عندما خرج صدام حسين يعلن الخضوع للشرعية الدولية ويطالب بفرض جميع مقررات الأمم المتحدة دون استثناء، ظن الرجل أنه امسك الإمبريالية من اليد التي تؤلم...
ساق النظام العالمي العرب إلى مؤتمر هزلي دولي أطلق عليه اسم مؤتمر مدريد...
أخذ من العرب كل شيء في سبيل تدمير الدولة الوطنية في العراق بما في ذلك المشاركة الميدانية والتمويل، ثم أوهم الشعوب العربية بأنه سوف يضع نهاية لمأساة الشعب الفلسطيني التي كان قد مر عليها عدة عقود من تخاذل النظام الرسمي العربي؛ تخاذل لم يتوقف يوماً، ولن يتوقف يوماً طالما أن هذه الشعوب على دين ملوكها في التبعية وطأطئة الرؤوس والنفوس...
في دهاليز مدريد، تم تكريس نهج كامب ديفيد وتم سوق الشعوب العربية إلى مسالخ وادي عربة وأوسلو، حتى حط بها الرحال في المنامة وأبوظبي والرباط وقريبا على الشاشة جدة والرياض وما يتبعها من عواصم الخنوع العربي العام الشامل...
أمام كل ما حدث وما يحدث في أوكرانيا...
أمام كل التراجيديا الكوميدية السوداء في فلسطين...
يقف المثقف القومي العربي مشدوهاََ...
من جهة، لا يستطيع سوى أن يكون ضد الإمبريالية الأميركية والغرب الاستعماري الكاذب المحتال الذي يمعن كل يوم في استعباد العالم الثالث، وفي الأخص منطقتنا العربية الذبيحة على طاولات المسالخ الأوروبية التي لا ترحم، ولا تدع رحمة الرب تفعل فعلها في قيامة هذه الشعوب...
ومن جهة اخرى، يريد ويتمنى لو تنجح الجهود في سلخ أوكرانيا عن تلك التبعية الأطلسية التي رأى أثارها في العراق يوم دخل الجنود الأوكرانيون إلى جانب الجنود الأميركيين والبريطانيين، يخربون البيوت ويقتلون الأطفال والنساء والشيوخ، يهدمون أسس الدولة العراقية، ليتحول هذا البلد العربي إلى دولة فاشلة أخرى كما الصومال وكما يراد لمعظم هذا العالم العربي...
يتعاطف المثقف العربي مع روسيا لأنه يتوق إلى عالم متعدد الأقطاب لا يسود عليه الكاوبوي الأميركي القذر الذي يدعم بشكل مطلق الوجود الاستيطاني الصهيوني في فلسطين والهيمنة الصهيونية على عواصم ومقدرات الأمة من المحيط الى الخليج...
يتمنى المثقف العربي انتصار روسيا على العنجهية الأميركية وفي باله الحقبة الناصرية وبناء السد العالي في مصر، وانتصار سنة ٥٦...
يعرف هذا المثقف العربي أن الاتحاد السوفياتي كان الدولة الثانية التي اعترفت بقيام الكيان الصهيوني في فلسطين، كما يعرف أن روسيا التي دافعت عن الدولة الوطنية في سوريا هي نفسها الدولة التي سمحت لطائرات الf-16 الأميركية الصهيونية بالإغارة على سوريا وتدمير منشآتها...
يعرف المثقف العربي أن روسيا هي التي حاولت اكثر من مرة الانضمام إلى حلف الأطلسي الشيطاني وقدمت في سبيل ذلك الكثير من الاضاحي العربية، لكي يقبلها الغرب ويقبل مشاركتها في قتلنا وذبحنا...
رغم ذلك يفرح المثقف العربي، لهذا الطلاق الذي لا رجعة فيه بين روسيا والغرب...
طلاق هاتين القوتين هو منع قيامهما بقتلنا مجتمعتين...
كما يقول المثل الصيني، عندما يتقاتل نمران، يكسب القرد...
فليتقاتل النمر الأميركي ضد النمر الروسي...
إن في هذا منجاة لنا من طغيان نمر واحد على اقدارنا، كما فعل بوش وبعده ترامب مرورا باكثر من رئيس أميركي لم تخل أيدي أي منهم من دماء عربية مذبوحة...
سوف يمضي وقت طويل وسوف نتعلم كل يوم درس جديد مما جرى ومما يجري في أوكرانيا...
الدرس الاول ربما أنه يجب عدم التعويل على الأخوة القومية ووحدة الجذور...
فكما يقاتل السلاف بعضهم البعض في أوراسيا، وكما تخدم أوكرانيا حلف الأطلسي ضد شقيقتها روسيا، كذلك يجب أن لا يعول الفلسطينيون على الأخوة العربية...
ليس النظام الرسمي العربي وحده من يخدم الصهاينة والأميركيين في ذبح الشعب الفلسطيني...
يشارك في هذا العمل المشين كل عربي يسكت ويسمح لهذا النظام العميل التابع في التحالف مع عدو الأمة الوجودي...
ليس لأن الساكت عن الحق شيطان اخرس، بل لأن الكثير من الشعوب العربية والإسلامية تشارك في الحصار على الشعب الفلسطيني، ولا تتوانى عن مناصرة المحتل...
الأمثلة على ذلك ليست قليلة ولا حتى خفية... من مصر الى الخليج الى تركيا إلى المغرب إلى الأردن... والعداد لا يتوقف...
حتى الشعب الفلسطيني يبدو منقسما على ذاته، ويخضع لخطوط اميركا والصهاينة الحمراء...
صحيح أن روسيا استطاعت تدمير مدن أوكرانية كبيرة، صحيح أن انتصار روسيا على عملاء اميركا أمر مرغوب عند معظم العرب... لكن الصحيح أيضاً أن أوكرانيا استطاعت ولو بدعم أطلسي، أن تغرق الطراد ماسكفا، تاج الأسطول الروسي...
في الوقت الذي تتباكى فيه الفصائل والتنظيمات الفلسطينية بما في ذلك تنظيمات محور المقاومة على ما جرى ويجري في المسجد الأقصى...
لم نرى صاروخا واحدا يقصف منصة انتاج غاز على كامل الساحل الفلسطيني...
يضع محور المقاومة خطوطا حمراء واهية لا يستمر احمرارها أكثر من ثوان...
تتظاهر غزة...
على الأقل هي تتظاهر قد يقول قائل، بينما يسود الخنوع كل البلاد العربية...
لكن هل المطلوب من غزة التظاهر...؟!؟!
هل مطلوب من الضفة وال ٤٨ مجرد عملية طعن أو دهس يظهر في الاخير أنها ليست سوى عملية بطولية فردية قام بها ابطال ملوا الخطوط الحمراء الواهية التي لا تحترمها نفس تلك التنظيمات التي وضعتها...
هل صعب على غزة إطلاق صاروخين على تل أبيب تفعل أكثر من فعل الصاروخين الأوكرانيين اللذين دمرا وأغرقا الطراد ماسكفا...
لقد انقضى زمن التفلسف، والخطوط الحمراء والزعيق الذي لا نفع منه...
رغم عدم الحماسة لأوكرانيا، لكن بالله عليكم تعلموا حتى من أوكرانيا كيف يكون القتال ضد قوة تفوق قوتها بأضعاف مضاعفة...
لا تتحدثوا ادعاءََ عن الدعم الأطلسي لأوكرانيا... لأن جوهر المسألة ليس في هذا...
الأوكرانيون الذين يحاربون رغم أنهم ضد مبادئي، إلا أنهم يستحقون الاحترام لأنهم فرضوا على الأطلسي معادلاتهم بينما تنام الفصائل الفلسطينية ومحور المقاومة في تبريرات أقل ما يقال فيها انها حقيرة ولا تستحق أي احترام...
يا أخي نموت واقفين ولا نركع...
هذا ليس شعارا... هذا مبدأ حياة...
من حماس إلى الجهاد إلى الشعبية الى كل فصيل لا يزال يتحدث عن تحرير فلسطين من البحر إلى النهر...
اصمتوا... "سكروا بوزكم"..
اسكتوا ألسنتكم ولو مرة واحدة ودعوا ايديكم تفعل فعلها حين تضغط على أزرار منصات إطلاق الصواريخ...
إما أن تكونوا على قدر الخطوط الحمراء التي تضعون، والا فاذهبوا إلى الجحيم مع كل تلك الخطوط الزهرية العفنة التي لن تحرر شبرا واحدا من فلسطين طالما أن لا عزيمة عندها ولا عشق للموت بكرامة...
المطلوب رجال، ومعيار الرجل كلمة... والكلمة في فلسطين هي صواريخ تنطلق ولا تصدأ بانتظار وساطة مصرية لا تقل عفنا عمن يطلبها أو يلجأ اليها...