محمد النوباني,,
تحل اليوم الذكرى آل ٥٤ لمعركة الكرامة الخالدة التي كانت بمثابة أول إنتصار فلسطيني وعربي على إسرائيل بعد نكسة الخامس من حزيران عام ١٩٦٧ المهينة التي إنتصرت فيها إسرائيل على ثلاثة جيوش عربية في غضون ستة ايام واحتلت بنتيجتها ما تبقى من فلسطين التاريخية وسيناء المصرية وهضبة الجولان السورية.
وقبل ان ندخل في صلب الموضوع فقد ظن قادة إسرائيل وعلى رأسهم وزير الحرب آنذاك موشيه ديان، الذي كان مزهواً كألطاووس بإنتصار ٦٧ السهل، أن المعركة التي تم التخطيط لها لإزالة خطر الفدائيين الفلسطينيين على إسرائيل وابعادهم عن الحدود ستنتهي في غضون سويعات بإنتصار مدوي جديد للجيش الإسرائيلي. ولكن ما حصل على أرض الواقع ان حسابات الحقل الصهيوني لم تتطابق مع حسابات البيدر الفلسطيني، فكانت النتيجة مغايرة لكل توقعاتهم بل ومحبطة لهم .
وفي التفاصيل
ففي فجر الحادي والعشرين من آذار عام ١٩٦٨، ولم يكن قد مضى على هزيمة الخامس من حزيران، المذلة،عام سوى ١٩٦٧ سوى عشرة أشهر ونصف فقط حتى إجتازت عدة ألوية من الجيش الإسرائيلي مدعومة بالطيران الحربي،الحدود الفلسطينية -الاردنية متجهة شرقاً لضرب قواعد الفدائيين الفلسطينيين التي كانت منتشرة في بلدة الكرامة الاردنية وجوارها وذلك بعد ان اصبحت العمليات الفدائية المنطلقة من الاراضي الاردنية آنذاك باتجاه الاراضي المحتلة تقض مضاجع المؤسستين الامنية والعسكرية الإسرائيلية وتشعرهما بخطر وجودي على كيانهم.
ولكن عندما بدأت المعركة فقد فوجئ الإسرائيليون بأن قواتهم المتقدمة والمدربة على مقاتلة جيوش نظامية كلاسيكية وقعت في مصيدة كمائن قاتلة ومنيت بخسائر كبيرة في الافراد والمعدات لأنها دخلت ،في معركة ضارية مع مجموعات فدائية صغيرة مدربة على خوض حرب عصابات من ناحية ، ولأن القوة المهاجمة تعرضت لقصف مدفعي عنيف من مدفعية الجيش الاردني المتمركزة في جبال السلط من ناحية ثانية.
ولذلك فقد فشلت تلك القوات في تحقيق اي من الاهداف المرسومة للعملية، ومنيت بخسائر كبيرة في الافراد والمعدات.
ومن الحقائق التاريخية التي باتت معروفة في هذا الصدد أن إسرائيل قد طلبت من الاردن وقفاً لإطلاق النار قبل حلول الليل لكي يتسنى لها سحب جثث قتلاها وجرحاها الذين سقطوا في ارض المعركة وكذلك حطام الدبابات والمدرعات التي دمرت فيها ولكن المقاومة الفلسطينية والجيش الاردني بقيادة مشهور حديثة الجازي رفضوا الإستجابة للطلب الإسرائيلي مما اجبرهم على الانسحاب من المعركة تحت النار وترك القتلى والمعدات في ارض المعركة.
كما لا زالت حاضرة في ذاكرة من عاشوا تلك الفترة المشرقة من التاريخ الفلسطيني والعربي صور الفدائيين الفلسطينيين من مختلف الفصائل الفلسطينية وهم يعرضون الأسلحة الإسرائيلية التي غنموها في مركز العاصمة الاردنية عمان ومنها دبابات وعربات مدرعة.
عود على بدء فإن من اهم دروس معركة الكرامة وعدا عن انها حطمت اسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، انها اثبتت بأن هزيمة إسرائيل ممكنة كما برهنت على ذلك فيما بعد حرب اكتوبر العربية -الإسرائيلية عام ١٩٧٣من القرن الماضي،التي اجهض نتائجها المقبور أنور السادات، وحرب العام ٢٠٠٦بين المقاومة اللبنانية وإسرائيل والحروب الاربعة بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وإسرائيل وآخرها معركة سيف القدس عام ٢٠٢١.
وفي الختام كل التحية لأبطال معركةالكرامة، الشهداء منهم والاحياء، الذين سطروا بدمائهم واثبتوا بتضحياتهم أن نهج الكرامة هو البديل لنهج الخنوع والإستسلام.