أكثر من ثلاثة عقود مرت يوم كان الطفل يبكي من الملل ويمنع أمه من تناول الطعام...
يومها، لم اجد امامي سوى علبة حليب فارغة أعطيته إياها، فراح يضرب عليها ويتمتع بصوت هذه الضربات...
كبر الطفل، وصار مهندسا "قد الدنيا"، مسؤولا إقليميا في أوروبا، ويتمتع بحياة طبيعية جداً، بعيدا عن لبنان...
لعبة الانتخابات في لبنان تشبه كثيرا علبة الحليب الفارغة تلك...
أعطتها الأحزاب لشعب له عقل طفل، فراح يضرب عليها ويتمتع باصوات الضربات التي لم تطعم خبزاً يوما، ولن تطعم خبزاً غداً...
لبنان، بلد العجائب...
رئيس الجمهورية ميشال عون، مهندس ال١٥٥٩، يتخلى بشطحة لسان، عن ١٤٥٠كلم٢ من المياه الاقتصادية اللبنانية لإسرائيل بعد أن ماطل طويلا دون عقاب، ودون مساءلة، وحتى دون استفهام من قبل الحريصين على الوطن، في توقيع المرسوم ٦٤٣٣...
في نفس الوقت، تقوم شعبة المعلومات والقوى الأمنية باعتقال أكثر من عشرين خلية مؤلفة من شخص واحد أو شخصين على أبعد تقدير، بتهمة التواصل الاجتماعي مع العدو الاسرائيلي... على ذمة المنار التي رأت ما تريد أن تراه، وابتلعت ما تريد أن تبتلع...
في الحالتين، نحن أمام فعل خيانة كاملة الاوصاف...
على ال LBC، تستضيف معتوهة ما، من مقدمي البرامج هناك، المبعوث الأميركي الغطاء،... الإسرائيلي المولد والجنسية والعاطفة، وتفاجئه بالحديث عن جار عدو للبنان...
اعتقد هوكشتين الاسرائيلي لوهلة أنها تتحدث عن اسرائيل، وهم بمحاولة الدفاع عن وطنه الأم، ليفاجأ بها تقاطعه لتصحح له انها تقصد بالعدو...!! سوريا...
هنا لا يوجد وفق العقل اللبناني، أية خيانة... أنها مسألة حرية رأي، وحرية تعبير...
لم يجد وزير الداخلية في لبنان في ما قالته تلك العاهرة على ال LBC أي اعتداء لفظي على دولة شقيقة...
في لبنان أيضاً، حاكم لمصرف لبنان المركزي هارب من العدالة المحلية التي أجبرتها العدالة الغربية بالتحرك بعد أن تبين لعدة قضاة غربيين أن المدعو رياض سلامة متهم باختلاس عدة ملايين من الدولارات، وبعد أن أوهم المدعو اللبنانيين أن الليرة بألف خير، فبدل ما لديهم من دولارات بليرات كان يطبعها دون حسيب أو رقيب لأن النظام النقدي والنظام المالي والنظام السياسي اللبناني جعل منه هو نفسه حسيباََ ورقيباََ على نفسه...
في لبنان حماة رياض سلامة كثر...
رؤساء السياسة، كما رؤساء الطوائف...
الكل لحس أو نتش من لحم كتف هذا الوطن، بمعاونة رياض سلامة...
إنها المعجزة اللبنانية...
هي نفس المعجزة التي جعلت بلدا يمجد قاتلاََ لرئيسِِ حكومة فاعلة، وينشيء محكمة دولية تكلف لبنان أكثر من نصف ميار دولار كي تكذب على اللبنانيين وتحاول خلق الظروف من أجل حرب أهلية في مسألة اغتيال رئيس سابق لحكومة لم تعد موجودة، وتدل كل التسريبات أن القاتل هم أرباب هذه المحكمة الدولية نفسها...
هي نفس العجيبة التي حولت السُنّة في لبنان بفضل رفيق الحريري من حاضنة لحركات التحرر الوطني والداعم الأساسي للوحدة القومية عند العرب، إلى مجرد ساكتين في احسن الاحوال عن العهر المتمادي في الخليج عامة، والسعودية خاصة...
في لبنان، تنتصر مقاومة وتحقق المستحيل بكل ما في الكلمة من معنى، ثم تجد نفسها عاجزة عن حتى كلمة حق في سلطان خائن، وآخر سارق، وآخرين كثيرين فاسدين...
هل أصاب بعضكم القرف...؟
هل أصاب بعضكم الآخر، الغثيان...؟
لا ضرورة...
شاهدوا كل الشاشات وابتسموا...
من الLBC، سوف يطل الاستاذ سامي كليب...
من ال MTV، نفس تعليقات العقارب...
من الجديد، مراسلون ومقدمون جدد للبرامج، استطاعوا بنجاح استجلاب شيكات خليجية ودولارات كانت عادة ترمى على الراقصات او توضع في مواطن الشرف عندهم...
على ال NBN، إصرار عجيب على ملاحقة الفساد والفاسدين، لكن على كوكب المريخ...
على المنار، نعيش على بطولات من سبقوا...
على المنار، نحيي من استشهد ودفع دماََ، لقاء أرض ومياه وشبه دولة...
لكن بالتأكيد هناك فرق كبير...
فبينما تتحفنا كل الشاشات الأخرى بفقرات ترفيه تافهة،
لا يزال الشيخ نعيم قاسم آجره الله، يرى في الانتخابات ضرورة وطنية لاستمرار مسرحية فيلم أميركي طويل، نسخة جديدة ومنقحة....