بقلم : محمد سعد عبد اللطیف.مصر؛
یواصل النظام العالمي انهياره من دون أن يُولَدَ بعد النظام العالمي الجديد، أو عالم موازي الذي سيرى النور عاجلًا أم آجلًا، ونأمل أن يكون أفضل من سابقه ،عالم يولد من رحم المعارك الدائرة في أوكرانيا، ونهاية أوجاع وباء كورونا !!
نعيش في عالم ظالم وحشي استغلالي يسعى فيه الأقوياء المتحكمين وراء الأرباح والسلطة فقط. کذلك سوف تتشكل خریطة سیاسیة جديدة لعالم متعدد الأقطاب ، عالم أصبح منذ زمن بلا قيادة، تسوده شريعة الغاب. فمنذ سنوات، وتحديدًا منذ هبوب رياح التطرف أی کان هذا التطرف والإرهاب الدولي أو جماعات أو من المحافظين الجدد والليبرالية الجديدة المتوحشة والتيارات اليمينية الشعبوية في أميركا، والعديد من بلدان العالم، التي حملت مؤخرًا دونالد ترامب وبايدن وبوتين وغيرهم " إلى سدة الحكم ، استكمل هذا التيار تنفيذ الإنقلاب على النظام العالمي القديم الذي حكم العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبدأ ينهار بعد انهيار الإتحاد السوفييتي وحل محلّ النظام ثنائي القطبية نظامًا أحادي القطبية تحت سيطرة الولايات المتحدة.؛
ثم تبنى هذا النظام العولمة التي حولت العالم إلى "قرية صغيرة " تحت قيادته، وانتهى بعد أن بدأت الأرض تتسع من تحت أقدامه إلى الإنقلاب عليها طارحًا الحمائية، التي جعلت شعارات مثل "أميركا أولًا" هي الأولوية، أما بقية العالم فليذهب إلى الجحيم.والهاویة ۔
وأمام تراجع دورها العالمي، تسعى الولايات المتحدة بكل ثقلها لوقف بزوغ وتزايد إرهاصات نشوء ثنائية أو تعددية قطبية. فتقدم الصين، تحديدًا، يمثل تهديدًا متزايدًا للسيطرة الأميركية الانفرادية بعد أن حققت الصين في العقود الماضية ما يشبه المعجزة بتقدمها الهائل، إذ باتت تهدد الولايات المتحدة بفقدان سيطرتها الانفرادية على العالم. لذا، عملت واشنطن قبل ترامب، وتعمل بعده بصورة أشد، على وقف زحف التنين الأصفر، وستعمل كل ما تستطيع لوقف هذه العملية. سعت بكل وسعها بنشوب حرب حاليا .ولكن
لا بد من عمل للحفاظ على البشرية وتقليل الخسائر، من تعاون عالمي لم يتوفر حتى الآن. فهذة الحرب الدائرة الأن احتمال تنتقل الي أماكن أخري تهدد الجميع دون تمييز، فتداعيات الأزمة الاقتصادية تعصف بشعوب بعيدة عن الإطار الجغرافي للعمليات العسكرية في شرق اوروبا. ولكن سيحاول أطراف النزاع استغلال عواقب الأزمة العالمية الناجمة لمصلحتهم. هذه الأزمة الضخمة، هي في الوقت نفسه فرصة كبيرة للآعبين الرئيسيين في العالم، في تغيير النظام العالمي، أو الحفاظ عليه
ستراهن الولايات المتحدة على الحفاظ على النظام العالمي القائم. فهي لن تتخلى عن الإملاء القاسي. وهذا يمكن رؤيته من خلال الطريقة التي تتصرف بها في خضم الأزمة . علاوة على ذلك، ستواصل واشنطن استغلال الحرب الأوكرانية في كل ما يخص لعبتها الكبيرة مع روسيا وكذلك مع الحرب الاقتصادية مع الصين...
ينطبق على ما نراه اليوم ما أشارت إليه الدراسات المستقبلية، وتحديدًا منهجية السيناريوهات، من احتمال وقوع سيناريو يطلق عليه بعض العلماء "سيناريو عالم متعدد الأقطاب"، وهو قليل الاحتمال، أو حتى نادر الحدوث، احتمالية حدوثه لا تزيد عن 5%، ولكنه إذا حدث يحدث تغييرًا كبيرًا. وبالتالي، فإن عالم ما بعد أنتهاء الحرب ؛ سيكون مختلفًا عمّا قبله. وظهور لاعبيين جدد في الصراع؟
مسألة أخرى أن قدرة الولايات المتحدة على شن هجوم على الصين إذا شنت حرب علي تايوان . ستكون محدودة للغاية في المستقبل القريب، وقد تكون العواقب على الاقتصاد الأمريكي أكثر خطورة بكثير مما هي على الصينيين. التی بدآت فی التعافي من تداعيات وباء كورونا علي اقتصادها ... ۔
إن تعاظم قوة الصين وضعف الولايات المتحدة كان سيحدث من دون الأزمة الحالية. فهذا هو الاتجاه الرئيسي في العقود الأخيرة. لكن المواجهة المتزايدة بين القوتين الروسية والأمريكية وصلت مؤخراً إلى نقطة مهمة، فقد أصبح واقعيا الانتقال إلى مواجهة مفتوحة على جميع الجبهات، العسكرية والتجارية إلى المواجهة الإقليمية.
وهنا يعتمد الكثير على روسيا في حربها الأن، لأن المعركة الأمريكية الصينية مجرد جزء من" الحرب الجيوسياسية " العامة. لن تلعب روسيا الورقة الأمريكية الصينية، لكنها يمكن أن تعمل كعامل استقرار في حال تفاقم الصراع بين واشنطن وبكين. والتي تلعبه بكين الأن وفقاً لنتائج الحرب ، والآن، في زمن الحرب ، لا أحد يريد ولا يمكنه الاتفاق على أي شيء جدي.
إن التحدي التاريخي الذي يواجه قادة العالم في الوقت الراهن هو إدارة الأزمة وبناء المستقبل في آن واحد، وإن الفشل في هذا التحدي قد يؤدي إلى إشعال حروب في مناطق مختلفة من العالم !!.
محمد سعد عبد اللطیف *
کاتب مصري وباحث فی الجغرافیا السیاسیة *