سألت مراسلة فرنسا ٢٤ أحد الأوكرانيين الذين يرفضون الاحتلال الروسي عن عائلته...
قال لها أن أخوه الأصغر موجود في الجهة المقابلة يقاتل مع الجيش الروسي ضده...
الذي لا يعرف التركيبة السكانية لأوكرانيا قد لا يفهم هذا الأمر... أما الذي يعرف فإن هذه الإجابة طبيعية جداً...
في روسيا وأوكرانيا، يمكن الحديث عن شعب واحد في دولتين...
قد يكون فلاديمير بوتين بنى على ذلك...
عندما دخلت القوات الروسية إلى شبه جزيرة القرم سنة ٢٠١٤، رفض الجنرالات الأوكرانيون مقاتلة إخوانهم الروس...
الكل كان يعرف أن القرم كانت تتبع لروسيا منذ قرون... وحدها محاولة الحزب الشيوعي السوفياتي تقوية موقع أوكرانيا ضمن الاتحاد، هي ما جعلت القيادة تسلخ القرم عن روسيا الأم وتضمها إلى أوكرانيا...
كذلك فعلت مع مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك...
لم يعط أحد هذا الأمر أهمية كبيرة لأن كل الجمهوريات كانت تابعة لنفس البلد... الاتحاد السوفياتي...
لم يعط الروس كبير أهمية للأمر كما لم يعيروا اهتماماً إلى أن الذين حكموا هذا الاتحاد معظم الوقت لم يكونوا من القومية الروسية...
جوزيف ستالين كان من جورجيا...
نيكيتا خروتشيف، وليونيد بريجنيف وتشيرنينكو كانوا من أوكرانيا...
لم يكن أحد يعتقد أن الوقت سوف يحين حين يقوم رجل ساذج بسيط وضعيف الشخصية اسمه ميخائيل غورباتشوف بالسماح لمخمور بالوصول إلى سدة رئاسة الاتحاد الروسي...
في هيكل النظام، كان بوريس يلتسين تحت سلطة مجلس السوفيات الاعلى الذي يحكم كل الجمهوريات في نظام فيدرالي...
أعلن بوريس يلتسين استقلال روسيا عن الاتحاد في خطوة هي في كل المعاجم السياسية محاولة انفصالية...
في اميركا، حاربت الولايات الشمالية محاولة انفصال الولايات الجنوبية حتى خضوعها وفرضت وحدة البلاد بالحديد والنار...
تحكم فرنسا جزيرة كورسيكا بالقوة، بعد أن سمحت للمهاجرين الفرنسيين العائدين من الجزائر باستيطان الجزيرة والتحكم بأمرها... رغم أن لاهل الجزيرة لغتهم الخاصة الأقرب إلى الإيطالية منها إلى الفرنسية...
ما يحدث اليوم في أوكرانيا هو ذنب المخمور يلتسين والساذج الضعيف غورباتشوف...
عندما قام الحزب الشيوعي السوفياتي بضم القرم والمقاطعتين إلى أوكرانيا، كان الهدف تقوية روابط الاتحاد والتصدي للحركة النازية التي كان يقودها ستيبان بانديرا البولندي الأصل من مناطق غرب أوكرانيا حيث تعيش أقليات غير سلافية...
نعود إلى السؤال الأول،
هل أخطأ بوتين...؟
ما قامت به روسيا وما تقوم به اليوم هو تصحيح حقائق تاريخية تسبب بها بوريس يلتسين الذي قام بإعلان استقلال روسيا دون حتى استعادة كل أقاليمها...
حتى مدينة كييف، عاصمة القياصرة الروس لقرون، ما كان بالإمكان الاعتقاد أن النازيين استطاعوا فعلا السيطرة على كل مفاصلها...
أوكرانيا هي في الحقيقة ثلاثة أثلاث غير متجانسة...
الثلث الشرقي... روسي الهوى...
الثلث الغربي... خليط من رومان وهنغار وسلاف مع أغلبية بولونية...
الوسط حول كييف أغلبية سلافية مع أقليات من كل المناطق...
بعد أن رأى الاميركيون السهولة التي أخذ بها بوتين شبه جزيرة القرم سنة ٢٠١٤، بدأوا بتهيئة الأوضاع للحرب القادمة لا محالة... ليس لأن روسيا تريد الحرب، بل لأن العقل الأميركي الذي يعرف أن روسيا النووية سوف تظل شوكة في الحلق، لذلك لا بد من ضربها من خاصرتها الضعيفة، أوكرانيا...
حتى ايام الاتحاد السوفياتي، كان أتباع بانديرا من النازيين الجدد يعملون تحت الارض بمعاونة المخابرات المركزية الأمريكية لزعزعة النظام السوفياتي... ولم يتم ضرب هؤلاء رغم سطوة ستالين الحديدية وخليفته خروتشيف إلا سنة ١٩٥٥، أي بعد عشر سنوات من انتهاء الحرب العالمية الثانية...
هؤلاء النازيون كانوا طيلة الحرب يقاتلون مع زعيمهم بانديرا الى جانب القوات النازية الألمانية، وتاريخهم حافل بالمجازر ضد السلاف بشكل عام، وضد الروس بشكل خاص...
بعد أن استعاد بوتين القرم، عرف الاميركيون أن الخطوة التالية سوف تكون الدونباس، خاصة بسبب الاضطهاد الذي كان يعاني منه الأوكرانيون من أصول روسية، إلا ما ندر من الذين كانوا يتبعون نفس التفكير الفاشي العنصري الذي يكره كل من هو ليس أوروبياً...
أذكر أني في زيارة لمدينة لفوف (لفيف)، لم يعرف التاكسي العنوان الذي أريده، فأجابني قائلا، " سوف آخذك إلى أحد السود امثالك ليشرح لي العنوان رغم اني لبناني/ شامي حنطاوي ولا أعد حتى من السمر...
كان الكثيرون يعتقدون أن تنظيف أوكرانيا ليس أكثر من سابع أيار على الطريقة اللبنانية...
لكن الأميركيين الذين دربوا وسلحوا القوات اللبنانية لارتكاب مجزرة الطيونة تحت شعارات إشعال حرب أهلية لإضعاف حزب الله، عملوا أكثر بكثير في أوكرانيا...
يقال حتى أن ضباطا صهاينة واميركيين وغربيين ممن كان يدرب التكفيريين في بلادنا أشرفوا على تدريب الفاشيين والنازيين الأوكرانيين على حرب الشوارع وان السلاح الفردي المضاد للدبابات والطيران المنخفض كان يتدفق إلى أوكرانيا منذ سنوات من بريطانيا خاصة...
لا يمكن القول أن الروس لم يكونوا على علم...
لا يمكن القول أن الروس كانوا يعتقدون باستحالة تعاون النازيين مع رئيس ورئيس وزراء من اليهود...
أمس على الميادين، أظهر الإعلامي بيار ابو صعب العلاقة الوطيدة التي تجمع بين زعيم النازيين في أوكرانيا مع الصهيوني الفرنسي قائد الربيع العربي برنارد ليفي...
في العصر الحديث، اتحد الرأسمال الصهيوني مع الليبرالية المتوحشة الغربية لحكم العالم...
حتى داخل اميركا، لم يتأخر هؤلاء عن قمع وملاحقة وضرب المتظاهرين من حركة الانتفاضة على سلطة وول ستريت...
لو كان ما جرى في وول ستريت جرى في طهران أو موسكو، لكانت الBBC والCNN, وDW وفرنسا ٢٤... لكان كل هؤلاء طوشوا العالم بهذا القمع ضد الديمقراطية...
تماما كما حدث مع السترات الصفراء في فرنسا التي اعتبرها هذا الإعلام شغب، بينما اعتبر ضبط تظاهرة من اقل من خمسين شخص من أنصار نفالني في موسكو اعتداء على الحريات...
يقول أحد المحللين العسكريين أن بوتين خطط وهو ينفذ القضم المتدرج للمناطق...
يتقدم حيث تكون الأمور غير معقدة، ويحاصر من كل الجهات حيث يكون النازيون قد تمترسوا...
طبعاً، من يشاهد فرنسا ٢٤ أو الجزيرة يقول إن الفظائع ترتكب في ماريوبل، وإن المدينة شبه مدمرة بالكامل بسبب القصف الروسي الوحشي...
ثم ودون انتباه، ينقل عن السلطات في كييف أن عدد المدنيين القتلى قد وصل إلى حوالي ٤٠٠٠ آلاف، في نفس الوقت الذي تتحدث القنوات الغربية عن أكثر من ١٥٠٠٠ قتيل من الجيش الروسي...
مدن تقصف "بوحشية" ليل نهار خلال شهر، حسب هذا الإعلام الغربي... وعدد القتلى المدنيين حوالي أربعة آلاف!!!
والجيش الذي يقصف ويدمر من الجو والأرض والبحر، تزيده اعداد قتلاه عن ١٥٠٠٠...
حتى حسابات احمد سعيد لم تصل إلى هذه العبقرية الغوبلزية...
ليس من فراغ أن يتم اسكات الصوت الروسي في كل المجالات الإعلامية...
لكن هل سوف يغير هذا من الأمور بشيء...؟
من المؤكد أن لا...
بوتين الذي ضرب الشيشان لمنع الإنفصال، بدأ بضرب عسكري منظم، حتى إذا اضطر من أجل الحفاظ على وحدة الدولة، لجأ إلى قصف عنيف سجادي لغروزني انتهى بإنهاء كل جهود المخابرات المركزية الأمريكية في تلك المناطق وإعادة توحيد روسيا، مع حكم ذاتي يحترم الخصوصية الشيشانية، وهو ما يرفضه نازيو أوكرانيا بحق الأقلية الروسية...
يقول أحد المعلقين السياسيين أن الأميركيين سوف يحاربون روسيا في أوكرانيا حتى آخر أوكراني...
الأكيد أن بوتين لن يتراجع خاصة وأن شعبيته داخل روسيا في صعود...
إذا كان الاميركيون احتاجوا إلى حوالي شهر لإسقاط بغداد الضعيفة المحاصرة التي لا تصلها رصاصة من اي كان، فليس على بوتين الذي يواجه اميركا وحلف الاطلسي مع كلاب مسعورة يتقدمها البريطانيون والبولنديون، ليس على بوتين أي حرج أن استمرت المعارك شهرين وثلاثة أيضاً...
سوف نرى من سوف يصرخ قبل غيره، روسيا ام أوروبا...؟
أمس رفض المستشار الألماني شولتز أن يدفع بالروبل...
حسنا، سوف نرى...
ليتر زيت التدفئة الذي كان ب٧٩ سنتا قبل عدة اشهر، وصل سعره على الانترنت ليل أمس إلى ١.٨ يورو... أي ضعفين ونصف أكثر...
أمس خرج عاقل من الحزب الديموقراطي الاشتراكي الألماني على الشاشة وقال للحكومة أن بوتين لن يتراجع، وأنه كان يحب الاستماع الى منطق روسيا واحترام هواجسها الأمنية...
لا يتحدث الإعلام كثيرا عن المظاهرات الضخمة في اسبانيا التي ترفض غلاء أسعار الكهرباء...
وحدة القياس للغاز الآتي من روسيا تساوي في البورصة ١١٠، نفس وحدة القياس للغاز السائل الآتي من اميركا تساوي ٢٣٥... أي أكثر من الضعف...
تحدث أحد المتظاهرين الاسبان الذي قال إن فاتورة الكهرباء تضاعف سعرها ورفض القبول بهذا...
إذا كانت فرنسا قررت أن تستند إلى الطاقة النووية لأنها تستطيع دوما سرقة اليورانيوم بأسعار بخسة من النيجر... فمن أين سوف تسرق اميركا اليورانيوم بعد أن كانت تشتريه من موسكو...
أما حزب الخضر في المانيا الذي قام بتدمير المفاعلات النووية لأنه يريد طاقة نظيفة، فهل سوف يعود الى مناجم الفحم المقفلة أم سوف يلجأ إلى الديزل...
بل حتى الديزل زادت اسعاره من ١,٥ يورو لليتر الواحد إلى حوالي ٢,٢ يورو...
على الرفوف لم يعد يوجد زيت طبخ أو قلي، لم يعد يوجد طحين...
حتى العدس زادت اسعاره إلى حوالي الضعف...
في فرنسا تراوحت زيادة الأسعار على السلع بين ٣ إلى حوالي ٢٢٪...
ما تعرض له اللاجئون السوريون، بدأ اللاجئون الأوكرانيون التعرض له رغم كل الدعايات الملفقة التي تحاول الشاشات بثها...
يكفي الحديث عن التحرشات الجنسية أو محاولة خطف الاطفال لتجارة الأعضاء البشرية...
نعم قد يكون بوتين تأخر...
ربما كان يجب القيام بهذا العمل مباشرة بعد شبه جزيرة القرم...
قبل أن تستفيق اميركا من الصدمة...
أميركا تتعلم الدرس وليست كما العرب...
حين فأجأها كاسترو وغيفارا في كوبا، لم تسمح لهذا السيناريو ان ينجح مرة أخرى في بوليفيا...
بوتين الذي يمسك بيديه من الأسلحة النووية ما يكفي، كان يجب أن يتحرك سنة ٢٠١٤...
عندما سألت مذيعة الCNN، مستشار بوتين، السيد بيسكوف عن احتمال استعمال السلاح النووي، أجاب بأن هذا السلاح لن بستعمل، إلا حين تتعرض روسيا الى خطر وجودي...
في أكثر من خطبة لفلاديمير بوتين، يصف الرئيس الروسي وجود الأطلسي على حدود روسيا، وبالأخص في أوكرانيا، بالخطر الوجودي...
قد يكون بايدن بلغ من العمر عتيا... قد يكون مرض الزهايمر بدأ التسلل إلى عقل ذلك الخرف...
لكن ماذا عن الباقين...؟
بوريس جونسون لا يتوقف عن النباح، لأن هذه وظيفته عند السيد الأميركي...
انضم إليه رئيس حكومة بولندا وغيرة من عبيد أوروبا الوسطى...
لكن ماذا عن ماكرون... ماذا عن شولتز...؟
هل توقف العقل الأوروبي عن الإفراز...؟