"يا عمال العالم اتحدوا"...
هو الشعار الذي واكب الثورة الصناعية ونشوء طبقة عاملة تنبأ لها كارل ماركس أن تشكل أغلبية في تلك المجتمعات الصناعية المتطورة...
لأن الديمقراطية الكلاسيكية تعني حكم الأغلبية منذ ايام الإغريق... رأى كارل ماركس أن حكم الأغلبية في أكثر المجتمعات الصناعية تطوراََ يجب أن يكون للطبقة العاملة...
لأن حكم الأغلبية يجب أن يعني صياغة قوانين تحمي بشكل أساسي مصلحة هذه الأغلبية، لم يتردد ماركس في المطالبة بإسقاط النظام الرأسمالي الذي يحمي مصالح الأقلية من طبقة رأس المال في المجتمع، لصالح نظام اشتراكي يحمي مصالح الأغلبية العمالية ويأخذ في الحسبان بقية الطبقات...
درس ماركس تطور المجتمعات منذ الإنسان الأول وصولاً إلى الدولة الصناعية، فوجد أن النظام السياسي كان يواكب تطور الأنظمة الاقتصادية...
رأى ماركس أن البشرية تعرفت على العديد من هذه الأنظمة الاقتصادية التي بنت لنفسها دوماً أنظمة سياسية تعبر عن علاقات المجتمعات التي تخضع لتلك الأنظمة...
مع وجود الكثير من الأنماط، رأى كارل ماركس أن البشرية مرت منذ عصر الدولة/المدينة، وحتى القرن التاسع عشر بثلاث أنظمة رئيسية:
١-نظام الامبراطوريات الاولى الذي اعتمد على طبقات العبيد كأساس للنشاط الاقتصادي...
٢-نظام الإقطاع الذي ورث نظام العبودية دون التخلي نهائيا عن الاستمرار في وجود العبيد... لكن الفلاحين هم من كان يشكل أساس النشاط الاقتصادي..
اتخذ نظام الإقطاع لنفسه قيام ملكيات وحتى جمهوريات (الولايات المتحدة الأميركية)، بالإضافة إلى استمرار بعض الامبراطوريات...
٣-النظام الراسمالي، الذي بدأ مع بداية الثورة الصناعية...
أنتجت الثورة الصناعية طبقتين جديدتين تشكلان عماد النشاط الاقتصادي:
طبقة أقلية من رجال رأس المال يقومون بشراء قوة عمل العمال وتحويلها إلى منتجات ثم بيعها وجني أرباحها لهم وحدهم...
وطبقة أغلبية من العمال الذين يبيعون قوة عملهم الضرورية للإنتاج فقط من أجل القدرة على الاستمرار في الحياة...
ورثت طبقة رأس المال السلطة من طبقة الإقطاع أحيانا نادرة بهدوء، ولكن في أغلب الأحيان عبر ثورات دموية كما حدث في بريطانيا مع كرومويل، أو في فرنسا مع الثورة الفرنسية...
كان من الطبيعي أن تقوم طبقة رأس المال ببناء دولة ووضع قوانين تحمي بشكل أساسي مصالح الطبقة الحاكمة، أي طبقة رجال رأس المال...
باسم الديمقراطية، حكم هؤلاء ولا يزالون، رغم أنهم لا يشكلون أغلبية...
لذلك رأى كارل ماركس أنه إذا أردنا تحقيق ديمقراطية فعلية، مع ما يعنيه ذلك من حكم الأغلبية فإنه يجب إقامة نظام يحمي حقوق هذه الأغلبية بالدرجة الأولى أي العمال، بينما نرى أن النظام الرأسمالي يقوم أساساً على قوانين تحمي الأقلية من رجال الأعمال...
لم يتوان ماركس عن وصف الأمور بما هي عليه فعلا...
النظام الرأسمالي هو نظام سيطرة الأقلية التي تنسج القوانين التي تناسبها هي في الدرجة الأولى...
لذلك يجب تسمية هذا النظام ديكتاتورية رجال رأس المال لأن هذا النظام لا يمكن أن يكون ديموقراطياََ طالما أنه يقوم على حكم الأقلية الطبقية..
من وجهة نظر كارل ماركس، الديمقراطية الحقيقية القائمة على سلطة الأغلبية، يجب أن تكون في نظام يحمي مصالح كامل المجتمع وفي الدرجة الأولى، مصالح الأغلبية في هذا المجتمع...
من هنا توصل ماركس إلى أن أعلى درجات الديمقراطية، هي في نظام تكون فيه الطبقة العاملة هي التي تحكم...
أطلق ماركس على هذا النظام اسم ديكتاتورية العمال (البروليتاريا)...
رغم أن تحليل ماركس العلمي حاول وضع معادلات رياضية وقوانين اجتماعية راسخة للمجتمعات، إلا أن جدلية وتعدد وتراكم الكثير من العوامل سواء في التطور غير المتناسق بين المجتمعات، أو في التطور التقني ما بعد الصناعي... كل ذلك أدى إلى وجوب تطوير مفهوم الديمقراطية من حكم الأغلبية إلى حكم احترام الأقليات على اختلاف أنواعها واشكالها...
من هنا عرفنا المجتمعات الديمقراطيات التشاركية (الديمقراطية التوافقية)... أو التعايش بين الأضداد ( التعايش في فرنسا بين اليمين واليسار، أو حكومات الإئتلاف في إيطاليا، أو التعايش بين الديمقراطيين والجمهوريين في أميركا... الخ
لا بل تبين حتى أن الطبقة العاملة لم تعد تشكل أغلبية في الدول الأكثر تطوراً حيث يسود الذكاء الاصطناعي...
نظريات ماركس على عظمتها، بدأت تعاني من تطورات لم يراها ابو النظرية الشيوعية...
لبنان ربما هو أحد هذه الاستثناءات حيث يختلط الحابل بالنابل...
من المؤكد أن اليسار اللبناني الذي جاء معلبا من الاتحاد السوفياتي بشكل أساسي، أو من الاشتراكية الديمقراطية الممزوجة مع الإقطاع الجنبلاطي، أو من القومية الاجتماعية المتعددة الأوجه...
هذا اليسار لم يلعب أي دور بناء في دراسة تركيبة المجتمع اللبناني ومحاولة وضع تصورات محددة للتنمية فيه...
يسار معلب، متخلف، يريد تركيب مجتمع على نظريات جاهزة بدل محاولة إيجاد نظريات لواقع غير محدد المعالم...
في مقابل هذا اليسار الغبي والبعيد كل البعد عن النظرة العلمية، اُبتليَ لبنان بيمين معلب شبه فاشي، قائم على القبلية والعشائرية والطائفية والمذهبية...
حكم هذا اليمين لبنان ولا يزال يحكمه بعقلية المزرعة...
قبل الطائف كان هناك نظام نهب ماروني في الدرجة الأولى، وتعاون سني ملحق به...
بعد الطائف، صرنا في نظام نهب سني في الدرجة الأولى وتعاون مسيحي شيعي ملحق به...
حتى قبل الأزمة وقبل الإنهيار كانت نسبة البطالة مرتفعة جدا في لبنان، لكنها تتخفى خلف هجرة كثيفة، وزبائنية مذهبية وحزبية تسمح بإدخال عشرات الآلاف وأكثر في القطاع العام حيث يقوم هؤلاء بدورهم بشل هذا القطاع وتكبيده خسائر رهيبة سواء عبر السرقة المباشرة أو عبر اللا إنتاجية...
هل سوف يؤدي الإنهيار الذي حصل إلى إعادة بناء السلطة من أجل بناء نظام يحظى ولو بالقليل من المعايير العلمية...؟
نظرة سريعة إلى القوى الموجودة على الساحة تظهر صعوبة هذه الإمكانية...
ربما وحدهم، مواطنون ومواطنات في دولة حاولوا دراسة المجتمع اللبناني من أجل وضع برامج تنطلق من هذه الدراسات لبناء شيء ما يؤدي إلى تنمية ونمو...
معظم القوى التي تدعي طلب التغيير، إما هامشية لن تصل، ولن تستطيع شيئا، أو عميلة للخارج وتفتش عن طرق جديدة لدخول السلطة وممارسة نفس لعبة النهب والسرقة تحت رعاية نفس الغرب الذي رعى طيلة العقود السابقة نفس الطبقة الحاكمة الفاسدة وساعدها في تخريب اقتصاد البلد الهش الذي كان فؤاد شهاب وضع له بعض المؤسسات التنظيمية...
باستثناء حزب الله، يمكن القول إن كل الأحزاب الباقية كانت ولا تزال هي السرطان الذي خرب البلد ودفعه إلى الهاوية...
أما حزب الله، فهو يعيش مهمة مستحيلة... لا يمشي على البيض كي لا يكسره، رغم علمه أن كل هذا البيض فاسد ولا بأس من تكسيره...