رؤى وفِكَرٌ تطويريّة لعمل الجبهة الوطنيّة التّقدميّة في سورية ( 6 )\ نبيل أحمد صافية
مقالات
رؤى وفِكَرٌ تطويريّة لعمل الجبهة الوطنيّة التّقدميّة في سورية ( 6 )\ نبيل أحمد صافية
نبيل أحمد صافية
24 آذار 2022 , 20:14 م


أشرت في الجزء الخامس من البحث لضرورة تفعيل المادة الثّامنة في مختلف فقراتها من الدّستور بصورة حقيقيّة فاعلة ، وأنتظر اللقاء الجديد بالسّيّد اللواء محمّد الشّعّار نائب رئيس الجبهة لمناقشته في التّناقض بين قانون الأحزاب ومضمون الدّستور الحالي والسّابق ، وأعود للفقرة السّابقة لتفصيل ذلك التّناقض لاحقاً ، ونتابع في الجزأين السّادس والسّابع من بحث الرّؤى التّطويريّة لمنظومة الجبهة الوطنيّة التّقدميّة ، ونتناول فيهما جانباً واحداً فقط أيضاً ، وهو يتمثّل :

بضرورة فصل منظّمتي اتّحاد شبيبة الثّورة وطلائع البعث عن التّربية ضمن التّقسيمات التّربويّة في وزارة التّربية وتغيير اسمهما لتغدو الأولى باسم شباب سورية والثّانية أطفال سورية .

ولعلّ المتتبّع للأحداث التي عصفت في سورية منذ عام ٢٠١١ يجد أنّ المنظّمات الشّعبيّة وسواها كانت شبه غائبة عن الأحداث ، ومن المعلوم أنّ الدّولة تصرف الملايين على توليد فكر ينسجم وتطلّعاتها في بناء الأجيال ، ولكنّ المناهج التي قدّمتها الدّولة عبر وزارة التّربية كانت بعيدة عن تطلّعات تلك الأجيال بصورة خاصة والشّعب السّوريّ عموماً وعن الأهداف العامة التي صاغتها الدّولة قبل الأزمة ، ممّا جعل الفكر التّربويّ يتراجع إلى حدّ بعيد عن أهداف الشّعب وعيشه باستقرار وأمن وأمان ، ومن المعلوم أيضاً أنّ بداية الأزمة قد نشأت من أجل أطفال ، وتفاقمت تحت أيّ مسمّى لها ممّا أحدث شرخاً في الشّارع السّوريّ وصولاً لحالة الإرهاب التي تمّت ، ولعلّ من الأهمّيّة بمكان الإشارة إلى أنّ الأطفال والشّباب عموماً في سورية يحملون أفكاراً تعكس التّربية التي تقدّمها منظّمة طلائع البعث وكذلك اتّحاد شبيبة الثّورة ، وإنّ الفكر التّربويّ الذي يُقدّم فيهما لم يكن على المستوى المطلوب ، ممّا أمكن اختراقه بسهولة جدّاً ، فتفاقمت الأزمة بفضل تجاهل المنظّمتين لدورهما أيضاً وكذلك الحال للقائمين عليهما ، إذ لم نجد أيّ دور فاعل إيجابيّ مؤثّر لهما في توعية الجيل بصورة عامة ، وهذا رأي عامة الشّعب السّوريّ ، بل إنّ كلتا المنظّمتين قد انكفأتا وتراجع دورهما لدرجة شبه معدومة ، وبالتّالي : فإنّ على الدّولة أن تعيد النّظر في تلك المنظّمتين أو إعادة بنائهما من جديد ، بما يخدم سورية ، وليس فئة حزبيّة معيّنة في ضوء التّعدّدية السّياسيّة ، ولابدّ من عدم تسييس الطّلّاب من قبل أيّ حزب ، فسورية لكلّ السّوريين ، وليس حكراً على حزب واحد حتّى تترك وزارةً بعينها لهذا الحزب أو ذاك ، وخصوصاّ أنّ التّربية لا يقتصر حسن أدائها على حزب واحد وقد أثبتنا بالأدلة ما قامت به وزارة التّربية عبر دراسة " مؤشّرات المؤامرة في المناهج العربيّة السّوريّة " التي كانت تُدرّس منذ بدء الأزمة ، وكانت مسايرة لها في مضمونها ، وهي المقدّمة لمجلس الوزراء ووزارة التّربية والجهات ذات الصّلة ، وقدّمت حلقات تلفزيونيّة عنها في الإعلام الرّسميّ السّوريّ ، ولابدّ من إعادة بناء وزارة التّربية من جديد وخلق نظام للتّعليم في سورية بما يحقّق الغايات المنشودة لإعادة بناء الفكر التّربويّ السّليم الذي يبتعد عن الدّعوة للثّورة والتّحريض الطّائفيّ كما حال المناهج المشار إليها ، أو أن يتغنّى بها وبالحرّيّة وبما يتحقّق من خلالهما على الأرض كما وجّهت المناهج التّربويّة ، كما ينبغي أن يتمّ التّركيز على العلم وحبّ الوطن والتّآخي وزرع القيم الإيجابيّة كالمحبّة والإيثار ... والبعد عن الإشارات الطّائفيّة التي تشير لها المناهج أيضاً ، وأن يُترَك الطّلّاب ولهم حرّيّة اختيار ما يرغبون من انتماء سياسيّ أو حزبيّ لمرحلة ما بعد التّعليم الثّانويّ كون الأهمّ بناء الفكر التّربويّ الإنسانيّ المعرفي المتوازن الذي لا يخلق مجالاً لنزاعات أو انقسامات سياسيّة أو طائفيّة أو عرقيّة أو مذهبيّة لترتقي التّربية لما يحمي الجيل النّاشئ والشّباب من الانحرافات السّلوكيّة .

ومن الأهمّيّة بمكان أيضاً الإشارة إلى ضرورة تغيير اسم المنظّمتين فالشّباب السّوري يهدف لبناء سورية وجيلها ، وأطفالها هم أطفال سورية الذين تُبنى الآمال عليهم في النّهضة العلميّة والمعرفيّة في سورية ، بحيث يكون لاحقاً الرّجل المناسب في المكان المناسب في أيّ موقع من الدّولة ، وأن تكون الأمور في نصابها الصّحيح بما يخدم سورية وتقدّمها وازدهارها بعيداً عن المشاحنات والبغضاء التي أسّست لها الأزمة ، وكم نحتاج من سنين لإعادة قيم المحبّة التي افتقدها الشّعب السّوريّ نتيجة تغلغل الأحقاد والإرهاب في بنائه الذّاتي والشّخصيّ أو النّفسيّ وبناء فكره الجمعيّ أو الفرديّ .

ويحقّ لنا أن نتساءل : ما الدّور القادم لمنظّمتَي طلائع البعث واتّحاد شبيبة الثّورة ؟ وما أثرهما في سوريا الجديدة ؟ وما النّتائج التي ينتظرها أبناء سوريا منهما ؟.

فقد أُنشئِت المنظّمتان من أجل تربية حسنة تؤدّي لتماسك الوطن وحمايته ، وسعتا لتحقيق أهداف عقائديّة ، ولكنّ الأزمة التي عصفت في سورية كانت قد وضعت تلك المنظّمتين على المحكّ ، وأظهرت أنهما لم تقوما بدورهما المفترض القيام به ، نتيجة تقصير متعمّد أو غير متعمد من القائمين عليهما ، وقد لوحظ أنّ أغلب الذين كانوا قد خرجوا للتّظاهر في بداية الأزمة هم من جيل الشّباب وخصوصاً في المرحلة العمريّة التي كان ينبغي أن يكونوا فيها ضمن اتّحاد شبيبة الثّورة ، ولكنّ الدّور كان سلبيّاً ، فلم نجد أيّة حالة للتّوعية في المدارس وغير ذلك إن كان للأطفال من منظّمة طلائع البعث أو في ثانويّات ضمن مجال اتّحاد شبيبة الثّورة ، وبذلك كانت تلك المنظّمتان قد أثبتتا فشلهما في تحقيق الأهداف والأعمال المنوط بهما للقيام بدورهما ، ولماذا تمّت تلك المصاريف عليهما طوال السّنين السّابقة ، وأين ذهبت ؟ وما الفائدة التي تحقّقت إذا لم تستطع المنظّمتان القيام بدورهما الفاعل ضمن الأزمة ؟! ولماذا انكفأتا إذا كان دورهما في التّربية ؟! .

ومن هنا لابدّ في مرحلة ما بعد الأزمة من العمل على ضرورة إبعاد الأطفال عن أيّ فرز سياسيّ أو حزبيّ قبل بلوغ الطّالب عمره الثّامن عشر ، ليكون مسؤولاً عن اختياره وانتمائه السّياسيّ ، علماً أنّ العملية الانتخابيّة التي أقرّها الدّستور تكون عندما يتمّ الشّخص السّنة الثّامنة عشرة ، ولا يُسمح له قبل ذلك ، وبالتّالي فإنّ الوعي السّياسيّ يبدأ من عمر ثمانية عشر ، وتعدّ مخالفة دستورية لفرض الاتّجاه السّياسيّ للطّالب قبلها ، وأن تتمّ التّربية في سورية على أساس التّعدّدية السّياسيّة لصياغة

أهداف تربويّة وتعليميّة تكون منسجمة مع الغايات التي تحقّق التّعدّدية السّياسيّة والمواطنة والانتماء للوطن ، فسورية لكلّ أبنائها ، ولماذا يتمّ فرض اتّجاه سياسيّ واحد بما أنّ الدّستور أقرّ التّعدّدية السّياسيّة ؟!.

ولابدّ أن تأخذ تلك الأحزاب دورها في بناء سورية ، ولابدّ أن تُبنى سورية والمنظّمتان على أساس نبذ العنف والإقصاء والطّائفيّة لتحقيق الغاية الأسمى في بناء الوطن والانتماء دون أي تأسيس في التّعليم للانتماء السّياسيّ ليكون الجيل وطنيّاً يعشق وطنه وليس مسيّساً وبعيداً عن أيّ نوع من أنواع التّقسيم ، ولابدّ تَبَعاً لذلك من إعادة بناء هيكليّة وزارة التّربية بما يحقّق الغاية المنشودة في تماسك الوطن ، فعندما يكون حزب واحد يعمل لها ويحدّد إطار عملها فلن يؤدّي إلى إطار عمل بتعدّد سياسيّ ، وهنا يتبادر للأذهان السّؤال الآتي :

لماذا يكون تكليف التّوجيه في المدارس أو المدير أو معاونه من حزب واحد للعمل في التّربية ؟ وما دور الموجّه وفق التّوصيف الوظيفيّ والعمل المكلّف به ؟! .

التّوجيه في المدارس يكون لتوجيه الطّلّاب بالفكر والرّؤى نحو حزب واحد ، ومن هذا المنطلق : يستوجب التّغيير لإضفاء صفة التّعدّدية السّياسيّة والعمل الوطنيّ المشترك وليس الاقتصار على فئة حزبيّة واحدة ، يكون همّها إقصاء سواها والاستئثار ، لذلك ينبغي الابتعاد عن تسييس الطّلّاب والاهتمام بالعلم والتّفرغ لتلقّي العلوم ، ولابد أن تعمل الدّولة على الاهتمام بالأوائل المتفوّقين من الطّلّاب بعيداً عن النّظرة السّياسيّة وارتباطهم بأيّ حزب كون الغاية العلم والتّفوّق العلميّ ، وليس التّفوّق في المجال السّياسيّ أو العسكريّ في التّربيّة ... وأن تسعى لإعادة صياغة المناهج التي دُرّست وتدعو للثّورة وبناء تفكير ثوريّ من عام ٢٠١١م ، وحتّى المناهج التي أعيد العمل الآن لتأليفها ، فيها تحريض طائفيّ أيضاً ولابدّ من تغييرها ليشملها التّغيير الحقيقي بما يساهم في خلق الوحدة الوطنيّة والمحبّة والمواطنة وتعلّق الإنسان بوطنه بغض النّظر عن انتمائه السّياسيّ ، كون الأزمة أظهرت واقع عمل ، وبيّنت نتائج سنين مضت لعمل المنظّمتين دون تحقيق الفائدة والأهداف لهما مع أوّل هزّة سياسيّة كان لها ارتدادها على مساحة الوطن في مختلف النّواحي السّياسيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة والاقتصاديّة ، ممّا جعل الوطن بعيداً عن التّماسك والتآخي والعدالة نتيجة انتشار الإرهاب والفساد وعدم المساءلة والمحاسبة ﻷحد ، وهي من أدوات تطوير سورية وتحديثها قبل الأزمة ، ولم تتم لأيّ أحد حتّى الانتهاء من حالة الإرهاب التي مرّت في سورية أثناء الأزمة .

ويبقى سؤال :

لماذا كانت المنظّمتان السابقتان لا تخضعان للجبهة الوطنيّة التّقدميّة وهي أعلى سلطة سياسيّة حاكمة في سورية منذ أيّام الحركة التّصحيحيّة ؟ وأين هما الآن وباقي المنظّمات النّقابية في سورية الجديدة من الدّستور وقانون الأحزاب ؟! وما المادة الدّستورية التي خوّلت المنظّمتان العمل في التّربية حاليّاً استناداً لذلك ؟!.

ومن هنا برأيي : تكون بداية الحلّ بأن يشتمل قانون الأحزاب على آلية تشكيل المنظّمات والنّقابات في سورية وفق التّعدّدية السّياسيّة ، وقد أشرت لذلك في مقالات عدّة سابقة بتاريخ 21/3/2018 و25/3/2018 م بعنوان : " ما الدّور الذي تقوم به منظّمة طلائع البعث واتّحاد شبيبة الثّورة في الأزمة ؟ وما الدّور القادم لهما ؟ وما أثرهما في سوريا الجديدة ؟ وما النّتائج التي ينتظرها أبناء سوريا منهما ؟ " و " ما العلاقة بين منظّمة طلائع البعث واتّحاد شبيبة الثّورة في وزارة التّربية ؟ وماذا ينتظر أبناء سوريا منهما ؟ " .

وسنتابع في الجزء السّابع من البحث ما أشرت إليه في الجزء الحالي المتعلّق بضرورة فصل منظّمتي اتّحاد شبيبة الثّورة وطلائع البعث عن التّربية ضمن التّقسيمات التّربويّة في وزارة التّربية وتغيير اسمهما لتغدو الأولى باسم شباب سورية والثّانية أطفال سورية ، فكونوا معنا ..

بقلم الباحث والمحلّل السّيّاسيّ : نبيل أحمد صافية

وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية