كتب الأستاذ طارق ناصر: في يوم القدس العالمي..
فلسطين
كتب الأستاذ طارق ناصر: في يوم القدس العالمي..
طارق ناصر
26 نيسان 2022 , 11:17 ص


نحتفل ويحتفل معنا العالم العربي والإسلامي في الجمعة الاخيرة من شهر رمضان المبارك في كل عام، في اليوم الذي جاء استجابة لنداء وصرخة زعيم وقائد الثورة الإسلامية في ايران، سماحة أية الله العظمى الإمام الخميني، بعد الاطاحة بنظام شاه ايران، وانتصار الثورة الإسلامية.

هذا النداء الذي دعا فيه سماحته، كافة شعوب العالم والمسلمين في كافة انحاء المعمورة، الى الوقوف مع الشعب الفلسطيني المظلوم والدفاع عن حقوقه، والى جانب القدس المغتصبة من اجل تحريرها.

ومنذ ذلك الوقت اصبحت الاحتفالات تعم كافة انحاء العالم نصرة للشعب الفلسطيني وتزداد عاما بعد عام.

وفي هذه المناسبة العظيمة، اتوجه بتحية الاكبار والتقدير لروح سماحة الإمام الخميني صاحب هذا النداء، والتحية للجمهورية الإسلامية في ايران، قيادة وشعبا وجيشا وحرسا ثوريا، وفي المقدمة منهم وعلى رأسهم سماحة الإمام علي خامنئي قائد الثورة، الذين وقفوا بصلابة وقوة بالافعال، لا الاقوال، الى جانب الثورة الفلسطينية والدفاع عن سوريا والعراق واليمن ولبنان وعن كافة المظلومين في العالم. حيث قدمت ايران وما زالت تقدم دعمها اللا محدود للمقاومة الفلسطينية وفصائلها المختلفة وامدتها بالسلاح والخبرات، وشعبنا الفلسطيني والعربي مازال يذكر ذلك اليوم العظيم الذي اغلقت فيه ايران السفارة الصهيونية في طهران وطردت الدبلوماسيين الصهاينة واعلنت الموقع سفارة لدولة فلسطين ورفعت العلم الفلسطيني، عليه وقد تم هذا في الوقت الذي توقع فيه اكبر دولة عربيه (مصر) اتفاقيات كامب ديفيد وتفتتح سفارة لدولة الكيان في القاهرة يرتفع عليها العلم الصهيوني نعم انها المفارقة التاريخية.

وفي هذه المناسبة، يوم القدس العالمي، لا بد ان نتوقف بعجالة امام القدس ولماذا تكتسب هذه الأهمية على الصعيد العالمي، خاصة بالنسبة للديانات السماوية الثلاث.

بالنسبة للمسلمين

القدس هي بوابة الأرض الى السماء، الاسراء والمعراج، وقوله تعالى (سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله).

وهي اولى القبلتين وثالث الحرمين، ولذا تكتسب القدس قيمة رمزية ودينية كبيرة لدى الشعوب المسلمة حباها بها الله عز وجل.

اما اليهود، فيعتبرونها عاصمتهم الدينية واصبحت اقدس المواقع عندهم بعد ان فتحها النبي داوود وجعل منها عاصمة اسرائيل الموحدة في سنة 1000 قبل الميلاد وان ابنه سليمان اقام الهيكل كما تنص التوراة. اليهود يعتبرون انهم عاشوا في هذه المنطقة منذ 3000 عام ويعتبرون أنفسهم اصحاب الأرض بينما الحقيقة تقول ان اصحاب الأرض الحقيقيين هم الفلسطينيون التي تمتد جذورهم الى يابوس وكنعان، وهم من بنوا مدينة القدس في الألف الخامسة قبل الميلاد وسكنوها قبل اكثر من الفي عام من وجود اليهود فيها.

اما بالنسبة للمسيحيين فهي مهد المسيح عليه السلام ومكان ولادته، ولها رمزية ودلالة كبيرة لديهم ويحجون اليها من مختلف انحاء العالم. وفيها كنيسة القيامة أو كنيسة القبر المقدس، وهي كنيسة داخل أسوار البلدة القديمة في القدس، وتعتبر أقدس الكنائس المسيحية والأكثر أهمية في العالم المسيحي وتحتوي الكنيسة وفق المعتقدات المسيحية على المكان الذي دفن فيه يسوع عليه السلام، واسمه القبر المقدس.

نعم انها المكانة الدينية التي تحظي بها المدينة ولا تحظي بمثلها اية مدينة اخرى في العالم وهذا ما جعلها مركز الاهتمام العالمي من ناحية وصراع القوى من ناحية ثانية.

وتجدر الإشارة إلى أن مساحة القدس القديمة (المركز) اقل من 1كم مربع وهي بحدود 900 متر مربع.

واذا ماقمنا باستعراض تاريخ القدس نستطيع القول بشكل موجز، تعرضت المدينة في تاريخها للتدمير مرتين وتمت اعادة بنائها.

حوصرت المدينة عبر تاريخها 23 مرة، تعرضت للغزو 44 مرة ، تمت مهاجمة المدينة اكثر من 52 مرة.

تعتبر مدينة القدس نقطة محورية وجوهر الصراع الصهيوني العربي في المنطقة.

بعد هزيمة عام 1967 استولت دولة الكيان على الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقامت بضمها لدولة الكيان معتبرة إياها جزءا لا يتجزأ منه، رغم عدم اعتراف الأمم المتحدة والكثير من دول العالم بهذا القرار، الا ان دولة الكيان ضربت بكل ذلك عرض الحائط مدعومة في ذلك من الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية. مما جعلها تتمادى في سياساتها، حيث قامت بتاريخ 31/7/1980 باتخاذ قرار في الكنيست الصهيوني يقضى باعتبار القدس العاصمة الموحدة لدولة الكيان.

ومن المعروف ان اغلبية المؤسسات الرسمية والحكومية لدولة الكيان مثل (الكنيست، مجلس الوزراء، المحكمة العليا وغيرها تقع في القدس الغربية).

يأتي الاحتفال بهذه المناسبة في العام في ظل ظروف وتطورات كبيرة تشهدها المنطقة والعالم اجمع، تطورات على صعيد محور المقاومة من جهة والتطبيع الجاري من جهة أخرى، وتطورات على صعيد الحرب الدائرة في أوكرانيا

وقد تمثلت هذه التطورات على صعيد محور المقاومة بمايلي:

أولا...

في فلسطين

لقد شهدت فلسطين في هذا العام تطورات كبيرة وهامة تجاه تصعيد المواجهة مع المشروع الصهيوني من قبل الشعب الفلسطيني وقد تمثل ذلك في هبة جماهيرنا في القدس والشيخ جراح والنقب والمشاركة القوية والفاعلة من جماهير شعبنا في الـ 48 .

كما شهد هذا العام المواجهات الكبيرة في جنين ونابلس والخليل وبيت لحم وقراها، حيث تصاعدت العمليات الكفاحية في العديد من المناطق، وتوجت بمعركة سيف القدس، التي لبت فيها الفصائل المقاومة في قطاع غزة نداء القدس والاقصى وبدأت بقصف دولة الكيان بالصواريخ، وهذا يحصل للمرة الأولى أن تبدأ المقاومة المعركة وتتحكم بمسارها بداية ونهاية، واستطاعت ان تفرض معادلات جديدة على العدو وحققت الكثير من الإنجازات اهمها:

انها اكدت وحدة الشعب والأرض، واثبتت هشاشة الكيان الصهيوني، كما اكدت ان الشعب الفلسطيني يملك من العزيمة والإرادة والصمود ما يمكنه من الانتصار على العدو، واثبتت انه لا أمن ولا إستقرار لدولة العدو، و ادخلت الملايين الى الملاجيء تحت الأرض في سابقة لم تحصل بهذا الحجم من قبل، ومن المعروف أن ابا عبيدة هو من كان يحدد ساعات منع التجول ورفعها. ورسمت علامة استفهام كبرى حول مستقبل دولة الكيان!!!.

نعم انها معركة شكلت فخرا للفلسطينين والوطنين العرب، رغم ما حملته من خسارة تمثلت باستشهاد وجرح العديد من المقاومين الابطال ومن ابناء شعبنا، وتدمير للبيوت والمؤسسات. لكننا نقول ان هذا هو ثمن الحرية وتحرير الوطن.

ولا شك ان عملية نفق الحرية البطولية جاءت، أيضاً، لتسجل نصرا جديدا للمقاومة عندما استطاع 6 من المقاومين الابطال تحرير انفسهم من السجون، وعلى الرغم من اعادة اعتقالهم، الا انها قدمت دلالات كبيرة وحملت معاني كثيرة أصبحت معروفة للجميع. اضافة الى كل هذا، جاء تصاعد العمليات الكفاحية النوعية في القدس والنقب وتل ابيب وبني براك والخضيرة والمقاومة الباسلة في جنين وباقي المدن والقرى الفلسطينية لتؤكد حقيقة واقعة، اننا اليوم اصبحنا اقرب الى تحرير فلسطين ولم يعد ذلك وهما وهذا ما تشير له الكثير من المعطيات.

ثانياً...

في سوريا، لقد صمدت سوريا في مواجهة الحرب الكونية ضدها منذ اكثر من 11عاما

ورغم ان الحرب لم تنتهي كليا، الا ان سوريا حققت انتصارا بفعل صمود وتماسك شعبها وجيشها وقيادتها، وما زيارة الرئيس السوري بشار الاسد مؤخراً الى دولة الإمارات والاستقبال الحافل له الا مؤشر واضح على بداية فك الحصار العربي عن سوريا وهذه البداية، ولن يطول الزمن حتى نرى سوريا تعود لتحتل موقعها الطبيعي في الجامعة العربية، وقد يكون ذلك من خلال قمة الجزائر القادمة، والتي تبذل القيادة الجزائرية جهودا جبارة من أجل ذلك وتعلن بوضوح انه لا قمة دون سوريا.

ثالثا...

في اليمن، صمد الشعب اليمني وجيشه وقيادته، وقاتل ببسالة وشجاعة قل نظيرها واستطاع ان يحقق المعجزات ويجبر السعودية ومن معها على التراجع واستطاعت الصواريخ اليمنية ان تدك العاصمة السعودية والإماراتية وتطيح بعاصفة الحزم.

رابعا...

على الصعيد اللبناني، استطاع حزب الله الصمود وكسر كافة المحاولات التي استهدفت النيل منه وشيطنته، وهاهو يزداد في كل يوم قوة ويفرض معادلاته على العدو، ويكفي الاشارة إلى ماجاء في خطاب سماحة السيد حسن نصر الله مؤخراً، عندما اعلن امتلاك حزب الله للصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة وتصنيعها محليا والاكتفاء ذاتيا.

خامساً....

في العراق، لقد أفشلت قوى المقاومة العراقية المؤامرات السياسية التي استهدفت ولا زالت وحدة العراق وسيادته، وافشلتها، ليس هذا فحسب بل استطاعت ان توجه العديد من الضربات للقواعد والمراكز الامريكية هناك.

سادساً..

في ايران، لقد صمدت القيادة والشعب الإيراني في مواجهة الحصار المستمر عليها، واستطاعت ان تفرض على الولايات المتحدة بدء المباحثات من اجل العودة للاتفاق النووي التي انسحبت منه سابقا واصبحنا الآن على ابواب التوقيع رغم بعض الصعوبات.

وليس هذا فقط وهانحن اليوم نرى ايران ترد الصاع صاعين على الاعتداءات على اراضيها وهذا ماحصل مؤخرا في ضرب اوكار التجسس في اربيل. والى جانب ذلك نسمع اليوم تصريحات السيد رئيسي رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو يقول ان اي اعتداء على ايران سنرد عليه في قلب الكيان في رسالة واضحة لدولة العدو وحماتها في الولايات المتحدة.

واذا كان هذا مايحدث على المستوى العربي والإقليمي، ويؤكد الإنجازات التي حققها محور المقاومة، لابد ان نشير إلى التطورات العالمية وما يجري في أوكرانيا والصراع الدائر الآن بين الولايات المتحدة والناتو ومن معهم من ناحية في مواجهة روسيا ومن معها من ناحية أخرى، حيث تقوم روسيا الان بالدفاع عن وجودها من ناحية وتدافع عن المباديء والقيم في مواجهة الغطرسة والنفاق الأمريكي، وتعيد رسم خرائط العالم الجيوسياسية من جديد.

نعم نحن نمر الآن أمام حرب عالمية ثالثة اشعلتها وحضرت لها منذ سنوات الولايات المتحدة وحلفاءها.

ونحن الآن امام عالم جديد ولن يكون مابعد الحرب كما قبلها .

روسيا خاضت هذه الحرب مجبرة ولم يكن لديها خيار اخر، وسوف تنتصر فيها رغم كل الحشد السياسي والاعلامي والعسكري والعقوبات الغير مسبوقة ضدها

روسيا تعرف ماذا تريد وكيف تخوض هذه الحرب وليس امامها من خيار سوى خيار الإنتصار، وهزيمة الولايات المتحدة كونها لن تكون القطب الأوحد الذي يقود العالم وسنكون امام عالم جديد متعدد الأقطاب، وبعد الإنتصار الروسي ستقوم العديد من الدول بتغيير مواقفها وفي مقدمتها الدول الحليفة، عندما تدرك المتغيرات والحقائق على الأرض وتتخلص من الهيمنة الأمريكية

لا شك اننا امام مرحلة جديدة يتوجب علينا الاستعداد والتعاطي معها حتى لا يفوتنا القطار.

وكما قال بوتين انها معركة تصحيح التاريخ ومعركة انهاء الهيمنة الامريكية على العالم

وعلى الجميع ان يحدد موقفه

اما ان تكون مع امريكا وبطشها ومعاييرها المزدوجة واحتلالها لأراضي الغير واستغلالها لثرواتهم. وإما ان تكون في مواجهتها والتصدي لها

ولم يعد مجالا للموقف الوسط

وفي هذه المناسبة العظيمة ندعوا لوحدة كافة القوى الفلسطينية على اساس برنامج مقاوم يرفض الاستسلام والتنازلات ويقوم على أساس الشراكة.

بالمقاومة والوحدة نحقق الإنتصار.

في الختام

تحية للقدس في يوم القدس

تحية للشعب الفلسطيني المنتفض في القدس والمقاوم في كل مكان

تحية لكل المتضامنين مع شعبنا من أجل نيل حقوقه

والتحية الخاصة في هذا اليوم للجمهورية الإسلامية في ايران وقيادتها وشعبها وجيشها

والرحمة كل الرحمة لروح الإمام الخميني صاحب هذه الصرخة

والحرية لفلسطين والأسرى

والمجد للشهداء

طارق ناصر ابوبسام

منسق عام التجمع العالمي لدعم خيار المقاومة في الجمهورية التشيكية

براغ.

المصدر: موقع إضاءات الإخباري