في مقالات عديدة لي كنت أشير فيها لدور سورية المفصلي في المحافظة على الدولة الروسية من خلال رفض تمرير خطوط نقل الغاز القطري وما قد يستجد من مصادر للغاز في الربع الخالي في شبه جزيرة العرب عبرها الى تركيا ومن ثم الى أسواق المستهلكين الكبار في أوروبا, فلو سمحت سوريا بتمرير خطوط نقل الغاز عبر أراضيها لأجهزت أمريكا وتوابعها في الغرب على روسيا مبكراً ولتمكنت أمريكا من إستثمار كل الثروات فيها بشكل شبه كامل الى شركاتها وكما لتم نقل كل التقنيات العسكرية والصاروخية منها الى أمريكا بأقل الكلف وبابخس الاثمان, كما حصل خلال الانهيار المزلزل للإتحاد السوفييتي, مع الأسف لم يقابل الموقف السوري بالتقدير والعرفان من قبل بوتن وجماعته فنفوذ الطبقة الاوليغارشية اليهودية الروسية عليه قوىً ومؤثر على سياسات بوتن السورية وهو رهين مواقفها من القضية الفلسطينية, لم يتأخر بوتن في تنفيذ رغبات الطبقة اليهودية الصهيونية سواء في موسكو أو الكيان الصهيوني فنسق مع العدو الصهيوني اعتداءاته على سوريا مع قواته الموجودة في قاعدة حميميم ولم يقدم لسوريا لا منظومات الدفاع الجوي الحديثة ولا الطائرات الحربية المتفوقة بالوقت الذي يًدلل فيه بوتن على بيعها لأعداء سورية كتركيا ودول الخليج التي تآمرت على سورية, لا بل منع كما يتردد من تفعيل منظومة الدفاع الجوي س300 حفاظاً على أمن الكيان الصهيوني, لم يتأخر بوتن في تلبية مطالب العدو الصهيوني بالبحث عن بعض جثث قتلته ممن فقد أثرهم في عدوان الكيان على لبنان في العام 1982 فقام بنبش قبور شهدائنا في مقبرة اليرموك وبعثر عظام شهدائنا لكي يتم تكريم جثة جندي معتدٍ علينا بما يليق به حسب وصف بوتن في رسالته لبنيمين نتنياهو الذي تربطه به أمتن علاقات الود والمحبة معه.
في هذه الأيام نشعر ويشعر بوتن بأهمية الخطوة السورية التي لولاها لسقطت روسيا وأصبحت تابعاً كالعديد من التوابع الدائرين بفلك أمريكا ولأصبحت كل مقدرات روسيا بيد أمريكا فأمريكا لا تقبل الشراكة مع الآخرين بل تؤمن بتبعية الآخرين لسياساتها ولمافيات الإحتكار المتمثلة بالدولة العميقة فيها, بالتالي بدأت المخاوف تظهر لدى العدو الصهيوني ففي خبر نشرته إضاءات بتاريخ هذا اليوم, 29\1\2022 كتب المحلل العسكري لصحيفة معاريف عن هواجس العدو الصهيوني من ارتدادات الصراع على أوكرانيا بين حلف الناتو وروسية على الكيان.
في هذه الأثناء سيتوجه أمير قطر لأمريكا في محاولة لتعزيز امدادات الغاز القطري لأوروبا ولتقدير خطورة نقص إمدادات الغاز فيما لو تم فرض حظر أمريكي على إمدادات الغاز لدول أوروبا المستهلكة للغاز الروسي, مع يقيني بأن الغاز المسال لا يمكنه منافسة الغاز المنقول بواسطة الأنابيب
لإعتبارات سيتم سردها في القادم من السطور.
يتم نقل الغاز الطبيعي بطريقتين لا ثالث لهما, الأولى عبر أنابيب خطوط نقل الغاز والثانية عبر ناقلات الغاز المضغوط المصممة خصيصاً لهذا الغرض, يتم نقل الغاز بعد تسييله في ناقلات خاصة, من مجمعات تسييل الغاز المكلفة و كما كلف تشغيلها عالية، كما أن لمجمعات تسييل الغاز محاذير أمنية عالية وتحديداً في المناطق الغير مستقرة أمنياً وسياسياً, تعتبر مجمعات تسييل الغاز هدف عسكري سهل وإذا ما استهدفت بالصواريخ فسيترتب على ذلك كوارث قد تعادل تأثير تفجير نووي أو تكاد, اكتشف الغاز الطبيعي بكميات كبيرة في الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط, تم استثماره مبكراً في الساحل الفلسطيني من قبل الإحتلال الصهيوني, بقيت مشكلة نقل الغاز مشكلة المشاكل بالنسبة للعدو فالكيان لا يجروء على إنشاء وحدات تسييل الغاز لمخاطرها ولكونها ستتحول لهدف سهل في ظل وجود منظومات صاروخية متطورة ودقيقة, أرغمت أمريكا الأردن على شراء غاز فلسطين المنهوب وضغطت على مصر لتسويقة. النقل بالأنابيب هو الوسيلة الأنجع لميزته التنافسيته عن الغاز المسال ولعنصر الأمان النسبي كذلك, بوجود الدولة الوطنية السورية لن يتحقق نقل الغاز الفلسطيني عبر أراضيها براً, إذًا كان لا بد من إزالة الدولة السورية القائمة وإستبدالها بدويلات دمى يكون محورها الكيان وهذا يتوافق مع أهداف أمريكا المرسومة مسيقاً بموجب مخطط الشرق الأوسط الكبير.
لمحة تاريخية:
ابتدأ الصراع على الإستحواذ على الغاز وخطوط نقله بعد اتفاقية (كيوتو) التي فرضت استخدام الغاز الطبيعي بدلاً من النفط في القرن الواحد والعشرين, حصلت الإتفاقية في العام 1992 في مدينة (ريو دي جانيرو) في البرازيل, قبلتها كل أمم الأرض بإستثناء أمريكا لعدم توفر إحتياطات لديها من الغاز الطبيعي في حينه, من هنا انفتحت شهية امريكا على مكامن الغاز وعلى مسار أنابيبه, كان لا بد لأمريكا أن تتدخل بمختلف الحجج والإدعائات لتتمكن من مكامن الغاز وارض مسار نقله , سوريا لديها احتياطات غاز كبيرة وهي أرض التجميع والتوزيع لغاز قطر وما قد يستثمر من غاز في الربع الخالي وكما لغاز ايران بإحتياطاته الكبيرة وما يتيسر من غاز العراق قل أو كثر أيضاً, لفهم خلفية الصراع على الإستحواذ على خطوط نقل الغاز, لا بد من الإشارة والتأكيد على ما يلي:
1: في العام 1992 تم اقرار معاهدة كيوتو بمؤتمر قمة الأرض كمعاهدة دولية للحفاظ على البيئة, لقد تم اعتماد الغاز كوقود صديق للبيئة, قبلتها كل الدول ورفضتها الدولة المارقة أمريكا.
2: في العام 1995 استبدلت أمريكا حاكم قطر بانقلاب الأبن على الأب بهدف سرعة استثمار الغاز القطري وللإستحواذ على شركة غاز قطر ولتفعيلها بما يخدم سياساتها في السيطرة على العالم ولتحجيم شركة غاز بروم الروسية التي تستحوذ على عدد مهم من العملاء في الفضاء الأوروبي الغربي, ان توقيع أوروبا على اتفاقية كيوتو ألزمها بالحد من استخدام النفط لصالح استخدام الغاز الطبيعي الصديق للبيئة.
3: مع بداية القرن الواحد العشرين إبتدأت الإمبريالية الأمريكية تنفيذ خطة القرن الأمريكي, الهدف هو السيطرة على العالم من خلال السيطرة على مقدراته وثرواته ولمحاصرة روسيا الدولة المنتجة والمسوق الأهم للغاز الطبيعي, أذكركم بما حصل في جورجيا وأوكرانيا, ما حصل جاء بسياق إعاقة تدفق الغاز الطبيعي الروسي عبر خط النقل المعروف بالسيل الشمالي لدول شمال أوروبا وغربها.
4: في 11\9\2001 تم تفجير البرجين بنيويورك وتم توظيف القاعدة لهذا الغرض لتأخذ الحرب شكلها الحالي كحرب دينية ومذهبية وفق سيناريو معد مسبقاً لهذه الغاية, أعد مخطط الحروب الدينية الصهيوني اليهودي (برنارد لويس) وأعتمده الكونغريس الأمريكي بغرفتيه النواب والشيوخ في العام 1983 و نشر المخطط بعد ذلك على أثر انهيار الإتحاد السوفييتي في صحيفة رسمية عسكرية أمريكية في العام 1995.
5: في 7\10\2001 شنت امريكا عدوانها على افغانستان للوصول لمكامن الغاز في أذربيجان وتركمانستان, الفرق الزمني بين حادث البرجين والعدوان على أفغانستان هو أقل من شهر ,سميت حرب افغانستان بحرب “الحرية المستديمه” , كيف لحرب مستديمة متمددة أن تبدأ بعد اقل من شهر من حدث البرجين؟!.
6: في العام 2002 استحضرت أمريكا أردوغان لإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية لكونها دولة وطنية لا وظيفية ولانتصارها لقضية فلسطين من خلال دعمها للمقاومات في لبنان وفلسطين وكما لتضامنها مع القوى الحرة على امتداد العالم بما لا يتوافق مع سياسات أمريكا, جيئ بأردوغان ليكرس الفتن المذهبية بين المسلمين بزعم محاربة المد الشيعي ولتصبح تركيا مركزاً للسنة بينما هي مرتعاً وملعباً وميدان رماية للكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين وليكون عراباً لتنفيذ مخطط الشرق الكبير كما قال فيه الراحل نجم الدين أربكان. جيئ باردوغان ليمرر خط غاز نابوكو الأمريكي ولإفشال خط السيل الجنوبي الروسي وهذا ماتم. في العام 2002 وقع أردوغان على اتفاقية تمرير خط نقل الغاز (نابوكو), لا يختار الصهاينة الأسماء جزافاً فلكل تسمية قصة فالإسم (نابوكي) هو إسم لعمل موسيقي للموسيقار (فيردي) إسمه (أوبرا نابوكو), يستحضر العمل حدث سبي اليهود على يد (نبوخذ نصر) الآشوري.
7: في العام 2003 تم غزو العراق اعمالاً لحرب (الحرية المستديمة) التي أعلنتها أمريكا والتي استهدفت احتلال 7 دول خلال خمس سنوات وهي افغانستان,العراق, السودان, ليبيا, سوريا, لبنان وايران ,تم اعلان الخطة قبل احتلال افغانستان وتحديداً في 20\9\2011 أي بعد عشرة ايام من حادث 11\9\2001 حسب ما ذكر الجنرال ويسلي كلارك بمحاضرة القاهاملخص الفيديو في أعلى المقال.
8: في العام 2003 التقى وزير خارجية أمريكا “كولن باول” الرئيس السوري بشار الأسد فكان الإجتماع عبارة عن تهديد ووعيد وفرض إملائات على سوريا, رفض الرئيس بشار الأسد الإملائات فازدادات وتيرة التآمر على سوريا الثروات والموقع, موقع ثروات وممر لثروات الإقليم لنقل الغاز الطبيعي الرخيص نحو المستهلكين الكبار في أوروبا.
9: في العام 2005 تم اغتيال رفيق الحريري لتوظيف ابنه سعد الحريري في الحرب على سوريا ولتأجيج الفتن المذهبية بهدف إستهداف المقاومة اللبنانية وسوريا, فضحت مسرحية محاكمة قتلة الحريري هذا الهدف, فالمشتبهون إما أنهم سوريين أو مقاومين لبنانيين.
10: في 15\6\2006 نشر موقع عسكري أمريكي( Armed Forces Journal)) مقال بعنوان (حدود الدم) ,كتبه الجنرال (رالف بيترز) وهو تلميذ الصهيوني اليهودي برنارد لويس, والمقال هو استكمال لتنفيذ مخططه الذي اعتمد بالكونغرس الأمريكي في العام 1983.
11: في 12\7\2006 شنت اسرائيل عدوانها على لبنان بعد أقل من شهر من نشر مقال (حدود الدم), خلاصة المقال هو تفتيت المقسم الى فتات من خلال صناعة فوضى واقتتال نرسم به دماء المتقالتلين حدود الكيانات المنشودة سواءً بسوريا أو بغيرها من البلاد العربية والإسلامية, مع بداية حرب تموز بشرت (كونداليزا رايس) بالفوضى الخلاقة لميلاد شرق أوسط جديد من رحمها, هُزمت اسرائيل شر هزيمة وأسست هزيمتها لإنتصارات المقاومة في فلسطين.
12: نتيجة لفشل (اسرائيل) القيام بدورها الوظيفي كوكيل أساس في الردع في حرب لبنان في 2006 عدلت أمريكا سياساتها العملانية كما ورد بتقرير سيمور هيرش (The Redirection) الذي نشر في 5\3\2007 بنيويوركر ولا يزال المنشور قائماً.
13: محور الخطة الأمريكية والتي شارك بها بندر بن سلطان بوضع خطوطها الرئيسية هو الإستعانة بالسلف الوهابي وجماعة الإخوان المسلمين كوكلاء جدد عن الوكيل (اسرائيل) لتحقيق الغايات الأمريكية والصهيونية بإنشاء “الشرق الأوسط الكبير هم: ( ديك تشيني،إليوت ابرامز،زلماي خليل زاد، وبندر بن سلطان.ولقد تم إستثناء كوندليزا رايس من بينهم” ويضيف سيمور هيرش أن السعوديين لديهم القدرة على توظيف أسوأ أنواع الإرهابين بما لديهم مال ومدارس دينية متشددة, ويضيف هيرش بتقريره (The Redirection) الذي نشر في 5\3\2007 بنيويوركر أن مستشاراً في الحكومة الأميركية ذكر له بأن أهداف الخطه الأمريكيه تضمنت أربعة عناصر رئيسية هي:
أولا ـ تريد إسرائيل ضمان اعتبارأمن اسرائيل هو الأساس وأن واشنطن والسعودية العربية وباقي الدول "السنية" يشاركونها القلق من إيران.
ثانياً- سيحث السعوديون حماس التي تتلقى دعماً من إيران,على إنهاء عدائها لإسرائيل والبدء في محادثات جادة لمشاركة سلطة فتح بحكومه"معتدله",
ثالثا ـ تعمل إدارة بوش مباشرة مع الشعوب السنية لمحاصرة هيمنة الشيعة.
رابعا ـ ستقوم الحكومة السعودية، بموافقة واشنطن، بتقديم دعم مالي ولوجستي للمعارضه لإضعاف حكومة الرئيس بشار الأسد.لجعلها أكثر مرونة.
في تقرير سيمور هيرش وضع سيناريو الحرب على سوريا وتم تنفيذه مع بدء الربيع العبري بذات القوى التي وردت بمتنه, أي بعد إستخدام جماعة الإخوان المسلمين والسلف الوهابي التكفيري.
لماذا سوريا مجدداً؟ ذكرت بالتمهيد أن نقل الغاز المسال مكلف وخطر بآن معاً, وذلك للإعتبارات التالية:
اولاً : المحظور الأمني فمحطات تسييل الغاز هي هدف سهل الاستهداف في اي مواجهة عسكرية قادمة بين الكيان الصهيوني ومحور الممانعة وباستهدافها ستتسبب بكوارث أمنية وبيئية مرعبة للكيان المسمى “اسرائيل” , لذلك لجا الكيان لدول مجاورة لتسييل الغاز المنهوب من الارض الفلسطينية .
ثانياً : كلف تسييل الغاز عالية مما سيتسبب بإخراجه من المنافسة فتسييل الغاز يتم على درجة سالب 162.5 مئوية مما يتطلب استثمارات كبيرة وكلف تشغيل عاليةً تفقده ميزته التنافسية .
ثالثاً : كلف نقل الغاز المسال بسفن مصممة بتقنية خاصة لضمان تبريده اثناء النقل عالية بسبب تسريب ممنهج ومدروس من حمولة الغاز المنقول, لتفسير ذلك لا بد من الإسهاب في شرح قوانين “الديناميكا الحرارية” الخاصة بهذه العملية ونحن لسنا بصدد ذلك في مقام هذاالمقال .
رابعاً : كلفة اسطول سفن نقل الغاز عالية نظراً لخصوصية تصميم هذه السفن .
خامسا : كلفة تجهيز موانئ الوصول عالية فموانئ الوصول تحتاج لتجهيزات خاصة لاستقبال الغاز المسال.
سادساً : كلفة شبكات نقل الغاز من موانئ الوصول لجهات الاستخدام المختلفة تتطلب كلف اضافية,
أمام هذه الوقائع والحقائق التمت قوى العدوان من الكيان الصهيوني لاتباعه من كيانات محكومات الأعراب في الخليج, بتخطيط مسبق تم استهداف سوريا على أمل ان تتمكن هذه الكيانات من تمرير الغاز من مكامنه من تلك البلدان بواسطة الأنابيب مروراً بسوريا ومنها لتركيا ووصولاً للأسواق المستهلكة في أوروبا.
ما يدور بهذه الأيام خطير فالحرب بين أمريكا والغرب وكل من الصين وروسيا سيخدد وجه العالم الجديد الذي نأمل أن يكون عالماً تحكمه بعض القيم والأخلاق خلافاً للعالم البشع الذي سيطرت عليه أمريكا وقوى الشر الحاكة فيها.