كتب الأستاذ حليم خاتون: حرب الإعلام في أوكرانيا.
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: حرب الإعلام في أوكرانيا.
حليم خاتون
22 آذار 2022 , 16:08 م


من منا لا يذكر تلك الفتاة التي بدت في قمة البراءة والصدمة وهي تصف وحشية الجنود العراقيين الذين لم يترددوا في رمي الأطفال الكويتيين الحديثي الولادة من أجل سرقة الحاضنات...

فقط بعد انتهاء الحرب، عرفنا أن هذه الفتاة لم تكن سوى ابنة السفير الكويتي في أميركا، وأنها اصلا، لم تكن في الكويت، ولم تر شيئا مما وصفت...

كل شيء كان تمثيل بتمثيل، وقد تم تدريب الفتاة على لعب ذلك الدور من أجل كسب العطف وتبرير الجرائم التي سوف ترتكبها اميركا لاحقا بحق العراقيين...

لا احد ينفي وجود جنود عراقيين جهلة وبدون اخلاق في تلك الحرب، كما في كل الجيوش... لكن أحدا لم يتكلم عن وحشية الجندي الأميركي الذي قام باصطياد جنود جيش مهزوم ينسحب وقتل الآلاف منهم، وهم في حالة شبه استسلام...

كما أن الصورة الحقيقية عن وحشية الجنود الغربيين لم تظهر إلا لاحقاً بعد أن استطاعت اميركا احتلال العراق وتدمير كل مقومات الدولة فيه...

تشاء الصدف أن تكون أوكرانيا وبولندا من أوائل دول منظومة حلف وارسو المنحل، التي دخلت بحماسة منقطعة النظير إلى جانب اميركا وجِرائها من أجل احتلال هذا البلد العربي وتدمير وقتل أطفاله ونسائه وشيوخه في بربرية موصوفة عرفنا أنها حصلت في فيتنام وكمبوديا ولاووس قبلا، كما حصلت في صربيا والكثير من بلاد العالم...

قد يكون من بين احفاد أولائك الجنود الأوكرانيين الذين شاركوا في ارتكاب المجازر في العراق من يهيم على وجهه على طرقات أوروبا هربا من حكم إعدام بحق النازيين الجدد المنتشرين الآن في أوكرانيا...

تقول إحدى الضيوف على قناة فرنسا ٢٤، أن هناك فعلا بعض النازيين في أوكرانيا، ولكنهم أقلية...

تضيف المعلقة السياسية أن الحديث عن هؤلاء النازيين، هو فقط من أجل تبرير قصف المدن الاوكرانية بوحشية...

طبعاً، بعد منع كل الأقنية الروسية، ومنع كل من يمكن أن يُظهر وجهة نظر روسيا عن كل وسائل الاتصال، صار باستطاعة الغرب التمادي في الكذب حتى آخر مدى...

تفلت بين الحين والآخر، مقالة لصحفي موضوعي أوروبي أو ريبورتاج يظهر ألاف النازيين الجدد البرازيليين أو الأميركيين او البريطانيين الذين أرسلوا إلى أوكرانيا للقتال بدافع الكره العميق للقومية الروسية الذي تعود جذوره إلى انتصار اجداد هؤلاء وسحقهم النازيين الألمان على أبواب ستالينغراد ولينينغراد في الحرب العالمية الثانية...

ما يعاني منه الروس اليوم هو ما يجب على كل عربي أن يعرفه...

إنها حرب الإعلام وتزييف الحقائق...

كم من الناس سمع بمجازر إسرائيل في فلسطين أو مصر أو لبنان أو الأردن أو سوريا...

من سمع بمدرسة بحر البقر، أو مصنع ابو زعبل أو كفر قاسم أو قانا ١، ثم قانا ٢...؟

تحاول قناة الجزيرة أظهار حيادية لا تستطيع تغطية مدى الانحياز المأخوذ باستشهاد مندوبة اميركا في مجلس الأمن بتقارير تلك القناة...

لا يستطيع أي كان نفي وحشية الحرب...

لكن لا يستطيع أي كان الدفاع عن سياسة اختباء النازيين الجدد وراء المدنيين كدروع بشرية ومنع الناس من الهرب من ماريوبل خلال خمسة ساعات صمت فيها السلاح الروسي من أجل إفساح المجال للعائلات والأطفال بالخروج...

يتحدث زيلينسكي عن قرار الأوكرانيين بالدفاع عن بيوتهم...

لكن هل يمكن التصديق أن الأمهات قررن البقاء مع أطفالهن تحت القصف الآتي حتماً...؟

سكان ماريوبل هم حوالي مئة ألف نسمة، نصفهم على الأقل من أصول روسية... لماذا يتم احتجاز هؤلاء رغما عنهم...؟

إنها ليست فقط وحشية الحرب...

إنها وحشية النازيين الجبناء الذين قاموا خلال ثمانية سنوات بترهيب هؤلاء الروس وقتلوا منهم حوالي أربعة عشر ألف بتهمة الانتماء إلى الجهة الأخرى...

ثمانية سنوات مرت منذ أن قرر الانقلابيون في كييف منع اللهجة الروسية، ومنع الكتابة بأبجديتها...

بضعة سنوات مرت منذ قررت سلطات الانقلاب اليميني النازي في كييف، تقديم قانون ما يسمى بأهل البلد الأصليين الذي بدأوا على أساسه في التمييز ضد كل من يتحدث باللهجة الروسية في موجة تطهير عرقي سكت عنها الغرب كما يسكت وكما يسمح لقانون يهودية الدولة في فلسطين بالمرور من أجل القيام باضطهاد الفلسطينيين...

صحيح أن الحرب تجري على الأراضي الأوكرانية بعيدا عن روسيا، لكن مَن من الصحفيين، تجرأ على محاولة معرفة ما يعانيه الأوكرانيون من اصل روسي في كل المدن والقرى الواقعة تحت سيطرة النازيين حتى ولو لبس هؤلاء بدلات الجيش الأوكراني النظامي...

اساسا لم تخف الضيفة الفرنسية على قناة فرنسا ٢٤، أن هؤلاء "الأقلية"، يقاتلون في قلب الجيش الأوكراني الذي قامت اميركا بعمليات تدريبه في السنوات الثمانية الأخيرة...

كما لم تنتبه هذه القناة حين الحديث عن اعتقال جواسيس بوتين، أن هذا الأمر يقوم على التمييز في لفظ الكلمات وفي اللهجة المختلفة...

هل تذكرون الحرب اللبنانية؟

القتل لم يكن دوما على الهوية...

كثيرا ما جرت المذابح على اختلاف اللهجة...

صحيح أن الجزيرة تستضيف بعض الضيوف الروس مقابل الكثير من الضيوف الأوكرانيين...

لكن معظم الضيوف العرب هم من مؤيدي وجهة النظر الغربية...

كثيرا ما تخرج على الجزيرة المباشر صور المعاناة في جانب واحد فقط من الجبهة...

تخرج إحدى النازيات للتحدث مع "الخنزير"، بوتين وتقول له إنها وسمك الاكواريوم في بيتها سوف يعيشون بعد أن يفنى هو و"الغنم" من الروس...

المضحك المبكي أنها تتحدث بنفس اللغة التي يفهمها الروس والاوكرانيون على حد سواء..

من المؤكد أن اميركا لن تسمح للجزيرة بمحاولة نقل وجهة النظر الأخرى...

أساساََ، لن تجرؤ الجزيرة على اكثر من إذاعة خبر هنا او خبر هناك... عن المختبرات البيولوجية الأميركية في أوكرانيا...

مع أن ملاحقة هذا الأمر هو أهم عمل أو سبق صحفي من أجل فضح المجرمين بحق البشرية...

الحرب قذرة...

كل الحروب قذرة...

لكن أقذر الناس هم من لا يغطي هذه الحروب بموضوعية...

إنتهت الحرب العالمية الثانية بإدانة هتلر وموسوليني...

لم يتحدث أحد عن جرائم ستالين في الاتحاد السوفياتي إلا بعد تفرق الحلفاء المنتصرين في حلفين متضادين...

هل سمع العالم يوما بحرب الأفيون التي خاضتها بريطانيا وفرنسا ضد الصين من أجل منع الحكومة الصينية من القيام بتحريم الأفيون...؟

هل سمع أحد بمجازر البريطانيين في الهند ومصر وجنوب أفريقيا...؟

هل سمع أحد بالمتظاهرين العزل الذين أطلق عليهم جنود بريطانيا النار لأنهم كانو يطالبون بالحرية والاستقلال...؟

مليون ونصف مليون جزائري هم ضحايا الاستيطان الفرنسي لذلك البلد...

عشرات المهاجرين من العمال الجزائريين تم رميهم في نهر السين في باريس، لمجرد أنهم طالبوا باستقلال بلدهم...

وحدة المعايير هي أهم المفقودات في عالمنا المعاصر...

كما قال ذلك النائب الأوروبي...

خمسة أيام بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت كافية لعقوبات غربية هي الأشد في التاريخ...

سبعون عاما من اجتياح فلسطين، وإلغائها عن الخريطة وطرد أهلها ومصادرة الأراضي والتطهير العرقي والتمييز العنصري... ولا يجرؤ أحد على قول ولو كلمة في حق دولة الإحتلال...

يتحدث الغرب عن جرائم الحرب في أوكرانيا...

إنه نفس الغرب الذي قصف بلغراد ودمر برج التلفزيون هناك...

أما أميركا، فيكفي الحديث عن مدينتي هيروشيما وناكازاكي...

هؤلاء كانوا أول ضحايا العنف الوحشي النووي الأميركي...

صحيح أن بوتين لم يستطع الانتصار في بضعة أيام كما توقع الكثيرون...

سبب ذلك أن بوتين لم يلجأ حتى اليوم إلى القصف السجادي لمدن أوكرانيا كما فعلت اميركا مع دريسدن في المانيا في الحرب العالمية الثانية، أو كما فعلت مع مدن العراق أثناء الغزو ضد صدام حسين أو في الحرب ضد داعش...

لم تُبق اميركا حجراً على حجر في الموصل...

لو فعل بوتين نفس الأمر في أوكرانيا، هو يستطيع الانتصار في بضعة أيام... لكن على حساب المستقبل...

هل يلجأ بوتين إلى هذا الأمر...

ربما...

إذا كان لا بد من تجنب حرب استنزاف خطط لها الاميركيون باحتراف بينما كان بوتين لا يزال يؤمن بإمكانية قبوله في نادي الكبار والكف عن التحرش به...

في هذه الحالة سوف تذهب آفاق الحرب إلى تصعيد قد تصل وحشيته والضحايا إلى أرقام يصعب تخيلها...

لا يستطيع بوتين التراجع...

أساساً، زادت شعبية بوتين داخل روسيا الى مستويات لم يعرفها الرجل في حياته...

في نظر الشعب الروسي، بدأ البعض يشبهه ببطرس الأكبر مؤسس روسيا الحديثة والعظيمة قبل الثورة البلشفية...

الروس الذين يعانون في أوروبا من حملات شيطنة تشبه ملاحقة الشعوذة والسحر في القرون الوسطى، بدأوا بسحب اموالهم في كل البلاد ونقلها الى الصين بعدما رأوا مدى شهية النصب والسرقة الغربية في أوروبا...

كما دائما في التاريخ، تطغى بريطانيا وتتفوق على كل الآخرين في عمليات النصب هذه...

لا ينافسها في هذا إلا اميركا في حين تغرق بقية بلدان أوروبا في أزمات سوف تؤدي في النهاية إلى انهيار النظام الاقتصادي العالمي وانتشار العوز والمجاعة ليس فقط في بلدان العالم الثالث، بل حتى في أوروبا نفسها حيث بدأ الصراخ في إسبانيا ولن يلبث أن يصل إلى بقية القارة العجوز...

إذا كان الصراخ بدأ منذ اليوم... ماذا حين سوف يصل سعر برميل النفط إلى ٥٠٠ دولار بعد أن ينفذ المخزون الاستراتيجي في اميركا...

ماذا بعد أن يقفز سعر الالف متر مكعب من الغاز إلى أكثر من ٤٥٠٠ دولار بعد أن كان قبل الحرب بأيام أقل من ربع هذا الثمن...

بل ماذا سوف يحصل بعد أن يتجاوز عدد اللاجئين إلأوكرانيين عتبة العشرة ملايين كما تقول التوقعات...

قد لا يكون المستقبل واضحاً للكثيرين... لكن الأكيد أن الروس لن يتراجعوا حتى السيطرة على الدونباس على الأقل، حتى لو اضطروا الي قصف سجادي وحشي لأوكرانيا...

أحد ما سوف يدعو في المستقبل الى مؤتمر يالطا جديد...

اميركا لا تزال وسوف تظل دولة عظمى...

أميركا تعرف انها لم تعد قادرة على التحكم وحدها بهذا العرش...

الصين سوف تكون بالتأكيد القطب الثاني...

الصين لن تكون من الغباء بحيث تسمح لبريطانيا وفرنسا وألمانيا من التواجد في هذا المؤتمر دون مرافقة روسيا وربما جنوب افريقيا ودول لها وزن لا تدور في الفلك الأميركي... كالبرازيل إذا كان لولا قد عاد إلى السلطة واطاح بالنازي بولسونارو...

متى يكون هذا المؤتمر...؟

إنها مسألة وقت...

لكن لا بد أن يسكت السلاح يوما، ويترحم الناس على الأموات قبل البدء بإقامة نظام عالمي جديد قد تكون إيران من ضمنه، ولو بشكل غير مباشر...

كل هذا يعتمد فقط على وجوب انتصار روسيا...

مصلحة العالم صارت من مصلحة روسيا وليس لا الغرب، ولا أميركا...


..

المصدر: موقع إضاءات الإخباري