كما جرت العادة كل سنة، تهرع المنار ومعها ال OTV لاستفتاء الناس طمعا في سماع المزيد من المديح الذي لم يعد قادراً على تغطية المأزق الذي وصل إليه فريقا تفاهم مار مخايل...
الشيء الوحيد المشترك بين كل المداحين هو التركيز على نظافة كف رمزيْ اللقاء... السيد نصرالله والجنرال... رغم سكوت الأول مُجبراََ عن فساد الحلفاء، وضلوع الثاني عجزاً أو قصداً في هذا الفساد...
أما الدخول في تفاصيل هذا التفاهم والعلاقة بين التيار وحزب الله، فلا ضرورة، لأن الشياطين تسكن داخل هذه التفاصيل...
استضاف الإعلامي عماد مرمل مساء الجمعة الفائت على المنار رجلين يمثلان ذروة المديح والإطراء لتفاهم لا يعرف معظم اللبنانيين بنوده...
ولم يحاول لا الاستاذ غسان جواد ولا الأستاذ منصور فاضل التطرق إلى أي من هذه البنود...
هل هناك إيجابيات في هذا التفاهم...؟
بالتأكيد هناك إيجابيات ترتكز على محاولة كسر الجليد الذي كان يفصل بين المسحيين بشكل عام من جهة، وبين فكرة مقاومة إسرائيل أو التعاطف مع الفلسطينيين من جهة أخرى...
لكن هل تميل كفة الإيجابيات إلى الرجحان... ؟
لا شك أن هذا التفاهم ساهم بشكل كبير في إيجاد بعض المؤيدين من غير الانتهازيين لفكرة قوة لبنان في قوة عزيمته، وفي مقاومته التي حافظت على كرامة الوطن ورفعت من قدره حتى بات اقوى الدول العربية بالمطلق...
لقد هزمت هذه المقاومة إسرائيل أكثر من مرة وساهمت في إلحاق الهزيمة بمشروع الرجعية العربية وحلف الاطلسي في كل من سوريا وإلى حد كبير في العراق، ناهيك عن تطور القدرة القتالية لأنصار الله في اليمن التي باتت تهدد سيطرة ملوك وأمراء وشيوخ الخيانة في الخليج، وقد تنهي هذه الأنظمة الرجعية إن ركبت هذه المشيخات رأسها واستمرت في العدوان على شعب اليمن...
لكن حقائق كثيرة يجب أن تُقال...
لقد دخل الطرفان في هذا التفاهم على أسس طائفية ومذهبية... وهذا بحد ذاته يشكل نكسة لمسيرة الطرفين حيث صار من الطبيعي أن يتم الحديث عن التيار ليس على أساس أنه علماني بل على أساس أنه الاقوى في طائفته...
نفس الأمر ينطبق على مقاومة، رفعت لواء القدس والعروبة ودافعت عن المقدسات المسيحية في سوريا وتصدت لنهج التكفيريين من الوهابية السنية، فإذا بالتفاهم يحولها إلى مجرد فصيل شيعي ينطلق من منطلقات مذهبية لا يستطيع الوطنيون رؤية أي خير فيها لما فيها من حصر المقاومة في شرنقة التشيع، حتى لو لم يقصد حزب الله هذا الحصر...
لقد اسهم هذا التفاهم من حيث لم يكن القصد في تدمير مستقبل مدنية الدولة...
بدل أن نجد في التيار الوطني الحر أناساً علمانيين مثل بسام الهاشم، صرنا "نتفركش" يوماً بناجي حايك، ويوما آخر بأسعد ضرغام، وأياما بتصريحات طائفية غبية لحكمت ديب...
ماتت علمانية التيار، بل ماتت حتى مشرقيته التي تباهى بها فترة من الزمن قبل أن يتقوقع في دعواته المبطنة للفيدرالية التي لا يمكن أن تنجح في وطن صغير جداً، ومتداخل جداً مثل لبنان...
سرنا أم أبينا تحتوي هذه الفيديرالية على بذور التقسيم مما سوف يؤدي إلى نزاعات لا تنتهي سوف تخرب هذا الكيان الهش...
أما عن انغماس التيار الوطني في منظومة الفساد والمحاصصة، فهذا فاقع في وزارة الطاقة والبواخر ولا تنفع كل تبريرات "ما خلّونا"...
في المقابل... عند حزب الله... قد تكون المقاومة استفادت من انفتاح البيئة المسيحية على المشرقية وأهمية فلسطين في هذه المشرقية، لكن هذا التفاهم قزّم المقاومة، وحصرها في البيئة الشيعية وساهم في استعداء الكثيرين من السُنّة بسبب من تصرفات جبران باسيل الفوقية واستناده ولو ظاهريا إلى دعم شيعي من حزب الله في وجه الطرف الشيعي الاخر المتمثل بحركة أمل المتحالفة ضمناََ مع السني القوي سعد الحريري، والدرزي القوي، وليد جنبلاط...
هل يجب إنهاء هذا التفاهم...؟
ليس هذا هو المطلوب...
لكن المطلوب هو ضرب كل البنود التي تجعل من هذا التفاهم، تفاهماََ شيعياً - مارونياََ...
وفرض كل ما يمكن أن يؤدي إلى بناء دولة مدنية لاطائفية ولامذهبية...
كان من الممكن لهذا التفاهم أن يشكل اساسا لويستفاليا لبنانية لو لم يتم تدميره بطموحات جبران باسيل الذي نجح في استعداء الغالبية العظمى من اللبنانيين لشخصيته المنفرة والمستفزة لكل الآخرين... حتى الآخرين داخل طائفته، وليس المقصود هنا، لا القوات ولا الكتائب التابعين لمحور الشر العربي، بل حتى الوزير فرنجية والكثيرون من التيارات والأحزاب العلمانية...
لذلك يجب إعادة النظر بهذا التفاهم والعودة إلى التركيز على الطابع المدني الذي يجب أن يحكم هذه الدولة ويمنع الطوائف من التدخل في بنيانها وأنظمتها وقوانينها...
حليم خاتون