي تربط حزب الله مع حركة أمل، وللمرة الأولى لا يحاول رؤية أن المشكلة تقع عند الأطراف الثلاث مجتمعة، وفي كل طرف من هذه الاطراف الثلاثة على حدة...

كل النقد الذي توجه به الاستاذ غسان إلى علاقة حزب الله مع حركة امل، هو نقد محق أيضاً ويستوي في النظر إلى علاقة حزب الله مع التيار الوطني الحر...

ينطبق على حركة أمل والتيار العوني وصف الكاتب الروسي تشيخوف، على ما اعتقد، "الإخوة الأعداء"...

حليفا المقاومة، هما أكبر عقبة أمام أية خطة لبناء الدولة، ليس بسبب عدائهما لبعضهما البعض، بل بسبب انتمائهما هما الاثنين، إلى المعسكر الأيديولوجي الأميركي...

الوصف الذي جعل فيه الاستاذ غسان الرئيس بري صديقاََ للأميركيين والخليجيين والغرب بشكل عام ينطبق أيضاً على الرئيس عون...

لكن السؤال المحير فعلا هو عن حزب الله نفسه...

هل المقاومة غافلة حقا عن ارتباط الحليفين اللدودين بالأميركيين، أم هو نوع من التكتيك في المحافظة على صلة وصل مع هذا الأميركي القذر...

نفس السؤال الذي طرحه القوميون العرب، من ناصريين وغيرهم عن السبب الذي دفع عبد الناصر إلى تعيين انور السادات وليس خالد محي الدين مثلاً نائبا لرئيس الجمهورية في الجمهورية العربية المتحدة... والسادات معروف بميوله الانتهازية ولا مبدئيته في كل امور ثورة تموز يوليو ٥٢...

هل لدى حزب الله نفس الموقف في التحالف مع طرفين من اليمين... أم أن السبب هو أيضاً سيطرة فكر يميني أيديولوجي داخل الحزب...

بل السؤال المنطقي هو كيف يتكلم حزب الله عن بناء اقتصاد مقاوم في نفس الوقت الذي يحرص فيه على نظام اقتصادي تابع بالكامل لمنهجية اقتصادية لا علاقة لها بأي تحرر وطني...

الحقيقة التي طرق الاستاذ غسان سعود بابها ولكن لم يدخل إليها هي أن الأطراف الثلاثة أي حركة أمل والتيار العوني وحزب الله خاضعة لنفس إيديولوجية النظام الاقتصادي الريعي التابع...

قد يكون هناك داخل حزب الله تيار يريد فعلا بناء اقتصاد مقاوم، لكنه تيار هش وليس عنده، لا الأسس الفكرية ولا حتى النية الصافية في الذهاب الى هكذا خيار...

حزب الله، حزب جماهيري بالمعني الإيجابي الكلمة، ولكن أيضاً بالمعنى السلبي...

أحد أهم منظري الحزب، الدكتور بلال اللقيس، يقولها بكل وضوح...

حزب الله لا يريد أن يكون حزباً قائداً...

تحت ذريعة انتظار ظهور الامام المهدي، يكتفي الحزب بالمراوحة في مكانه والسير على هوى الفكر الشعبوي العام... والفكر الشعبي العام في لبنان وحتى داخل بيئة المقاومة هو فكر رأسمالي يميني لا يريد الفك مع نظام التبعية الاقتصادية القائم في لبنان...

ليس الرئيس بري وحده من عطل حكومة الرئيس حسان دياب، التيار العوني شارك في هذا التعطيل عبر ابراهيم كنعان وعبر محاولة تعويم الرئيس سعد الحريري بالاشتراك مع أمل والاشتراكي...

حتى حزب الله، متهم أيضاً في هذه العملية... إذا لم يكن في مباركتها، فعلى الأقل في السكوت عنها تحت الشعار البائس الدائم الحضور في الحزب والمتلطي خلف تجنب الفتنة السنية الشيعية... حتى عبر التحالف مع كل الفاسدين السنة...

المعيار عند حزب الله ليس نظافة الحليف أو الشريك، بل مدى تمثيله الطائفي المذهبي البائس...

ليس الرئيس بري وحده من عطل الكابيتال كونترول، بل كل الأحزاب المنضوية في لجنة المال والموازنة بما في ذلك حزب الله والقوات وأمل والمستقبل والاشتراكي... لم يبق سياسي في لبنان، أو رجل دين لم يعطل الكابيتال كونترول حتى اكتمل إخراج أموال جميع تلك الأحزاب والفعاليات إلى الخارج...

الكل متواطئ مصلحياََ، وحده حزب الله متواطئ غباءََ...

حزب الله الذي مشى في قضية الدعم وترشيد الدعم رغم كل الصراخ الذي حذر من العملية...

عندما تحدثنا قبل أكثر من ثمانية عشر شهراً وقلنا إن الدعم يذهب في واقع الحال إلى الكارتيلات وإلى الطبقات الغنية التي تستهلك أضعاف أضعاف ما يستهلكه الفقراء، وتحدثنا عن تجربة أحمدي نجاد في بطاقة دعم الفقراء مباشرة... لم يجد منظرو حزب الله في كل هذا غير خيانة احمدي نجاد لخط الإمام وجاء كل ردهم يومها ضمن هذا النطاق السخيف الضيق...

إلى أن وقعنا في المحظور وبدد رياض سلامة أكثر من عشرين مليار دولار ذهبت إلى استهلاك الأغنياء وجيوب شركات الاحتكار...

حزب الله الذي يصرخ ليل نهار عن مؤامرة أميركية وحصار أميركي لم يستطع أن يرى ما يقوم به رياض سلامة... لا بل سهل عمل سلامة وعمل الأميركيين عبر سياسات شعبوية لا علاقة لها لا بالتحرر ولا بالتحرير ولا بالمنطق الاقتصادي الصرف...

ما قاله الاستاذ غسان سعود في تلك المقابلة النارية هو ليس أكثر من جزء من الحقيقة المؤلمة...

الاستاذ غسان حصرها في الرئيس بري، بينما الحقيقة هي أن "دود الخل، منه وفيه"...

الفرسان الثلاثه... حزب الله، أمل والعونيون ...

هؤلاء إما أنهم لا يريدون بناء الدولة القوية العادلة أو أنهم أغبياء إلى درجة انتظار سقوط الهيكل على رؤوس الجميع...

والحقيقة أن الثلاثة ليسوا أغبياءََ على الإطلاق...

الثلاثة يتحدثون عن الدولة المدنية...

الثلاثة يعرفون أن لا بديل عن إقامة جمهورية ديمقراطية شعبية علمانية مركزية تكون المقاومة فيها هي الرديف الشعبي للجيش الرسمي...

الثلاثة يعرفون أن المذهبية هي سلاح الفساد ورغم هذا يتسلحون بها...

الثلاثة يعرفون أن لا بديل عن القيام بإجراءات ثورية في مصادرة أملاك كل الفاسدين ومصادرة كل المصارف ووضع اليد على أملاك كل الهيئات الدينية وتفعيل القطاع العام عبر مصادرة حقوق استيراد الدواء والطاقة والقمح ووضع اليد على كل المرافق الاستراتيجية وإجبار كل الشركات على دفع ضرائب عادلة عن ارباح خيالية تحققت تحت سياسة رفيق الحريري التي خفضت الضرائب إلى مستويات أدت إلى تركز الثروة في ايدي 0,85٪ من اللبنانيين، وتخفيض الجمارك مما أدى إلى تحويل البلد إلى مجرد سوق استهلاكي لمنتجات كل المنطقة...

حتى ضبط سعر الدولار لا يحتاج إلى عبقرية...

طبع رياض سلامة حوالي خمسين ألف مليار ليرة وهو ما تسبب بانهيار سعر الصرف...

فعلها رياض سلامة متعمدا، من أجل تغطية خسائر المصارف والمصرف المركزي...

يجب البدء فورا بسحب هذه التريليونات من السوق عبر تحديد سعر معين حتى لو كان عشرة أو عشرين ألف ليرة للدولار...

خمسة مليارات دولار تنزل إلى السوق خلال سنتين تستطيع سحب الليرات الزائدة وإرسالها إلى التلف...

خمسة مليارات دولار من المصرف المركزي مع كابيتال كونترول صارم مع منع أية تحويلات إلى الخارج مع سياسة تقشف قصوى تطال الطبقات المترفة لأن الطبقات الفقيرة تعيش هذا التقشف بأسوأ صوره..

خمسة مليارات دولار من المصرف المركزي سوف تستجلب إلى السوق عدة مليارات دولار من البيوت، وهو ما سوف يدعم الليرة...

المشكلة أن كل الأطراف تحارب الليرة التي لا تجد من يدافع عنها فعلا لا قولا، بما في ذلك حزب الله عبر سياسات شعبوية مؤذية في النهاية...

المشكلة أستاذ غسان، أن المتحكم بكل أحزاب لبنان الفاسدة، وغير الفاسدة، هي طبقة التجار أو بعض الجهلة من الشعبويين الذين لا يعرفون كيفية إدارة بلد وإقامة نظام قوي عادل...

الجهل إذا لم يكن مقصوداً، جريمة... فكيف إذا كان مقصوداً وخاصة في السنتين الأخيرتين...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري