عندما تُتم المطابخ السياسية ترتيب وجباتها المستقبلية أو الآنية، تأخذ في حسبانها زيادة جرعة التوابل المشكلة وفق الطلب. فحيثيات التطورات والمتغيرات الجيوسياسية تأخذها في الحسبان، من مشهدية الأهمية الأمنية، أو الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية، متجاهلة بعض العناصر التي تخص الدول المُقدم لها تلك الوجبات.
مصانع السياسة المنتشرة في العالم، لها مطبخ رئيس، يقوم على الرأسمال العالمي، والذي يُنظم ترتيب الملفات، وفق المنظور الأمني الداخلي لأفراد الدولة العميقة، التي قد تكون أصولهم مرتبطة مباشرة مع الحركة الصهيونية العالمية، و التي هي مستقطبة من كافة الدول الغربية والعربية، والتي استطاعت تجنيد من هم بعيدون عنهم في الارتباط الجيني، ولكن الاتصال قائم من مفهوم العقيدة الواحدة، وهو مايعرف "بالمصالح السياسية"، والتي تتكون من مفاهيم ومصطلحات خاصة تُشكل في غرف العمليات السياسية.
لابد بأن الناظر والقارئ للأحداث السياسية الجارية في سوريا وأوكرانيا، يستطيع أن يلحظ التشابه في التعاملات السياسية الإعلامية من حيث مجريات التطورات في الميدان العسكري أو السياسي، وقد تم التعاطي مع الدولة السورية وفق خطة مُحكمة لجهة الكثير من القضايا الأمنية، بالنسبة للشعب السوري، وانحصرت أسباب الحرب على سوريا وفق منظورهم السياسي الليبرالي، وعلى حد قولهم "أن النظام السوري يقتل شعبه". هي فكرة ابتدعها المطبخ السياسي الغربي، وبنى عليها افتراضاته الكاذبة لينشىء له فريقاً في مجلس الأمن، ومنصات الامم المتحدة، وحتى مؤسسات خاصة ووكالات إعلامية ضخمة، ليحقق بروبوغندا إعلامية خاصة خدمة للشعوب التي يبثون لها معلوماتهم، وكذلك لادواتهم الإرهابية آنذاك.
وما يجري في أوكرانيا من حرب إعلامية على روسيا، التي يعتبرها حلف الناتو معتدية، يتشابه والتعامل مع القيادة السورية من حيث للإتهامات بالإبادات الجماعية، واستخدام الكيماوي، وكذلك خلق أزمة عالمية للغذاء، وقد تخطت الحدود السياسية للغرب بالنسبة لروسيا كونها تعتبر دولة منافسة للولايات المتحدة عسكرياً واقتصادياً، و يكفيها المساحة الجغرافية التي تمتلكها ليتم الانقضاض عليها والتي كانت بداياتها تحقيق تفكك الإتحاد السوفييتي.
وبالعودة إلى سوريا التي ما زالت تحارب الإرهاب بكل أشكاله، فيما تبقى الإضافات التي تحاول الدول الغربية استثمارها وخاصة في الشمال الشرقي والغربي من سوريا، وتحديداً مع الوجود الاحتلالي الأمريكي والتركي، يحاول الفريق الأمريكي من جهة أن يستكمل نهبه للنفط السوري والقمح عبر الحدود العراقية، ومنها يتم تصدير النفط إلى اسرائيل، وكله تحت غطاء تقديم الدعم لميليشيا قسد، والنظام التركي الذي يحاول بدوره استغلال النفاق السياسي للعميل الرئيسي الأمريكي، لتكون الساحة في شمال شرق سوريا، مسرحاً للمناوشات بين الضباع المفترسة التي تتحين الفرصة للانقضاض على بعضها البعض، ولكن وفق نظرية الثعلب الماكر، وهذا ليس بغريب على صُناع السياسة في أمريكا، الذين وصفهم رئيس الوزراء الروسي سيرغي لافروف: " اليوم نرى سياسة امريكية للتفريق بين الدول وإثارة النزاعات والأزمات". والذي بدوره يؤكد على أن الحل السياسي لسوريا هو بتنفيذ القرار الأممي رقم 2254، والمستند إلى القيم الأساسية لاحترام سيادة سورية قبل كل شيء.
ومن هنا، ومع استمرار الإعتداءات التركية والإسرائيلية على سوريا، يتضح لنا جيداً أن كِلا الحليفان يعملان وفق خطة مدروسة طُبخت في مطابخ الرأسمالية العالمية التابعة أساساً للحركة الصهيونية، التي تريد فرض واقع جيوسياسي، يتماشى وحجم المال العالمي الذي تتحكم به، ولذلك نراها تحاول تنفيذ خطتها لخلق "شرق أوسط جديد" يصل ما بين نصفي الكرة الشمالي والجنوبي.