كتب جورج حدادين,,
بعد هزيمة حزيران 67 ، وبروز المقاومة الفلسطينية في الأردن، بعد معركة الكرامة، انصهرت الأحزاب الأردنية في المقاومة، ما ترتب على هذا الانصهار من تخلّي هذه الأحزاب عن برامجها الوطنية وعن استقلال المنظمات الشعبية، أكان ذلك عن وعي أو بدون وعي، أكان ذلك ردّت فعل عاطفية أم خطأ في التحليل الاستراتيجي، وبالتالي أدى هذا الانصهار الى غياب الحامل الإجتماعي لمشروع النضال الوطني على الصعيد الأردني.
لم تدرك هذه الأحزاب، في ذلك الوقت، أن أهم دعم لنضال الشعب الفلسطيني، كان وما زال إنجاز مهمات التحرر الوطني والاجتماعي على الصعيد الوطني، حيث حقيقية أن حماية الخاصرة الشرقية لفلسطين المحتلة تشكّل ضمانة إنجاز مهمات نضال الشعب الفلسطيني.
الحزب هو إطار يمثل مصالح شريحة إجتماعية أو طبقة ويعمل على إنجاز مشروعها الاقتصادي الإجتماعي،
تنقسم الأحزاب الى قسمين:
أحزاب برجوازية تمثل الطبقة الرأسمالية وأتباعها البرجوازية المتوسطة والصغيرة
أحزاب ثورية تمثل مصالح الطبقة العاملة والفلاحين ومصالح المهمشين والمعذبين والمضطهدين
ظهرت الأحزاب السياسية الى الوجود، بداية المرحلة الرأسمالية، ومع تنامي الصراع الطبقي داخل هذه المجتمعات الحديثة ، حيث بنت كل طبقة وكل شريحة حزبها الخاص، وتوافقت الطبقة الرأسمالية وأتباعها من البرجوازية المتوسطة والصغيرة، على إدارة المنافسة فيما بينها بالطرق السلمية ، وعبر التبادل السلمي للسلطة فيما بينها، من خلال صناديق الإنتخاب، نموذج يضمن بقاء سلطتها على باقي الشرائح وخصوصاً الطبقة العاملة،
في المقابل بنت الطبقة العاملة بالتحالف مع الفلاحين، حزبها الثوري الذي يسعى الى تحرير المجتمع بكله من ظلم واضطهاد واستغلال الطبقة الرأسمالية الحاكمة، وعبر الفعل الثوري.
معضلة الأحزاب في دول المحيط التابع، أن تشكلها لم يأتي انعكاس الفرز الطبقي في المجتمع ، بل في سياق مجتمع ما قبل الدولة الحديثة، مجتمع مكونات قبلية عشائرية طائفية جهوية أثنية، وما زالت في معظم الدول العربية كذلك، حيث المادة البشرية التي شكلت الأحزاب، ولا تعبير عن معطيات وحقائق المجتمع القائم بالفعل وفي الواقع،
الأحزاب ،بشقيها الاصلاحي والثوري، هي في الغالب من أبناء البرجوازية المتوسطة والصغيرة، وأقلية ضيئلة من أبناء الكادحين.
معضلة هذه الأحزاب تكمن في بنيتها، التي هي انعكاس للواقع الاجتماعي المفوت، حيث لم تتمكن هذه الاحزاب من صياغة مشروع تحرر وطني واجتماعي، نابع من الواقع القائم، ومن معطيات موضوعية، مشروع يشكل لاصق للحامل الاجتماعي لمشروع التحرر الوطني - الاجتماعي، لا بل تم استيراد ايدولوجيا ونماذج من خارج الواقع، أسقطت عليه، هذا لايعني أن الحركات الثورية لا يجب أن تستفيد من تجارب الشعوب الأخرى، بل نقصد عدم استنساخ تجربة أخرى وأسقاطها على الواقع،
أصرت زعامات الثورات الناجحة عبر العصور، أن تستفيد من التجربة نعم أن تنسخ التجربة فلا.
مرحلة النهوض الثوري، حركات التحرر الوطني، في الدول المستعمرة وشبه المستعمرة العربية ، جاءت في سياق الثورة الاشتراكية، بعد انتصار الثورة البلشفية في روسيا، واعتمدت معظم هذه الأحزاب النموذج السوفيتي ، دون الاجتهاد في موائمته مع واقع المجتمع، ومن هنا نستطيع أن نفهم لماذا لم تحقق هذه الحركات الاستقلال الناجز لدولها، لا بل مع كل هزيمة تعرضت لها تحولت تدريجياً ألى قوة تابعة للمركز الرأسمالي المنتصر عليها.
لم تنجح هذه الاحزاب من بناء جبهة وطنية حقيقية، بل كان دائماً هناك حزباً مهيمناً في السلطة، يقبض بقوة على سلطة القرار، لا يسمح بمسشاركة حقيقية للأحزاب المشاركة معه في الجبهة، ولم تسمح أحزاب السلطة في الواقع من بناء مؤسسات شعبية مستقلة عن مصالحه الذاتية، فكانت هذه المؤسسات تخضع بالكامل لسلطة حزب الدولة، وتخدم مصالح الحزب الحاكم وليس مصالحهم الوطنية الخاصة،
النتيجة لم تتح الفرصة للشرائح الاجتماعية لبناء مؤسساتها الشعبية المستقلة، مؤسسات تحمل مشروعها الذاتي الخاص، المنسجم مع المشروع الوطني العام، ولم تتح بنية مؤسسات الدولة أنتقالها الى مؤسسات وطنية، ولا سمح للمؤسسات الشعبية من تشكيل أطر للعمل الوطني المؤسسي المستقل خارج هيمنة الحزب الحاكم.
يتبع