محمد النوباني
لم يكن غريباً أن يسارع كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت ووزير خارجيتة يائير لابيد يوم امس إلى شن هجوم عنيف وغير مسبوق على وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف واتهامه بمعاداة السامية ومطالبته بالاعتذار عن تفوهاته حول ألاصول اليهودية المشتركة لكل من الزعيم النازي اوديلف هتلر والرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي.
فتصريح لافروف نزل نزول الصاعقة على حكام إسرائيل لأنه مس بصدقية الرواية الصهيونية حول ما يسمى بالمحرقة اليهودية "الهولوكوست"، التي تم تضخيم عدد ضحايا بشكل كبير لإستخدام ذلك كوسيلة لإبتزاز المانيا و دول الغرب والشرق،فيما بعد، مالياً وسياسياً وتدفيع الشعب الفلسطيني ثمن جريمة كان مرتكبها من أصول يهودية حسب وزير الخارجية الروسي.
بكلمات أخرى فإن عميد الدبلوماسية الروسية المخضرم سيرغي لافروف اراد أن يوصل من خلال تصريحه رسالة للأسرائيليين مفادها بأن من يقدم الدعم لفلاديمير زيلينسكي و يتعاون مع مجموعات النازيين الجدد، التي تحارب القوات الروسية في اوكرانيا لا يمكن له أن يحظى بدعم روسيا من الآن فصاعداً.
ولكي نفهم هذه المقاربة الروسية بشكل افضل،فقد أدرك الزعيم الروسي فلاديمير بوتين منذ وصوله إلى سدة الحكم في روسيا أن إعادة بلاده المنهكة إلى مصاف الدول العظمى، بعد إنهيار الاتحاد السوفياتي السابق،يتطلب تقديم تنازلات للاوليغارشية المالية اليهودية في روسيا ولآل روتشيلد ولإسرائيل في الخارج لكي يكون ذلك بمثابة شبكة أمان لحماية روسيا من التغول الامريكي -الغربي ومنع تفكك روسيا على يدهم كما فكك الإتحاد السوفياتي السابق.
وبهذا الأسلوب الذكي فقد تمكن بوتين خلال السنوات الماضية من إعادة بناء روسيا دولة عظمى وجعلها نداً للولايات المتحدة الامريكيةبل وتفوق عليها كثيراً لا سيما في مجال الأسلحة الفرط صوتية وغيرها.
وعندما شعر بوتين بأن عملية إعادة البناء قد اسكتملت وبانه أصبح قوياً بما فيه الكفاية لقيادة عملية هادفة لإعادة تشكيل عالم متعدد الاقطاب على انقاض عالم القطب الامريكي الواحد فقد قرر الدخول إلى آوكرانيا حتى لو ادى ذلك إلى حدوث صدام مع من هادنهم في بداية الأمر لكي يأمن شرهم.
بكلمات أخرى فقد شعر الروس منذ بداية عمليتهم العسكرية في إوكرانيا أن بارونات المال اليهود ممثلين بآل روتشيلد، الذين يملكون لوحدهم نصف ثروة العالم، ومعهم الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل هم الذين يقودون الحرب ضد بلاده وهم الذين يجبرون حكومات الغرب التي يهيمنون على مفاصل إقتصادها وقرارها السياسي بتأييد الموقف ألامريكي من روسيا وتقديم الدعم العسكري والمالي للنازيين الجدد في آوكرانيا رغم أن ذلك يتعارض مع المصالح الحقيقية لشعوب بلدانهم.
ولهذا السبب فقد كشفت الانباء الواردة من موسكو مؤخراً النقاب عن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر بترحيل ممثلي آل روتشيلد من موسكو لأنهم أعلنوا بوضوح عن قرارهم الإطاحة ببوتين وتفكيك الاتحاد الروسي كما فككوا الإتحاد السوفياتي السابق.
وعليه فإنه يمكنتي القول بأن حديث لافروف عن أصول يهودية مشتركة لزيلينسكي وهتلر لم تكن زلة لسان بقدر ما كانت تندرج في إطار مقاربة روسية جديدة للموقف من إسرائيل وبالتالي من القضية الفلسطينية والقضايا العربية.
كما يجب أن لا ننسى بأنه لا يمكن فهم التصريح الأخير للافروف بمعزل عما سبقه من تصريحات روسية عن إستخدام إسرائيل للأزمة في اوكرانيا لصرف الانظار عن احتلالها الطويل للأراضي الفلسطينية، وعن أن هضبة الجولان هي اراض عربية سورية محتلة من قبل إسرائيل.
كما يجب أن لا ننسى أنه قبل إلعملية العسكرية الروسية الإستباقية في آوكرانيا كان الحديث عن مثل هذه المسائل في روسيا خافتاً جداً ،وذلك بسبب التأثير الكبير للصهاينة على مراكز صنع القرار في موسكو وخوف السياسيين الروس من اتهامهم بمعاداة السامية.
عود على بدء فقد سمح بوتين لإسرائيل بشن مئات الغارات الجوية على مواقع ايرانية وسورية واخرى تابعة لحزب الله اللبناني في سوريا.
كما منع السوريين من إستخدام منظومات الدفاع الجوي الروسية من طراز اس-٣٠٠ ضد الطيران الإسرائيلي الذي يغير بشكل دوري على على بلدهم موقعاً خسائر مادية وبشرية كبيرة.
بل وأكثر من ذلك فقد عمل حفار قبور عند نتنياهو في عملية البحث عن رفاة الجنود الاسرائيليين الذين قتلوا في معركة السلطان يعقوب عام١٩٨٢وسلم رفات أحدهم لنتنياهو في مراسم عسكرية رسمية في موسكو، ومع
ذلك فحكام أسرائيل لم يحفظوا الجميل لروسيا.
بل واكثرفعندما حانت ساعة الحقيقة وقررت روسيا إجتياح اوكرانيا بهدف معلن وهو تجريد عصابات النازيين الجدد في آوكرانيا من اسلحتهم كانت إسرائيل في مقدمة المتآمربن على روسيا وطعمها من الظهر. بعبارات أخرى فقد إختارت إسرائيل ألإصطفاف الى جانب زيلينسكي والولايات المتحدة الامريكية ودول حلف شمال الأطلسي متنكرة لكل المساعدات والخدمات
التي قدمتها روسيا لها.
بناء على ذلك فإن الإعتقاد يساورني بان الايام القادمة ستكون حبلى بالمزيد من المواقف الروسية المناوئة لإسرائيل والتي قد تصل ذروتها بفرض حظر للطيران الإسرائيلي فوق سوريا واتخاذ المزيد من المواقف المؤيدة لآيران و للشعب الفلسطيني .