جورج حدادين
اثبتت " الحرب الناعمة " جدواها في تحقيق أهداف الطغمة المالية العالمية، أكثر ألف مرةٍ من " الحروب الخشنة " ( العسكرية ) خلال العقود القليلة الماضية.
• إنهيار الاتحاد السوفيتي العملاق ومعه المعسكر الإشتراكي، نهاية القرن الماضي، دون إطلاق رصاصة واحدة، وتفكيك حلف وارسو.
• سقوط دمشق، قلب العروبة، بشكلٍ ناعمٍ، دون إطلاق رصاصة واحدة، خسارة فادحة ومحققة للعرب والعروبة.
• خسارة روسيا نقاط وازنة في معركتها مع الناتو، في منطقة محورية، في قلب العالم، حيث ستخرج قواتها وأساطيلها من البحر الأبيض المتوسط، كما سيتم إنفاذ خط الغاز المسال من قطر الى السعودية الى سوريا اليوم الى تركيا فأوروبا، والذي كان سبباً في إسقاط دمشق، نتيجة رفضها لهذا المشروع، وسيضعف روسيا إقتصادياً ، بفرض حصار حديدي على صادراتها النفطية والغازية الى السوق الأوروبية.
• خسارة الصين مشروعها الإستراتيجي، الطريق والحزام، بالمقابل سينجح الناتو، في تحقيق خط الهند الخليج الأردن الكيان، وخط داود، الكيان تركيا أوروبا المكمل لخط الهند.
سقوط دمشق الناعم، خسارة اقتصادية للصين وروسيا، كما أنه خسارة كبيرة لهما في معركة تعدد الأقطاب مع المركز الرأسمالي العالمي.
في المقابل يشكل سقوط دمشق الناعم، طعنة نجلاء لقلب العروبة، وسهم قاتل للنظام الرسمي العربي، المستسلم للهراوة العثمانية الجديدة، وسلاح الجو الفاشي التوراتي، لمن يعي هذه الحقيقية ومن لا يعي.
فرض المشروع الإبراهيمي من قبل النظام الغربي على النظام الرسمي العربي، احد اشكال الحرب الناعمة، ومن المفارقة أن بعض الأصوات العربية، ونتيجة الرعب، ترتفع لتطالب ترامب الرئيس المنتخب، بالسير في هذا المشروع، الذي هو في صالح الأخ الأكبر، الكيان الفاشي التوراتي، الى هذه الدرجة من الإنبطاح والرعب الذي يهز ركب النظام الرسمي العربي، وصل الأمر.
في الحرب الناعمة يحصل النظام الغربي على كافة مطالبه، ويخضع النظام الرسمي العربي الذليل والمستسلم، حيث يعجز من الحصول عليها بالحرب الخشنة، وخير دليل على ذلك،
الحرب على غزة، حيث لم يحقق الكيان الفاشي التوراتي أي من مطالبه، ولا تزال المقاومة الفلسطينية شامخة ومرفوعة الرأس في تصديها لهذه الهجمة الفاشية، وتكبد العدو خسائر بشرية ومادية وأخلاقية فادحة، هجمة تستهدف محو الهوية الوطنية الفلسطينية، عبر جعل البيئه الفلسطينية في القطاع والضفة، غير ملائمة لحياة البشر والحيوانات والنباتات، الهدف النهائي التهجير القسري.
وما زال حزب الله يقاوم وبقوة الهجمة العسكرية والهجمة السياسية، التي تهدف الى إنفاذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، الأخ الأكبر، من البوابة اللبنانية، ولم تستطع الهجمة الفاشية التوراتية، من تحقيق أهداف الطغمة المالية، على صعيد الساحة اللبنانية، ولم يتمكن الكيان من إعادة مهجريه الى المناطق التي هربوا منها في الشمال وكذلك مناطق الجنوب، ولم يتمكن من القضاء على حزب الله، ولم يتمكن من فك إلتفاف الجمهور اللبناني ولا العربي حول حزب الله والمقاومة اللبنانية،
المهم لم تستطع القيادة الفاشية من إقناع " المجتمع الصهيوني " بانتصارها.
وما زالت صواريخ اليمن تدك عمق الكيان، وتستهدف الأساطيل الغربية في البحر الأحمر وبحر العرب، مما أجبرها على الهروب، وما زال ميناء أم الرشراش ( إيلات ) مغلقاً الى يومنا هذا.
وما زال الصراع يحتدم في الساحة العراقية بين أتباع الغرب من طرف والمقاومين من طرف أخر.
الخطورة الحقيقية تكمن في الحرب الناعمة التي تشن على أمتنا العربية، قد تنجح في بعض المواقع، ولكنها في النهاية ستفشل مؤكداً.
تنجح الحرب الناعمة، لوقت محدد في تزييف وعي الكثير من العوام، وتجعل التركيز على سجن صيدنايا وسجن عدرا، هدفاً سامياً، لوصم النظام السابق بممارسة القمع، والقمع فقط، وترفعه شعاراً مقدساً ، كشعار معادات السامية في الغرب، ووصم كل من يعادي ممارسات الكيان الصهيوني، بمن فيهم يهود، بالمعادين للسامية، وتفرض عليهم عقوبات مادية ومعنوية، في الوقت الذي تمنع الحديث عن فاشية قوى الإسلام السياسي، التي مارست وما زالت تمارس، قطع الرؤوس وأكل الأكباد وسبي النساء وبيعهن في سوق النخاسة، وتشجيع جهاد النكاح، ممارسات قذرة ومقززة، ما تزال قائمة ألى اليوم والآن، في سوريا.
كما ويتم التعمية على حقائق قائمة على أرض الواقع، لا يستطيع إنكارها أين كان،
النظام السوري السابق، هو النظام الوحيد في العالم الثالث، الذي لم يكن مداناً للبنك الدولي ولا للمؤسسات المالية الغربية، قبل الحرب عليها وفيها منذ عام 2011
النظام الوحيد الذي حقق الإكتفاء الذاتي لمجتمعه، والوحيد الذي حافظ على مجانية التعليم والصحة للجميع، الفقراء والأغنياء
النظام الذي لم يرضخ للإملاءات الأمريكية، لا بالعصا ولا بالجزرة، بعد الغزوة الثانية للعراق، في حين أنبطح النظام الرسمي العربي بعمومه، تحت أقدام الغرب وتحت أقدام الفاشية التوراتية.
النظام الذي حافظ على قراره المستقل الى أخر لحظة، ورفض الضغوطات الروسية والإيرانية للجلوس مع أوردغان والقبول بإملاءاته.
قد تنجح الحرب الناعمة في تضليل الرأي العام " العربي " للقبول بإحتلال وضم شمال سوريا الى الخلافة العثمانية الجديدة بأسم الأسلام.
وقد تنجح الحرب الناعمة في قبول النظام الرسمي العربي بإحتلال الكيان لأرض جنوب سوريا بأسم التوراه والحل الإبراهيمي
قد تنجح الحرب الناعمة في تعمية السوريين والعرب، أنياً، عن رؤية ممارسات الفاشية التوراتية في تدمير البنى التحتية العسكرية والمدنية، في ظل صمتٍ مطبقٍ، منما يسمى القيادة الجديدة لسوريا،
لا بل ترفع هذه المجاميع الأسلاموية شعار تحرير سوريا من " الروافض " إيران وحزب الله، أي تحرير سوريا من محور المقاومة، وتغض الطرف عن إحتلالات الكيان لجنوب سوريا، لا بل سوف تتبنى المشروع الإبراهيمي والأخ الأكبر قريباً كما تدل كافة المؤشرات والممارسات على أرض الواقع.
الحرب الجارية، اليوم على سوريا، تستهدف الهوية العروبية الجامعة، وستمتد غداً الى بقية محور المقاومة،
مشروع الشرق الأوسط الجديد يهدف الى تفكيك الدول وتفتيت المجتمعات العربية، على يد المجاميع الأسلاموية واللبرالية الجديدة.
لن تيأس ولن تستسلم ولن تحبط شعوبنا العربية، فمن المحن تنشأ الفرص، ولربما تصبح الطريق معبدة للتخلص من هذا النظام العربي الرسمي المنبطح والمستسلم للضغوط، هذا الجاثم على صدور أمتنا ردحاً من الزمن،
ولبرما تصبح الأمور أفضل وشروط نجاح إنفاذ متلازمة التحرر الوطني والتحرر الإجتماعي ناضجة أكثر:
لأن الغد سيظهر بشكل واضح تداعيات هذه الحرب على سوريا
وغداً ستزداد سوريا تمزقاً وستزداد الإحتلالات لأراضيها، ويزداد مستوى الدوس على الكرامة الوطنية لهذا الشعب,
الجواب على هذه الحالة يتطلب:
• إعادة بناء حركة التحرر الوطني العربي، في سياق مهمات المرحلة المتمثلة في:
كسر التبعية للطغمة المالية العالمية وكسر أنبطاح النظام الرسمي العربي تحت أقدام الفاشية التوراتية والعثمانية الجديدة.
تحرير الإرادة السياسية لهذه الأمة
تحرير الثروات والمقدرا الوطنية الكامنة تحت سطح هذه الأرض وفوقها
صياغة خطط تنمية حقيقية ومنتجة متكاملة ، على الصعيد الوطني، وعلى صعيد الأمة
بناء دولة الأمة الواحدة، بهويتها العروبية.
فغدنا أجمل من يومنا وأمسنا لا محالة
" كلكم للوطن والوطن لكم"
لا تغمسوا خبزكم في دم أبناءكم
لا تتنازلوا عن هويتكم العروبية فهي مقتل لكم، ولأنها تنازل عن ثرواتكم، ثروات الأجيال القادمة