رؤى وفِكَرٌ تطويريّة لعمل الجبهة الوطنيّة التّقدميّة في سورية (15)\ نبيل أحمد صافية
مقالات
رؤى وفِكَرٌ تطويريّة لعمل الجبهة الوطنيّة التّقدميّة في سورية (15)\ نبيل أحمد صافية
نبيل أحمد صافية
11 نيسان 2022 , 20:27 م


كنت قد أنهيتُ الجزء السّابق من البحث بالإشارة لما يأمله الشّعب العربيّ السّوريّ من السّيّد الرّئيس وسأفرد الجزء الحالي لموضوع الغاز ليكون مثالاً عن الواقع السّوريّ وما يمثّله من معاناة الشّعب العربيّ السّوريّ وفق ما يرد في تصريحات السّادة المسؤولين السّوريين عبر مطالبة من الشّعب تتمثّل في تغيير السّياسات الحكوميّة التي أسهمت سابقاً في كثير من الحالات بخلق الأزمات المختلفة للشّعب العربيّ السّوريّ ، وتلك الأزمات ينفيها الوزراء ويثبتها السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد كما كانت حال أزمة الغاز التي سأفرد لها الجزء الحالي .

ولعلّ الأزمة التي عصفت في سورية منذ سنوات خلَت ، قد تركت بصمتها وأرخت بظلالها في نواحي الحياة ، فكان لها أثرها السّلبيّ وخصوصاً في النّاحية الاقتصاديّة والاجتماعيّة ، ممّا أثّر في ازدياد حالات الفقر لدى عامة النّاس ، والفقراء الذين يعيشون تحت خطّ الفقر ، هم أكثر بكثير ممّا كانت عليه الحال قبل الأزمة ، كما زاد عدد الأغنياء ، وتباينت الآراء واختلفت في النّظرة للأزمة ، فالمنتفعون لا يريدون لها أن تنتهي ، والفقراء يتمنّون زوالها ، كي يشعروا بكيانهم الذي تمّ سحقه على يد مجموعة من المنتفعين المستغلّين ، وحكومات تدّعي أنّها تشعر بهمّ المواطن ، وتعمل على الارتقاء بمعيشته ، وهي في الواقع بعيدة كلّ البعد عن همومه وتطلّعاته وما يحمله من مآسٍ ، بل إنّ الحقيقة التي لا يرقى الشّكّ إليها : إنّ الحكومة الحاليّة والسابقة هي سبب فقر الشّعب العربيّ السّوريّ ، وهي التي تزيد حالات سوء المعيشة لفقدان الاستراتيجيّات الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي يمكن من خلالها تلافي حالات التّردّي الاجتماعيّ والاقتصاديّ التي تعصف في سورية . ولعلّ من الملاحظ أيضاً أنّ السّادة المسؤولين في سورية يدّعون بعد كلّ تصريح لهم أنّ ما ذكروه كان من ذلّات اللسان إذا وجودوا في ذلك التّصريح أمراً مؤلماً للشّعب العربيّ السوريّ _ وهذا كثير في سورية _ ولكن على الحكومات الاهتمام بذلك الشّعب الذي يتضوّر جوعاً ، فيموت نتيجة قرارات جائرة غير مدروسة بما يخدمه _ بل العكس هو الصّحيح _ القرارات مدروسة للإسهام بعدم خدمة المواطن لتهجيره وخنقه تجويعاً ، وتقدّمها حكومة تفعل عكس ما تقول وما لا يرتضيه شعبها ، وجاءت تصريحات بعض السّادة الوزراء والمسؤولين عموماً ومنهم شخصيّات تتحدّث باسم الشّعب لتخالف وتناقض ما قاله السّيّد الرّئيس ، وبعضهم نفى ما أكّده أيضاً السّيّد الرئيس حول أزمة الغاز والمازوت .... ، ولعلّ من الأهمّيّة أن أشير إلى كلمة السّيّد الرّئيس أمام السّادة رؤوساء مجالس المدن والبلديّات بتاريخ 17/2/2019م ، وجاء فيها قوله :

" إنّ التّقصير الأكبر فيما حصل مؤخّراً ، وخاصةً في موضوع الغاز ، هو عدم شفافية المؤسّسات المعنية مع المواطنين ، لأنّني لو طلبت من المواطن أن يبني حواراً على المعلومات ، ويكون موضوعيّاً في النّقد ، فسيقول : كيف أتحدّث بشكل موضوعيّ وأنا لا توجد لديّ معلومات ؟ كيف أواجه المعلومات الكاذبة لا توجد لديّ المعلومات الصّحيحة ؟ ، هذا كان تقصيراً واضحاً تمّ توجيه الحكومة ، وتمّ الحديث بهذا الموضوع أمام مجلس الشّعب من قبل المعنيين ، وتمّ التّأكيد أن يكون هناك شفافية كاملة مع المواطنين لكي نحدّد أين يكون التّقصير ، وكيف نتعامل مع كلّ مشكلة ".

فهذا القول يجعلنا نتوقّف مليّاً أمام كلّ ما كان يُقال من الحكومة ، والتي جاء بعضها على لسان السّيّد وزير المالية السّابق ، فقال بتاريخ 29/1/ 2019 :

" لا توجد أزمات غاز ولا مازوت ولا خبز ولا كهرباء ، والأزمات صنعتها وسائل التّواصل الاجتماعيّ التي تُدار من الخارج " .

وكذلك الحال فإنّ رئيس مجلس الشّعب الحالي قد ذكر أيضاً :

" إنّ الحصار الاقتصاديّ المفروض على سورية سبب أزمة الطّاقة " ، واتّهم فيسبوك بتأجيج الأزمة الموجودة وفق ما أوردته صحيفة الوطن ، ويحقّ لنا أن نتساءل الآن : ماذا يعني اعتذار رئيس حكومة من الشّعب العربيّ السّوريّ عن الواقع الخدميّ السّيّء رغم أنّه وعد بتحسين مستوى المعيشة في افتتاح أعمال مجلس الشّعب لدورته العادية التّاسعة للدّور التّشريعيّ الثّاني ، ولم يكن هذا الوعد جديداً ، فمنذ الأيّام الأولى للتّكليف بتشكيل الحكومة وعد ، ولكنّ الوعود لم تكن سوى وعودٍ ، ولم يجد المواطن ما يلمسه من تحسّن على الأرض ، والوعود ليست سوى ذرّ الرّماد في العيون ، ولماذا تمّ الاعتذار ؟! ألا يمثّل إقراراً بتقصير الحكومة ، وهذا ما أشار إليه السّيّد الرّئيس في خطابه أمام السّادة رؤوساء مجالس المدن والبلديّات .

وكان التّفاوت واضحاً في سورية بين منطقة وأخرى في توزيع الغاز والمازوت والكهرباء تحت حجج وذرائعَ مختلفة ، حتّى إنّ بعض المسؤولين لم يقرّ بوجود أزمة لولا أنّ السّيّد الرّئيس قد أكّدها بتاريخ 17/2/2019م وأكّد وجود تقصير من الحكومة وعدم وجود شفافية المؤسّسات المعنية مع المواطن ، فأين الحكومة وسواها في سورية من هذه الكلمات إذا كانت تقدّم معلومات غير صحيحة ، ولا توجد لديها معلومات صحيحة _ وفق ما ذكرته قبلاً _ ؟! ألا يجدر بتلك الحكومة الرّحيل لإيجاد مكان لحكومة أخرى بديلة تُعنى بمعيشة المواطن وتلتمس حلولاً لمشكلاته وأزماته التي كانت الحكومة الحالية والسّابقة هي السّبب في الأزمات الدّاخليّة المعيشيّة ، وإذا كان أحد المسؤولين ينفي وجود أزمات لدى الشّعب العربيّ السّوريّ علناً ، ويدّعي عدم وجود أزمة ليأتي السّيّد الرّئيس ويقرّها ، ألا تخفي تلك الحالةُ حالةً من الادّعاءات لدى هذا المسؤول في كلّ ما يقوم به _كحال وزير الماليّة السّابق _ وهو الذي سبق أن أكّد عدم وجود إنسان جائع في سورية أو شعب جائع فيها ، وإلى متى ستبقى الأزمة خانقة على الشّعب العربيّ السّوريّ وأزماته الدّاخليّة إلى أين ستوصله ؟!، وأين الدّولة من الليرة السّوريّة التي يتسارع انهيارها منذ فترة _ بما أنّ الحكومة غائبة عن السّاحة _ وربّما تكون الحكومة هي السّبب فيما حدث من انهيارات متسارعة ، ذلك أنّ الواقع الذي يفرض ذاته في الاقتصاد السّوريّ حاليّاً قد يكون سببه الأساسيّ ضعف الأداء الحكوميّ من رئيس الحكومة ووزرائه المعنيين ، ومن يعمل في دائرتهم ويحرّكهم ، إضافة إلى عوامل وأسباب متعدّدة تكاد تكون الحكومة مسؤولة عنها ، رغم وجود بعض الأسباب الأخرى الخارجة عن إرادة الحكومة ، فأين وزارات الاقتصاد والتّجارة الدّاخليّة والماليّة ودورها في رسم السّياسات الاقتصاديّة ؟ وهل خلا البنك المركزيّ من النقد الأجنبيّ والذّهب ؟ وأين أصحاب الكفاءات والمؤهّلات والخبرات ممّا يحدث في سورية ؟ وهل خلت سورية منهم أو أنّ ما يحدث مخطّط له ويتمّ عن سبق إصرار وتصميم من الحكومات السّوريّة ؟! وما الحلول البديلة التي وضعتها الحكومة بعد خروج النّفط عن سيطرتها على يد الإرهابيين ؟! .

وماذا يعني قول السّيّد رئيس الحكومة السّابق : " إنّ مَن يقود الاقتصاد السّوريّ هو القطاع الخاص لا العام " ، كما سبق أن أشرت إلى تعريف القانون الجنائيّ الدَّوْليّ للإرهاب ، وسؤالي الذي سبق أن طرحته أيضاً :

بمَ تختلف حكومة الجمهوريّة العربيّة السّوريّة عمّا يقوم به الإرهابيون الذين قتلوا الشّعب العربيّ السّوريّ بالنّار فجاءت الحكومة لتقتل ما تبقّى من ذلك الشّعب بغلاء الأسعار وضعف الأداء ؟!.

وإذا كان التّجار يقومون بتلك الممارسات فحريّ بالحكومة الاستقالة ، لأنّها عاجزة عن تأمين أبسط مقوّمات الحياة الكريمة للشّعب ، وهي المؤتمنة عليه لتأمين احتياجاته ومتطلّبات حياته ، وتمّت مناقشتها أو مساءلتها مراراً أتحت قبّة مجلس الشّعب ، وهو السّلطة المكمّلة لعمل الحكومة وليس المحاسب لها في سورية _ رغم أنّ سلطة مجلس الشّعب أقوى شكلاً وأعلى دستوريّاً _ فأين الحساب الحقيقيّ والمساءلة الواقعيّة لا الشّكليّة أو الإعلاميّة ، وقد خرجت الحكومة دون أن تضع حلولاً حقيقيّة لما يعانيه المجتمع العربيّ السّوريّ والمواطن من أزمات ومعاناة ، وكأنّهم في رحلة استجمام تحت قبّة المجلس ، بعد أن تمّ الاكتفاء بالخطاب الإنشائيّ والادّعاء بفتح ملفّات الفساد والعمل على ضبط سعر الصّرف ، واستفاض السّيّد رئيس الحكومة بالإشارة إلى الكورونا وتجاهل آليّات الحدّ من انهيار العملة السّوريّة وتدهورها وما أشار إليه السّادة أعضاء مجلس الشّعب عن معاناة المواطنين أو الشّعب العربيّ السّوريّ من الغلاء وتأمين الغذاء والدّواء وغيره ؟!، وماذا فعلت تلك الحكومة لمواجهة قانون سيزر كي تحمي الشّعب العربيّ السّوريّ من مفاعيله ؟!، والغريب اللافت في الحكومة وأعمالها أنّها رفضت اجتماعاً في مطلع العام الماضي تحت قبّة المجلس لبحث أزمة الطّاقة وتحديد المسؤوليات ، وتمّ الاعتذار بحجّة أنّ " الحكومة اجتمعت كثيراً حول الأمر " كما ذكر السّيّد عبد الله عبد الله وزير الدّولة لشؤون مجلس الشّعب ، ولم يقم المجلس بحجب الثّقة أو غير ذلك ، وقد يكون مجلس الوزراء هو المتحكّم في تسيير أمور مجلس الشّعب ، وغالب أعضاء مجلس الشّعب من اتّجاه سياسيّ يحقّق الأغلبيّة النّيابيّة قبل الانتخابات التّشريعيّة أيضاً .

وإذا كانت الحكومة تعطي التّجّار المال أو الدّولار بأسعارٍ تفضيليّةٍ تشجيعيّة لاستيراد المواد من الخارج بالدّولار ، ويسدّدون القروض بالعملة السّوريّة بأسعار تفضيليّةٍ أيضاً ، ليتمّ بيعها لصالات التّجزئة بأسعار _ كما يدّعون _ تشجيعيّة ، فهل تخلق تلك الحالة من المبيع للصّالات تنافساً مع التّجار ؟! ولماذا لا تقوم وزارة الاقتصاد بالاستيراد ؟ ولماذا كانت موجودة أساساً في ضوء ذلك الأمر بما تقوم به الحكومة ؟! ، فهل تشكّل مثل تلك الحالات فساداً ؟!، وما المعايير التي وُضِعَت تلك الوزارات بموجبها في عمل الحكومة وتشكيلها إن كانت وزارات الاقتصاد أو التّجارة الدّاخليّة أو الماليّة إذا كانت عاجزة عن تلبية احتياجات المواطنين ؟!.

ولعلّ من الأهمّيّة بمكان الإشارة إلى ما تمّ إعلانه من مصرف سورية المركزيّ سابقاً أنّه سيشتري العملة الأجنبيّة النّاجمة عن التّصدير ممّن يرغب من المصدّرين بالسّعر التّفضيليّ البالغ أثناء الإعلان سبعمئة ليرة للدّولار مضافاً إليه حوافز تشجيعيّة قدرها خمسة عشر بالمئة .

سنكون في الجزء القادم مع البحث في النّخب السّياسيّة والثّقافيّة والاقتصاديّة في سورية وأثرها لتفيد منها في الخلاص من الأزمة .. فأرجو المتابعة ..

بقلم الباحث والمحلّل السّيّاسيّ : نبيل أحمد صافية

وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية