محمد النوباني,
أستطيع الجزم أن الأمور في فلسطين المحتلة متجهة بخطى متسارعة نحو جولة مواجهة عسكرية جديدة بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وإسرائيل قد تندلع شرارتها مساء اليوم او في الفترة القريبة القادمة على ابعد تقدير.
ومما يجعل من تلك المواجهة حتمية، أن حكومة بينيت الحالية، مثل حكومة نتنياهو السابقة، هي حكومة مستوطنين، تتحكم بها القوى الدينية واليمينية الاكثر تطرفاً في الطيف السياسي الإسرائيلي. ولذلك فإن هذه الحكومة ورغم إدراكها بأنها لن تستطيع خوض حرب والإنتصار فيها، سواء اكانت تلك الحرب على جبهة واحدة او على عدة جبهات، ألا انها لا تستطيع التوقف عن الإعتداء على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس وعن إستفزاز الفلسطينيين وقتلهم والاعتداء على ممتلكاتهم اولا لأسباب ايدولوجية وثانياً خوفاً من اتهامها من قبل المعارضة الاسرائيلية بزعامة نتنياهو بالرضوخ لآملاءات حركة حماس والتنازل عن السيادة على القدس أو عن الأقصى الذي يسمونه "جبل الهيكل"، وبالتالي السقوط والذهاب إلى آنتخابات مبكرة هي الثالثة في غضون ثلاثة اعوام.
ولذلك فإن رئيس تلك الحكومة المفتون ببريق السلطة نفتالي بينيت سمح للمستوطنون اليوم ، بإقتحام المسجد الاقصى تحت حماية جيشه، وآداء ما يسمى ب "الصلاة الملحمية" التلمودية في باحاته وساحاته، وكذلك برفع العلم الإسرائيلي ضارباً عرض الحائط بتهديدات مقاومة غزة التي قالت بأن تجاوز الإحتلال للخطوط الحمراء سيؤدي لا محالة إلى معركة "سيف قدس رقم ٢" التي ستكون معها معركة سيف القدس رقم واحد لعبة اطفال .
ولكي اوضح اكثر فإن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة المحاصر قد تمكنت في معركة "سيف القدس" رقم ١، التي وقعت في مثل هذا الشهر من العام الماضي من تحقيق مكاسب إستراتيجية في غاية الاهمية، منها تأكيد سفوط نظرية الامن الإسرائيلية القائمة على الحرب الخاطفة والحرب خارج الحدود وألإثبات بأن إسرائيل دولة ضعيفة وهشة وهزيمتها ممكنة وبأنها لا تستطيع خوض حرب على جبهة واحدة فما بالك على عدة جبهات حيث سيتساقط عليها فيها الآف الصواريخ في اليوم الواحد وليس عشرات الصواريخ فقط.
وباختصار يمكن القول بأن المقاومة الفلسطينية تمكنت في معركة سيف القدس رقم ١ من فرض قواعد إشتباك وردع جديدة مع الإحتلال قوامها ان أي مساس بالمسجد الأقصى او القيام بأي محاولة للإنفراد بالفلسطينيين في القدس والضفة وأراضي العام ١٩٤٨، لن تسمح به مقاومة غزة وسترد عليه عسكرياً حتى لو ادى ذلك إلى وقوع الحرب التي قد يتسع نطاقها وتتحول إلى حرب اقليمية متعددة الجبهات كما حذر السيد حسن نصر الله،امين عام حزب الله في آخر إطلالة له.
بقي القول ان إسرائيل ليست دولة ضعيفة بالمعنى العسكري فهي تملك خامس اقوى جيش في العالم ولديها ترسانة نووية، يقدر عدد رؤوسها بالمئات ، ولكنها في غاية الضعف وهناك قلق على بقائها كدولة حتى لدى سياسييها وعسكرييها ومفكريها لأنها تمارس سياسة لا يستطيع العالم المدن قبولها، وترفض التعايش حتى مع بعض الفلسطينيين الذين قدموا لها تنازلات لم يكن قادتها يتوقعونها حتى في أحلامهم.
وهذا ما سوف اتطرق له تفصيلاً في مقالة لاحقة.