رسالة الى روح والدي البطل الأغلى بطل الدبابات في الميدان ... ايقونة الأمن في الداخل ... الدبلوماسي المحارب المشتبك... المفكر الموسوعي الذي لا مثيل له ... رمز الوفاء و الولاء للمدرسة الاسدية من خالدها الحافظ الى قائدها البشار و سيفها الماهر ... انه الروح بهجت سليمان ( أبو المجد ) و صاحب كل المجد :
كان أبي يقطف لي النجوم ..
كان يعزف لها الموسيقا فتزداد توهجا و ضياء ..
أحيانا كانت النجمات تتوسّد ذراعيه ..
كانت ترمش بعينيها قبل أن تغفو على صدره ، فيزداد وجهه توهجا ونقاء ومهابة ..
كان يطلب مني أن أتأمل عظمة النجوم وجمالها .. ثم يقول لي :
بالعقل الصالح وبالطموح النقي يمكنك أن تصبح صديقا للنجوم .. !
ولكنْ بالمحبة وحدها يمكنك أن تجعلها تغفو على صدرك .. !!
ثم يردد قول المتنبي :
( إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ ..
فلا تقنعْ بما دون النجومِ ) .
لم أكن أستوعب ما يقوله حينذاك ..
و لم تكن النجوم بالنسبة لي أكثر من عالم مدهش أنظر إليها في السماء وأعدّها ..
كان يعنيني أن أقلّده وأن أدعوها لتغفو على صدري ، ولكنني حين أبادئها كانت ترتفع وترتفع ، ثم تختفي ..
كان يتحدث معي بمحبة كبيرة عن النور والغيوم .. وحين يبتسم لي فهذا يعني أنه قرأ ملامح الغيرة على وجهي ، فيأخذني بين ذراعيه ويُجلسني في حجره ، ويمسح بيديه على شعري ثم يقول لي :
أنت تريدني أن أحبك أكثر من الشمس والغيوم ؟
فأقول له : (أي) ..
يبتسم ويقول : بحبك أكتر .. ولكنني معجب جدا «بهم»، وأريدك أن تكون «مثلهم» .. وحين كان ينتبه إلى أنني لم أستوعب كلامه ، كان يشرح لي باستفاضة عن إعجابه الشديد بدقة نظام شروق الشمس وغروبها ..
و عن حبّه للغيوم المُحمَّلة بالمطر للأرض ..
و عن كَرَم الأرض وتفاعلها مع نور الشمس وماء الغيوم ، و عن ولادتها للثمار والورود والينابيع ! ..
عندما ينتهي من عرض الفكرة كان ينظر في وجهي نظرة مودة و أمل ، تُشعرني بأنه بحاجة لي وبأنني مالك حاجته .. ! ثم يقول :
إن دقة نظام الشمس هي العقل ..
أما الغيوم والأرض فهما القلب والروح ..
و بمقدار ما تكون المحبة والوئام جزيلين يكون الخير والعطاء كبيرين !.
كنتُ .. ومازلتُ أفكر في كلامه ..
أما الآن ، و بعد رحيله إلى عالم الحق ، فقد عرفت أنني يجب أن أعاند النفس الأمّارة بالسوء وأن أصارعها و أغلبها كي أرتقي بضع درجات على سُلَّم وصاياه ..
تلك الوصايا التي لا تتحقق إلا بنقاء الروح وتخليصها من الضغائن والأحقاد والحسد ، وبعد ذلك فقط تسمو إلى عالم المحبة والمعرفة ..
الآن أرى نفسي أردّد بيتاً من الشعر كان يردده :
( والنفس تعلم أني لا أطاوعها ..
و لستُ أرشدُ إلا حين أُعصيها ) .
والآن فقط عرفت كم هي سهلة وصاياه ، و كم هو صعب تنفيذها .. !
والآن عرفتُ أن النقاء والحب هما أحد دروب المعرفة والفلسفة والحكمة والسعادة .
أستذكر الآن عمله الأمني الطويل والمضني ، ووقتَ فراغه المخصص في معظمه للقراءة ولاستقبال الأصدقاء ..
أستذكر ذلك ، وأتساءل :
كيف كنتُ أعيش فيضا من الحنان الغامر ..
كيف كان - رغم مشاغله الكثيرة - يمنحني كل ذلك الحنان .ّ وما السر في ذلك ؟!
هل هي ابتسامته الساحرة في وجهي كلما التقينا ، والتي لا تفارق روحي حتى الآن ؟!
أم هي فيض محبته وحنانه الذي يغمرني حين يتفرغ لي لبعض الوقت ؟!
أم هو تشجيعه لي والثناء عليّ حين أنجز أيّ عمل مهما كان صغيرا ؟!
أم هو لَعِبه معي كصديق لي حين كان يصادفنا الحظ ونلتقي لبعض الوقت ؟!
أم هي هداياه لي في جميع المناسبات ، وأحيانا من دون مناسبة ؟!
يبدو لي أن ذلك كله هو السبب في أنه كان عالمي الجميل كلّه .
في الذكرى السنوية الأولى لرحيلك من هذا العالم الفاني إلى عالم الحياة الأبدية ، أتمنى يا أبي وصديقي ورفيقي وأستاذي ومعلمي وقدوتي .. أتمنى أن تكون راضيا عني ..
أتمنى أن أكون جديرا بحمل اسمك ، يا فارس السيف والقلم ، كما يصفك من عرفك عن قرب ..
أعدك بأنني سأجتهد ، وسأعمل بكل طاقتي لتحقيق ذلك ..
وسأبقى باحثا عن المعرفة و الحقيقة ومتمسكا بهما بعقلي وقلبي ..
وسأبقى متواضعا بارّاً بأهلي ووفيا لأصدقائي ، وخادما لمن حولي ..
وسأبقى متجذّرا في انتمائي لوطني ، ولقيادتي الأسدية المقاومة النقية الشريفة .
وسأبقى جنديا وفيا لعقيدتي الوطنية ، ليّنا مع الصديق حازما مع العدو .
وأخيرا : أقبّل يديك ، وجبينك الناصع يا أبي وصديقي الذي يعيش في كل نبضة من نبضات قلبي و روحي ..
وسلام عليك يوم وُلدتَ ، ويوم رحلتَ ، ويوم تُبعث حيّا .
ابنك وتلميذك وصديقك :
(حيدرة بهجت سليمان )