بقلم.. ربى يوسف شاهين
تبدو ملامح السياسات الخارجية لدول الشرق الأوسط، أنها تأخذ منحىً متصاعداً للتوتر في كثير من التداولات السياسية الخارجية، وقد تبلورت مدى حدتها على المستوى العام، وخاصة السياسة الخارجية نتيجة عدة أحداث أدت إلى أن تطفو على السطح منذ عام 2016، عندما قُطعت العلاقات بين ايران والسعودية، حيث تصاعدت الأزمة عُقب الهجوم على السفارة والقنصلية السعودية من قبل متظاهرين إيرانيين، وازدادت حدة الخلافات بينهما في قضايا إقليمية، خاصة مع انطلاق ما يُسمى الربيع العربي في سوريا، وكذا في ملفات اليمن ولبنان.
ورغم أن كِلا الجانبين، وخاصة الجانب الإيراني، كان دائماً الساعي إلى إعادة العلاقات مع المملكة السعودية، عبر وساطات عربية كالعراق، حيث شهد العام الفائت لقاءات جمعت بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين، لإعادة الدفء إلى العلاقة بين البلدين، وأيضاً عبر ما أعلن عنه السيد ابراهيم رئيسي، في أول مؤتمر له، لجهة ترحيبه بعودة العلاقات بين الرياض وطهران، داعياً إلى ضرورة فتح سفارات البلدين كخطوة أولى لعودتها.
إلا أن القضايا الشائكة المتعلقة بالحرب على اليمن، تعد من أهم الأسباب الخلافية بين البلدين، والتي حدّت من متابعة اللقاءات والأخذ بجديتها، نظراً لارتباط المملكة العربية السعودية بالغرب، والأهم هو الموقف الإيراني الداعم الرئيسي لمحور المقاومة، وتحديداً لحزب الله، الذي يشكل بالنسبة للسعودية العائق الاساسي لها في لبنان، وكطرف داعم للحوثيين في حربهم ضد السعودية، وما تم تداوله مؤخراً عبر شبكات التواصل الاجتماعي "تويتر"، وعبر حساب وزير الخارجية السعودي عن مشاركة أفراد من حزب الله في قصف منشآت ومراكز حيوية في السعودية.
وبالرغم من الآمال المرجوة من إعادة العلاقات بين البلدين، لإيقاف الحرب على اليمن، إلا أن مبدأ القوة الإقليمية التي ستكتسبها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هو الذي يقلق المملكة العربية السعودية، فالولايات المتحدة أغرقت المنطقة بنزاعات متعددة، عبر الحرب على سوريا والعراق واليمن ولبنان، وفق أسس معينة ومعاملات استراتيجية، ابتغاء وضع شركائها السعوديين في الصف الأول للنزاعات السياسية والعسكرية والاقتصادية على حد سواء.
فالضغوط التي تتلقاها السعودية من واشنطن لمنعها من التقدم في علاقاتها مع دول المنطقة كإيران وسوريا، تستند إلى شراكتها وواشنطن بالملف الأمني عبر تصديرها لمنتجاتها العسكرية والحربية، تحت ذريعة الحماية الأمنية، فالقلق السعودي يعود إلى غزو العراق للكويت، والخشية من تكرار هذا السيناريو، والذي تعمل واشنطن على استثماره، وإيهام المملكة العربية السعودية، بهذا المُعطى.
ولا ننسى الملف النووي الإيراني، الذي يعتبر بالنسبة للولايات المتحدة واسرائيل، الملف الإقليمي الأهم، على اعتبار أن تطور إيران النووي سيُعزز من قوتها الإقليمية في المنطقة، وسيؤدي إلى زيادة القوة العسكرية لديها، والذي سينعكس على محور المقاومة معنوياً و عملياتياً، وعكسياً على إسرائيل.
ولذلك، اندفعت الولايات المتحدة إلى الانسحاب من الإتفاق النووي، لتستطيع زيادة الضغوط على طهران، ومنعها من تثبيت وجودها، أو على حد تعبير واشنطن "مدًها الشيعي"، لأن الحرب العبثية تحمل في طياتها خلفيات ونزاعات عقائدية، أكثر منها حقوقية أو مصيرية.
في المحصلة، لا شك بأن عودة العلاقات الإيرانية السعودية، سيكون بلا ريب عنواناً أساسياً للشرق الأوسط، لجهة تهدئة الملفات وحلحلتها، وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة الأمريكية.