لقي طفل لم يبلغ من العمر 7 سنوات، أمس الاثنين مصرعه غرقاً في بئر بمحافظة الخميسات غربي المغرب، وذلك في الوقت الذي شارك فيه عشرات الآلاف في تشييع جثمان الطفل ريان، الذي توفي في بئر بعد جهود "جبارة" لإنقاذه استمرت خمسة أيام.
وتوفي الطفل غرقاً في بئر مياه بعمق 50 متراً، بقرية "السبت" في بلدية مقام الطلبة غرب المغرب، بحسب ما نقلته وكالة الأناضول عن مواقع إخبارية محلية.
ونقلت المواقع عن مصدر محلي، أن الطفل "سقط بالبئر في غفلة من أسرته، التي اكتشفت أنه في قعر البئر بعد البحث عنه"، مضيفاً أنه "تم انتشال جثة الطفل ونقلها إلى المستشفى للتشريح".
فيما لم تصدر عن الجهات الرسمية حتى الآن أي بيانات توضح حيثيات الفاجعة، أو هوية الطفل الذي فارق الحياة.
تزامن الحادث مع مراسم جنازة الطفل "ريان أورام" (5 سنوات)، الذي توفي إثر بقائه عالقاً في بئر سقط فيها لأكثر من 5 أيام.
وتعرف المناطق القروية في المغرب انتشار الآبار العشوائية وغير المرخصة، والثقوب المائية غير المحصنة، إذ تزايد حفرها في السنوات الأخيرة بسبب موجات الجفاف وقلة التساقطات، وحسب مصادر في منطقة الجنوب الشرقي التي تعاني من تبعات شديدة للجفاف، فإنها تشهد حفراً مكثفاً للآبار العشوائية وغير المرخصة.
وبالنظر للتعقيدات الإدارية المرتبطة بحفر الآبار والتي تتطلب في بعض الأحيان حوالي ثمانية أشهر، يلجأ السكان إلى الحفر بعيداً عن أعين السلطات.
وأوضحت المصادر أن إحدى الشركات تنشط مؤخراً في حفر الآبار في منطقة تنغير في الجنوب الشرقي بنصف الثمن المعهود وبسرعة كبيرة؛ ما شجع السكان على الحفر والاستعانة بها بسرية لإيجاد الماء.
وأطلقت هيئات المجتمع المدني حملة للمطالبة بإحصاء الآبار والثقوب المهجورة، والعمل على ردمها حتى لا تتكرر مأساة الطفل ريان.
وفي هذا الصدد، دعا الائتلاف المحلي من أجل البيئة والتنمية المستدامة بمدينة صفرو إلى القيام بحملة وطنية شاملة لإغلاق جميع الآبار والثقوب المائية غير المرخصة أو المهملة أو غير المحمية، وإعادة النظر في الرخص التي سبق منحها لجميع الآبار وتحيينها وفرض استعمال العدادات على الجميع.
وكان الائتلاف قد حذر قبل حادثة الطفل ريان بأسبوع من خطورة انتشار تلك الحفر والآبار على المواطنين وعلى الفرشة المائية.
وأوضح عبد الحق غاندي رئيس الائتلاف أن الآبار العشوائية وغير المرخصة تمثل "مشكلاً عويصاً"، وأن "معظم الناس يحفرون الآبار بدون ترخيص، خاصة في المناطق النائية التي لا تصلها سلطة الرقابة".
وأضاف أن هذه المشكلة لها وجهان "هناك من يحفر آبار مجهزة ومحمية لكنها بدون ترخيص، وهناك من يحفرون ثقوباً مائية وعندما لا يجدون الماء يحفرون في أماكن أخرى دون إغلاق تلك الثقوب أو تحصينها".
وأشار إلى أن جمعيته عاينت في الإقليم وجود ثقب مائي غير محصن قرب المخيم البلدي للأطفال يستدعي تدخل السلطات قبل حدوث كارثة.
وأضاف أن حفر الآبار والثقوب المائية تزايد في فترة الجفاف في عدد من مناطق المغرب، ما أدى إلى تضرر الفرشة المائية.
ففي إقليم صفرو الذي يعد أكبر منبع مائي في المغرب، يقول غاندي إنهم عاينوا نقص صبيب العديد من العيون المائية والوديان.
ولفت إلى أن المسؤولين يساهمون في انتشار هذه الظاهرة، إذ إن السلطات المحلية لا تقوم بدورها في مراقبة حفر الآبار العشوائية، بينما دور شرطة المياه والبيئة ضعيف، كما أن وزارة الفلاحة تمنح الدعم لمنتوجات زراعية تستنزف المياه الجوفية.
ودعا غاندي في هذا الصدد إلى وقف دعم المشاريع الفلاحية المهدرة للمياه مثل زراعة البطيخ، وتحديد المناطق المسموح فيها بزراعة المنتجات التي تتطلب مياهاً كثيرة عموماً، وحصر عدد الفلاحين المسموح لهم بذلك بما يكفي حاجيات السوق فقط.
من جهتها، قالت البرلمانية عن إقليم شفشاون سلوى البرادعي إن سكان المناطق القروية في الإقليم يعتمدون على إمكاناتهم الذاتية لتوفير الماء، لذلك يحفرون الآبار بدون ترخيص وفي سرية لري عطشهم، ولسقي ما سمته "نبتة العار" أي نبتة الحشيش التي ارتبطت بالمنطقة واستنزفت مواردها الطبيعية من مياه وتربة وغطاء نباتي.
ولفتت البرلمانية إلى أن مسؤولية هذا الوضع لا يتحملها السكان الذين يعيشون ظروفاً مأساوية، بقدر ما تتحملها السلطات التي همشت الإقليم في برامجها التنموية.
وأوضحت أنه ليس كافياً تقنين زراعة القنب الهندي لإحداث تغيير في المنطقة، بل ينبغي أن تستفيد من برامج تنموية حقيقية.
وقالت: "سنثير الانتباه إلى مسألة الآبار الارتوازية، وتنمية منطقة الشمال في إطار العدالة المجالية، حتى لا تبقى هذه الأخيرة مجرد شعار بل حقيقة متبلورة على أرض الواقع".
ولا توجد إحصائيات وأرقام عن عدد الآبار الارتوازية المهجورة وغير المحصنة في المغرب بالنظر لكون حفر معظمها يتم في سرية وبدون ترخيص.
وقالت مصادر إن العمال في عمالات وأقاليم المملكة سارعوا إلى حصر الآبار المهجورة والثقوب المائية في مناطق مسؤوليتهم وخاصة المناطق القروية من أجل إطلاق حملة لردمها وذلك تنفيذاً لتوجيهات من وزارة الداخلية.
وكانت وزارة الداخلية المغربية، قد أصدرت تعليمات بهدم وإغلاق الآبار والحفر المهجورة القريبة من التجمعات السكانية، وطالبت أعوان السلطة بمدها بإحصاء وجرد شامل لكافة الآبار المهجورة والعشوائية، خصوصاً في المناطق القروية وذلك لوضع حد للحوادث التي تخلف ضحايا، وحتى لا تتكرر حوادث مأساوية مثل تلك التي شهدها المغرب الأسبوع الماضي.
وأنشأت الحكومة المغربية سنة 2017 شرطة المياه مهمتها مراقبة استعمال واستغلال الملك العمومي المائي.
ويعهد إلى أعوان هذه الشرطة معاينة المخالفات طبقاً لمقتضيات قانون الماء، وولوج المنشآت المائية بما فيها الآبار والأثقاب والتجهيزات المتعلقة باستعمال واستغلال الملك العمومي المائي، وتوقيف الأشغال والحجز على الآليات والأدوات والأشياء التي كان استعمالها أساس المخالفة وإيداعها بالمحجز، غير أن عمل هذه الشرطة محدود بالنظر لضعف الإمكانيات المرصودة لتسهيل عملها.