إنها جدلية العلاقة بين البنى التحتية والبنى الفوقية للمجتمعات...
قد يكون تدهور الفن هو التعبير الأمثل لتدهور الفكر الثوري في لبنان...
لا يجري الحديث هنا عن الحزب الشيوعي اللبناني...
لقد واصل هذا الحزب في الانحطاط الفكري إلى درجة أن بعض رموزه صار يرى في سامي الجميل أو غادة عيد رموزا لحراك ١٧ تشرين المسروق...
الكلام يجري عن الثورية التي كانت تجري في التيار الديني قبل أن تبدأ التحولات التي كان لا بد أن ترافق نمو البرجوازية الصغيرة وتحولها إلى نمط انتاج أكبر، وأكثر التصاقاََ بالدور الكومبرادوري الذي يميز برجوازيات العالم الثالث...
كما تحولت البرجوازية الصغيرة في حركة القوميين العرب أو أحزاب البعث أو الحركات الناصرية لتنتج رجال استبداد وتبعية للغرب... يبدو أن هذا هو الطريق الذي بدأت تسير عليه الحركة الثورية داخل التيار الديني...
لن يمضي وقت طويل قبل أن تصبح السيرة الحسينية أو وهج عدالة نظام علي ابن ابي طالب، مجرد طقوس عاشورائية كما صار الحال مع من سبق حزب الله على هذا الدرب وانتهى بهم المطاف مجرد "خزمتجية" عند الحريرية السياسية التي دمرت القليل القليل من مقومات الدولة ومقومات الإنتاج غير الريعي في لبنان...
دون ادعاء المتابعة المتواصلة لمسلسل "ظلال المطر" الرمضاني على المنار، إلا أن الرسالة تقرأ من العنوان كما يقول المثل عندنا...
مسلسل طاغِِ في السطحية والتبرير المباشر مع ادعاء التحليل ومحاولة فهم ما حدث في لبنان منذ ١٧ تشرين وحتى اليوم...
مقارنة بسيطة مع انتاجات المقاومة السابقة بمعظم الإنتاج السابق، يقف المرء امام ممثلين كبار يلعبون أدوارا صغيرة لا تليق بهم وبأعمالهم السابقة...
يجري كل ذلك فقط لتبرير
كل الأخطاء التي ارتكبتها الطبقة السياسية اللبنانية وبالأخص، حزب الله، منذ اندلاع الحراك وحتى اليوم...
من محاولة فرملة الحركة العفوية الثورية إلى تغطية الحكومات التابعة للغرب، إلى تبرير عدم التقدم فورا لتأطير تلك الجماهير العفوية وتبني مطالبها إلى محاولة شيطنة الحراك من أصله وجعله مجرد مؤامرة صهيونية أميركية...
لا ينفي أحد ما يمكن أن يفعله جورج سوروس أو برنارد ليفي او الغرب عامة أو صبيان الخليج ممن ينفذ ويمول التخريب...
لكن المخرج وكاتب السيناريو وكاتب المسلسل والحوار... كل هؤلاء لا يرون في شعب لبنان غير مجموعة من الاغبياء المُنساقين وراء السفارات وال NGOs دون تفكير...
وحدهم، بضعة أفراد من المقاومة هم من يرون المؤامرة...
وحدهم، هؤلاء يرون أن الحراك، كل الحراك ليس سوى "ثورة" ملونة تتآمر على البلد...
كأن هذا البلد كان جوهرة يريد الإسرائيلي تخريبها...
كأن لبنان لم يكن مزرعة فساد وفاسدين...
هم وحدهم الاذكياء الذين يعرفون كل شيء بينما يغرق الباقون في الأخطاء الناجمة عن قلة الإدراك...
مسلسل "ظلال المطر" هو صورة طبق الأصل للبروباغاندا السطحية التي كانت تمجد كل شيء في ثورة البلاشفة في الاتحاد السوفياتي حتى انهار الاتحاد وانهارت الثورة بعد أن ركب أمواجها الانتهازيون والبيروقراطيون الذين يسرقون الثورات ويخفون تحت الوهج الثوري تلك النزعات الرأسمالية فيعيشون حياة الترف على حساب شقاء الفقراء من الثوار...
لم يكن صعبا على حزب الله إيجاد مخرجين وكاتبي سيناريو من أجل مسلسل ذي قيمة فنية وفكرية عالية...
لكن يبدو أن كل اهتمام الحزب تركز على تبرير سياسة الحزب وقلة فعاليته وعجزه وتخلفه عن واجب قيادة الجماهير والانسحاب من الساحات وترك الناس فريسة الضياع قبل اتهام جميع من بقي بالتبعية للسفارات دون تمييز بين قلة تابعة فعلا لهذه السفارات وأغلبية ساحقة تحركت فعلا بعفوية ثورية لم يفهمها الحزب ولم يرد اصلا أن يفهمها...
مسلسل "ظلال المطر" ليس سوى تعبير عن انحدار الفكر الثوري وبدء تحول حزب الله الى حركة أمل أخرى...
إذا استمر حزب الله على هذا النهج، لن يمضي وقت طويل حتى يندمج الثنائي في حركة واحدة حين يصبح من الصعب التمييز بين الحزب والحركة فيما يخص النظام اللبناني ومنظومة الفساد الحاكمة...