كتب الأستاذ طارق ناصر: عمران خان، فارس وبطل من هذا الزمان.
مقالات
كتب الأستاذ طارق ناصر: عمران خان، فارس وبطل من هذا الزمان.
طارق ناصر
6 نيسان 2022 , 05:38 ص


في زمن السقوط المخزي, طالعتنا الأخبار والصحافة، في الأيام القليلة الماضية، عن محاولات الولايات المتحدة الأمريكية، الاطاحة بنظام رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، حيث عملت بكل امكانياتها في سبيل ذلك، مستخدمة احزاب المعارضة الباكستانية، وابرزها (حزب الشعب ورابطة عوامي)، وبعد ان نجحت في استقطاب عدد من الأعضاء من حركة انصاف التي يقودها عمران خان، والذين انحازوا الى صفوف المعارضة، بحيث أصبحت تتحكم في الأغلبية البرلمانية. وقامت اثر ذلك برسم خطتها لسحب الثقة من الحكومة وإسقاطها في جلسة البرلمان.

ومن المعروف ان الولايات المتحدة، ذات تاريخ حافل بالإطاحة بالحكومات والرؤساء والزعماء، الذين لايسيرون في ركبها ولا يؤيدون سياساتها، وهذا ما حصل في تشيلي في بداية سبعينيات القرن الماضي،عندما اطاحت الولايات المتحدة الامريكية بحكومة الرئيس سلفادور الليندي المنتخبة ديمقراطيا، وهذا ماحصل أيضاً عبر الإنقلاب العسكري الفاشل الذي نفذته في فنزويلا ضد الراحل هوغو شافيز ولم يستمر سوى بضعة ساعات واسقطه الشعب الفنزويلي، وهذا ماحصل في بوليفيا ضد حكومة موراليس ومرة اخرى في فنزويلا ضد حكومة الرئيس الشرعي مادورو بعد توليه السلطة في اعقاب رحيل تشافيز وإعلانه السير على نفس النهج، وهذا ماحصل في العديد من الدول الأخرى التي عملت على اسقاط أنظمتها بطرق متعددة بما فيها التدخل العسكري والحصار كما حصل في افغانستان والعراق وسوريا واليمن وغيرها، الى جانب محاولات اسقاط بعض الانظمة من خلال فرض نظام العقوبات والحصار عليها كما هو الحال مع كوبا وايران وليبيا، ولا ننسى دورها في اسقاط حكومة مصدق الإيرانية التي وقفت في وجه الولايات المتحدة وعملت على تأميم النفط.

امريكا لا تؤمن بالديمقراطية في دول العالم، الا بمقدار ما تخدم مصالحها، فهي ضد الديمقراطية وتعمل على افشالها كما اوضحنا سابقا، عندما تصطدم مع مصلحتها ومع الديكتاتورية والاستبداد عندما يخدم مصلحتها، كما هو الحال في دعمها لهذه الانظمة في العديد من دول العالم ودعمها الخاص لدولة الكيان واحتلالها الأراضي الفلسطينية وما تقوم به من ممارسات عنصرية وقتل وتدمير..الخ.

بالنسبة لها ليس المهم ان يكون هذا النظام ديمقراطيا ام ديكتاتوريا، المهم ان يؤمن مصالحها، وهذه هي البوصلة والمقياس الذي تحدد الولايات المتحدة موقفها من خلاله.

استنادا إلى كل ذلك وحقائق التاريخ، عبر السنوات الطويلة الماضية، لا نستغرب مطلقا الموقف الأمريكي الأخير من حكومة عمران خان، والعمل بكل الطرق من أجل الإطاحة بها، خاصة بعد ان فشلت في جلب باكستان إلى بيت الطاعة الأمريكي بعد ان تمردت عليه مع وجود حكومة عمران خان التي رفضت العديد من السياسات والمواقف الأمريكية ووقفت ضدها.

حيث عملت على اسقاط الحكومة في البرلمان بعد ان افقدتها الأغلبية ودعمت المعارضة للسير في سحب الثقة من الحكومة واخذت تهدد بتحريك الجيش للقيام بانقلاب والاستيلاء على السلطة رغم ان عدد من كبار قادة الجيش اكدوا انهم محايدين ولن يتدخلوا في السياسة. ولا ضمانات لذلك، كون الجيش تدخل مرات عدة وقام بانقلابات عسكرية سابقا .

والسؤال الان، بعد هذه المقدمة لماذا تريد الولايات المتحدة الإطاحة بحكومة عمران خان ؟؟؟؟

لقد اعتادت الولايات المتحدة ان تكون باكستان جزءًا من سياستها العالمية وركنا هاما من أركانها حيث وقفت باكستان إلى جانب الولايات المتحدة دوما منذ قيامها، وبالتالي لاتسطيع الولايات المتحد ان ترى باكستان تخرج عن هيمنتها وتعارض قراراتها، وهي لن تقبل بخروجها من بيت الطاعة الأمريكي والذهاب إلى الإتجاه الآخر (رغم ان الباكستان اعلنت انها ليست ضد امريكا وهي مع علاقات جيدة معها لكن ليس على حساب مصلحة الباكستان وانطلاقا من مبدأ السيادة والقرار المستقل وعدم التبعية وكما قال خان لسنا عبيدا ولن نقبل ان نكون عبيدا لأحد).

وهذا لا تقبل به أمريكا، خاصة ان باكستان شكلت تاريخيا احدى اهم مناطق النفوذ الأمريكي في العالم، وجميع حكوماتها كانت موالية للغرب وامريكا تحديدا،

ومع مجيء حكومة عمران خان واستلام السلطة بدأت سياسة الباكستان تتغير تدريجيا باتجاه الحفاظ على مصلحة الشعب الباكستاني وقراره المستقل واصبحت تسير بعيدا عن سياسات الولايات المتحدة وتتعارض معها في الكثير من الحالات.

وفيما يلي نستعرض اهم المواقف التى اتخذتها حكومة عمران خان ضد الموقف الأمريكي.

_اولا...

رفض الباكستان إقامة قواعد عسكرية للولايات المتحدة على اراضيها، رغم الطلب المستمر من قبلهم

_ثانيا....

التعاون مع الصين في انجاز المشروع الاقتصادي العملاق (طريق الحرير)، وعدم الخضوع للإرادة الأمريكية وطلبها عدم مشاركة باكستان في هذا المشروع

_ثالثا....

رفض الباكستان ان تكون جزءا من عملية التطبيع مع العدو الصهيوني، واستمرار دعمها للشعب الفلسطيني ونضالاته.

_رابعا...

الوقوف إلى جانب ايران ورفضها الانخراط في سياسة العقوبات الأمريكية ضدها وتوقيع معاهدات اقتصادية وتجارية معها .

_خامسا...

رفض المشاركة في الحرب ضد اليمن، و عدم ارسال قوات من الجيش لتكون جزءا من قوات التحالف، ومطالبته بالحل السياسي .

_سادسا...

التأكيد على مبدأ السيادة والاستقلال، ورفض التبعية، الى جانب مصارحة الشعب الباكستاني في مشاكله وكيفية الخروج منها، ومحاربة الفساد المستشري في البلاد.

_سابعا....

عدم استغلال ميزات السلطة ومكاسبها واستمراره في حياته كما كانت، لم يسكن القصور واستغنى عن الخدم.

_ثامنا..

الزيارة التي قام بها الى موسكو مع بداية المعركة في اوكرانيا (الزيارة كانت مقررة سابقا قبل بداية الحرب)، واتخاذه موقفا يرفض العقوبات على روسيا، وكانت هذه الزيارة الشعرة التى قصمت ظهر البعير، كون الولايات المتحدة لم تعد تحتمل مجمل هذه المواقف المتعارضة مع سياساتها، وقامت بتوجيه الرسائل التي تحمل الانذار التهديد بتغيير السلطة، وعملت مع المعارضة ودفعتها للتحرك من اجل سحب الثقة من الحكومة، وإسقاطها في البرلمان.

امريكا ارادت استخدام هذه الورقة، وهي ليست الوحيدة، وربما تستخدم الجيش حيث فشل البرلمان وهذا احتمال لا يجوز تجاهله او استبعاده .

ومن المعروف ان أمريكا والمعارضة الباكستانية فوجئت بالطريقة المحكمة التي تصدى فيها عمران خان لهذه المؤامرة بالتعاون مع رئيس الجمهورية مستخدمين المادة الخامسة من الدستور التي لا تجيز ذلك بناءاً على التدخل الخارجي، واقترح عمران خان حل البرلمان الذي وافق عليه الرئيس وبعدها قدم استقالته وتم بقاؤه في منصبه لمدة ثلاثة اشهر وهي فترة التحضير للانتخابات البرلمانية الاستثنائية. وبذلك يكون عمران خان نجح في تسديد ضربة قوية لتحالف المعارضة، وهو يعمل الان لإسقاطهم بالضربة القاضية في الفترة القادمة، عندما يطلب محاكمتهم بتهمة الخيانة العظمى والاتصال مع دولة اجنبية والتنسيق معها للإطاحة بالحكم حسب نص المادة السادسة من الدستور.

الولايات المتحده وأنصارها في قوى المعارضة لن تستسلم وسوف تستمر في المحاولة مرة تلو الأخرى مما يستوجب الحذر، وقد يكون الجيش هو حصان الرهان بالنسبة لهم وكثيرا ما تدخل الجيش وقام بالاستيلاء على السلطة بحجة محاربة الفساد وعدم حدوث الفوضى.

ومن نقاط قوة عمران هنا انه ليس فاسدا كما اشرت سابقا بينما المعارضة غارقة في الفساد حسب تجاربها السابقة في الحكم والشعب الباكستاني يدرك ذلك جيدا.

هل ينجح عمران خان في تحييد الجيش واستبعاد سيناريو التدخل العسكري في الشؤون السياسية

هذا ما ستجيب عليه الاشهر القريبة القادمة

عمران خان فارس شجاع في زمن الهرولة والتطبيع والخنوع

قالها لا للولايات المتحدة في الكثير من سياساتها وعارض مواقفها

وقالها نعم كبيرة في دعم نضال الشعب الفلسطيني وفضح وتعرية العدو الصهيوني

عمران خان رجل صاحب موقف، لم يركع للموقف الأمريكي

نتوجه له بالتحية ونتمنى له الإنتصار في معركته .

طارق ناصر ابوبسام

براغ، ‏05‏/04‏/22