الغرب الحالم بالانتصار على روسيا، لم يقرأ التاريخ جيداً...
طينة الشعوب الروسية، تختلف كثيرا عما نعرفه عند شعوب أوروبية أخرى...
عندما يتعلق الأمر بالوطن... كل شيء يهون في عيون الأغلبية العظمى من هذا الشعب...
الكثير من الروس في ألمانيا كانوا من معارضي بوتين...
اليوم، يمكن الجزم أن أكثر من تسعين في المئة من الروس في ألمانيا يقفون خلف وطنهم باعتزاز ودون أي خوف من أن يتم التعرض لهم...
ما ينطبق على ألمانيا، ينطبق على كل بقعة يتواجد فيها جالية روسية...
حتى المعارضين لضرب أوكرانيا بسبب الأخوّة السلافية، لم يعد يستطيعون تجاهل تلك النزعة العنصرية التي اجتاحت أوروبا الغربية بعد أن استطاعت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وانظمة العنصرية الشوفينية في شرق أوروبا من السيطرة على الميديا وشيطنة كل ما يمت إلى القومية الروسية بصلة...
لماذا؟
ببساطة لأن الهدف لا يزال هو نفسه منذ روسيا القيصرية:
تفتيت هذه الدولة كي يسهل نهب الخيرات غير المحدودة المخزونة في ارض وبحار وبحيرات وغابات تلك الدولة...
هل ينطبق هذا الأمر على العرب...؟
مجرد جلسة واحدة في أي مجتمع عربي في ألمانيا؛ مجرد جلسة واحدة تكفي كي يكتشف المرء مدى انتشار الانتهازية ونظرية تجنب "المشاكل" كي لا تنقطع سبل العيش...
ما ينطبق على الجاليات العربية، ينطبق بشدة على الجالية اللبنانية أو السورية التي تبلغ عندها النذالة والانتهازية والانبطاح أمام الدعايات الغربية والسكوت وحتى ممالئة المؤيدين للصهيونية خوفا من تهمة معاداة السامية المسلطة على رؤوس كل الناس...
ولأن الموضوع اليوم يجري عن لبنان يمكن القول إن نسبة الانتهازية والخنوع بين اللبنانيين تصل إلى مستويات لا يمكن وصفها ليس في الغربة فقط... بل حتى داخل لبنان...
عندما انتشر برنامج "بس مات وطن" الذي كان يتناول سكيتشات عما يحدث في لبنان طيلة فترة الحريرية السياسية، كان التركيز يجري على "المسؤول" دون تحديد من هو هذا المسؤول...
لكن، لأننا كنا نعيش فترة سيطرة جماعة الحريرية السياسية، اعتقد البعض، أو رسخت فكرة أن الفساد حكر على الحريرية السياسية من مستقبل وأمل وجنبلاطيين... الخ
في ذلك الوقت، كان حزب الله عند الشيعة بعيدا في الفترة الأولى عن كل هيئات مؤسسات السلطة، إلى أن بدأ يدخلها خطوة خطوة حتى صار جزءا مهما منها...
هو يقول أن لا دخل له بكل منزلقات هذه السلطة دون أن يمنعه ذلك من التحالف مع اركان الحريرية السياسية أكثر من مرة ومع أكثر أطرافها انغماسا في الفساد...
القوات اللبنانية الذين شاركوا في تلك السلطة قبل أن ينقلبوا عليها لأسباب لا دخل لها بمحاربة الفساد، ولا بمحاولة بناء دولة، دخلوا السجون في فترة ما ونزلوا تحت الأرض قبل أن يعاد تعويمهم بعد اغتيال الحريري الأب بسبب تاريخهم الأسود الذي كانت الولايات المتحدة تحتاج إلى بعثه لأن الأميركيين عندما يخططون، ينتقلون من تكتيك إلى تكتيك آخر، وأكثر من مرة، في سبيل الوصول إلى الهدف...
هدف الأميركيين لم يتغير ابدا منذ عقود:
تثبيت الوجود الصهيوني والعمل على سيطرة الصهاينة على كامل المنطقة سلما أم حرباً...
أما ميشال عون... والحالة التي يمثلها، فقد باعته الولايات المتحدة عند أول مفترق طرق، لتعود إلى بعثه من جديد مباشرة بعد اغتيال رفيق الحريري...
الخلاف العوني القواتي هو مجرد تفصيل...
إذا كان القواتيون مستعدين للذهاب مع إسرائيل إلى حيث قد يتردد الكثيرون، فإن العونيين هم ابطال الانتماء إلى الغرب حتى حين يكون هذا الغرب ضد مصالح الوطن...
قد يخرج من محور المقاومة من يشكك في أسباب عودة الحديث عن قضايا ترسيم الحدود البحرية وعن سبب استضافة العميد ياسين الان تحديدا لكي يتناول السلطة السياسية بكل فئاتها بالنقد، ويربط ذلك بقرب الانتخابات حيث يريد الطرف الموالي لإسرائيل وأميركا والخليج أن يؤثر على النتائج ويمنع "حلفاء" المقاومة من الانتصار الانتخابي...
ربما يكون التأثير على الانتخابات هو الهدف من هذه الضجة التي عادت أمس إلى الانفجار...
لكن سواء كان هذا هو الهدف ام لا، يجب فعلا إدانة كل السلطات اللبنانية دون استثناء بسبب ما تقوم به من خيانة وطنية بكل المعايير...
رئيس للجمهورية يبيع اجزاء من لبنان لقاء رضى أميركي كي تُرفع عن جماعته العقوبات...
رئيس حكومة يخاف سيف تلك العقوبات ويعمل على تثبيت الخيانة التي كان ارتكبها ذات يوم، حين رفض وضع الترسيم الصادر عن مؤسسة بريطانية كبرى على طاولة مجلس الوزراء...
فعل هذا بكل بساطة لأن هذا الترسيم لا يعجب اميركا، ويمنع إسرائيل من السطو على بحار كاملة وليس فقط على كوب ماء يرفع الرئيس بري شعاره كل يوم دون أن يفعل أي شيء ملموس لمنع هذا السطو...
لا بل إن الرئيس بري الذي دافع طويلا عن الخط ٢٣، لم يكن جاهلا بوجود ترسيم قانوني ١٠٠٪ يضع كل المنطقة حتى حدود النقطة ٢٩ داخل المياه الإقليمية اللبنانية...
لم يقتصر هذا الموقف الخياني على السلطتين التنفيذية والتشريعية...
فقد سكتت السلطة القضائية بدورها عن هذا الأمر...
حتى اليوم لم نسمع قاضياً واحداً يصرخ في وجه الخيانة...
تم تصوير الخط ٢٣ لفترة طويلة على أنه إنجاز وطني رغم تبين أن هذا الخط لم يكن سوى فبركة إسرائيلية أميركية من أجل السيطرة على مياهنا والانطلاق بعدها لقضم ما يمكن من الأراضي وفقا لنقطة انطلاق هذا الخط على بحر الناقورة...
قد يسأل سائل،
لماذا إذاََ لم تتخلى إسرائيل وتقبل بهذا الخط أثناء فترة من المفاوضات الصعبة التي كان يقودها المبعوث الأميركي السابق هوف...
السبب كما يبدو هو أن الإسرائيليين عندما وضعوا في فترة ما الخط على النقطة ٢٣، كام ا يعتقدون أن القوى اللبنانية كلها من المستقبل الى امل إلى جنبلاط إلى القوات، الى العونيين إلى غيرهم؛ كانوا يعتقدون أن كل هؤلاء سوف يعملون على انضمام لبنان الى منتدى شرق المتوسط وهكذا بعد أن ينتصر المشروع الصهيوني الأميركي في سوريا، سوف يتم مد أنابيب من مصر وحتى ليبيا مرورا بالمياه الفلسطينية ولبنان وسوريا وقبرص وربما تركيا، وصولا الى الداخل الأوروبي لتحرير أوروبا من التبعية للغاز الروسي...
الطبقة السياسية عندنا هي مجموعة من الانتهازيين اللصوص الذين يضعون نصب أعينهم كيفية النهب والسلب والاستمرار في السلطة إلى ما شاء الله...
فؤاد السنيورة ارسل الى قبرص رجلا لا يعرف في قانون البحار أكثر مما تعرف ليلى عبد اللطيف في المستقبل...
كل ما كان يهم فؤاد السنيورة أن يكون الرجل من زلم الحريرية السياسية، ويتبع السنية السياسية...
ذهب الرجل ووضع نقطة غباء في البحر المتوسط هي النقطة رقم واحد...
هذا الرجل الساذج في أبسط التحليل أعطى إسرائيل كل شيء بما في ذلك البلوكين ٨ و ٩ والسيطرة الكاملة على تجارة الغاز مع أوروبا...
بقية جماعة سلطة الطائف لم يكونوا أكثر ذكاءََ...
من كثرة عمليات الفساد والسرقة والنهب والإغتناء لم يعودوا يرون شيئا آخرا على الإطلاق...
بعد ٢٠٠٥، لم تكن اميركا ولا إسرائيل تحتاجان للكثير...
فؤاد السنيورة "قدها وقدود" والقوات اللبنانية أكثر تأمركا من الأميركيين عند الحاجة...
سنة ٢٠٠٨، ونتيجة انتخابات وفق تعديلات الدوحة على الطائف دخل العونيون إلى الساحة...
لا حكومة الحريري الابن ولا حكومة ميقاتي استطاعا رؤية ذلك الترسيم الآتي من وراء البحار بناء على طلب الجيش والذي وضع النقطة القانونية فعلا التي تحفظ حقوق لبنان...
إنها النقطة ٢٩...
ليس الوقت اليوم هو في لوم النواطير التي كانت نائمة عن رؤية الثعالب...
وزراء ونواب عجزوا عن رؤية مؤامرة أميركية كان نسيجها قد بدأ منذ الثمانينيات...
لم يكن مؤتمر الطائف صدفة...
كانت اميركا مرتاحة إلى الفوضى الخلاقة في لبنان...
كان هذا كفيلا بأن تفعل إسرائيل ما بدا لها، بما في ذلك السيطرة على كامل المنطقة...
صعود المقاومة الإسلامية بذلك الشكل فاجأ الأميركيين، وصار يهدد بعرقلة الأهداف الأميركية في لبنان والمنطقة...
كان يجب وضع لبنان تحت سيطرة السعودية ولو بتوافق مع سوريا...
جيء برفيق الحريري لأن قطار التسوية يجب أن يسير...
حتى اتوستراد الجنوب تم التخطيط له كي يصل إلى الناقورة، ويدخل في فلسطين...
جاءت شركة ديزني وقررت بناء عالم ديزني على الحدود الجنوبية بعد "السلام"...
في مؤتمر القمة العربية في بيروت، فاجأ الرئيس إميل لحود الجميع حين أصر على حق العودة...
الكل كان ماشيا، بما في ذلك جماعة سوريا في لبنان...
في الحقيقة كانت مسألة التوطين شبه مرفوضة من معظم الشعب اللبناني...
لذلك كان يجب إغراق لبنان في ديون كي يتم تركيع البلد يوما ليعود عن هذا الرفض...
هل كانت الطبقة الحاكمة غافلة عن هذا...؟
الارجح لا...
منذ التسعينيات بدأ الحديث عن تعويض كل لاجىء فلسطيني خمسين الف دولار مقابل التخلي عن حق العودة...
اكثر من مرة تحدث رقيق الحريري ان الدين سوف يتم إلغاءها مع التوقيع على اتفاقيات السلام...
كان كل هم الطبق الحاكمة هو وضع اليد على الثروات الموجودة فعلا والثروات الإثنية مع السلام...
في أدبياته، يتحدث حزب الله عن المؤامرة الأميركية والحصار الأميركي للبلد...
أحيانا يحتاج المرء مع الحزب إلى منجًم...
إذا كان حراك 17 تشرين ثورة، لماذا لم يجر دعم الثورة...
اذا كان الحراك مؤامرة أمريكية، إذاََ يجب التصدي لهذه المؤامرة...
تجنب الحرب الأهلية أمر جيد، لكن ما العمل إذا كان الفريق الآخر يخدم اجندة استعمارية تدميرية للبلد..
.
المهم...
أننا الآن نقف عاجزين امام اسرائيل التي قررت البدء بالتنقيب في حقل كاريش الذي يعتبر حقلا مشتركا في حال أصر لبنان على المواقف المبدئية بأن خط النقطة 29 هو حدود الدولة اللبنانية...
رئيس الجمهورية يتظاهر كأن الأمر لا يعنيه، رغم انه هو من حبس، وهو من لا يزال يحبس التوقيع على المراسيم اللازمة لجعل عمل دولة الكيان غير قانوني...
رئيس الحكومة، يحمل هموم استثماراته التي قد تصادرها اميركا إذا تجرأ ورفض التفريط بحقوق لبنان...
الرئيس بري، يعيش على امجاد ماض لم يعد موجوداً منذ أن انضم رئيس المجلس إلى سفينة الحريرية السياسية...
القضاء في لبنان لا أمل فيه...
هو تابع لاميركا وكل همه إيقاع المقاومة في أمور لا دخل لها فيها رغم كل السذاجة التي تتحكم بممثلي هذه المقاومة في السلطة...
لكن على الأقل، لدينا خطاب للسيد نصرالله، مدعوم بتصريح للنائب محمد رعد ينص حرفيا على رفض التخلي عن حقوق لبنان برا وبحرا وجوا...
الحفار انطلق من سنغافورة...
هو في الطريق...
الرئيس عون ليس قديسا، ويجب أن يوقع اليوم قبل الغد...
بعد الانتخابات سوف يكون ميشال عون قد انتهى من آخر عملية استغلال للتحالف مع حزب الله...
بعد الانتخابات لن يوقع ميشال عون المراسيم الضرورية لمنع استيلاء إسرائيل على بحرنا...
الباقون في السلطات جميعاً، سوف يخضعون لمشيئة الأميركي الذي يهدد كل واحد فيهم بفضح سرقاته وأماكن وجود هذه السرقات...
ماذا يقول الحزب اليوم...؟
ماذا سوف يقول غدا...؟
الثقة بالمقاومة عالية جداً...
لكن النق واجب حين لا نرى التصميم اللازم...