كتب الأستاذ حليم خاتون: شر البلية ما يقرف.
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: شر البلية ما يقرف.
7 تموز 2022 , 19:23 م


"نحن انتصرنا بالعسكر، وهُزمنا بالفساد..." جملة قد لا تكون حرفيا ما قاله النائب التغييري الدكتور الياس جرادي أمس على قناة الجديد المأسوف على موضوعيتها، لكنها بالتأكيد أحد أكثر الجمل المفيدة في توصيف وضع حزب الله داخل السلطة التي حكمت لبنان طيلة السنين القليلة السابقة والتي أودت به إلى ما وصل إليه من أوضاع...

النائب الدكتور، الأسير السابق الآتي من الفكر الماركسي قد يكون تجاوز الحالة الثورية التي مثلتها الأحزاب والتنظيمات الشيوعية في المئة سنة الأخيرة؛ هذا النائب التغييري أصاب جدا في التوصيف، حيث أخطأت الغالبية العظمى من النواب، سواء كانوا من الأحزاب التقليدية أو أحزاب السلطة أو المعارضة المزيفة، أو حتى مدعي حركة التغيير...

لقد أوفى الدكتور جرادي حزب الله وأعطاه حقه فيما يخص الصراع الأزلي الذي خاضه هذا الحزب، وخاضته أحزاب وحركات تحرر عربية، وسوف تخوضه أحزاب وحركات ومقاومات عربية أخرى إلى أن يزول هذا الكيان، أو على الأقل، تنتفي مهمة دور الشرطي الكابح لحركة التحرر والمانع لأي نمو أو تطور في هذا العالم العربي الكبير، وتحديدا في مركز هذا العالم الممتد من وادي النيل إلى بلاد ما بين النهرين، مرورا ببلاد الشام...

حزب الله الذي أرسل مسيرات أمس، والذي هزم حلف الأطلسي في العراق وسوريا انطلاقا من لبنان، وأجهض عسكريا على الأقل، مشروع إقامة حلقة من الدول الفاشلة حول فلسطين المحتلة؛ حزب الله هذا لا يزال يحاول دون نجاح تجاوز أسوأ وضع يمكن أن توجد فيه مقاومة...

حزب الله المبتلي بحلف غير مقدس مع أسوأ حليفين ممكن أن تبتلي بهما حركة تحرر أو حركة مقاومة، يبتلي في الوقت عينه مع بنية ذاتية مذهبية تحد من قوة انتشار مبادئ أجمعت كل المذاهب الإسلامية والمسيحية والإنسانية على سموها المشع من إشعاع أمير البلاغة والدين، علي بن ابي طالب...

نبيه بري وميشال عون...

هما أسوأ ما يمكن أن يصيب حركة تحرر وطني تسمو إلى قمة المجد، فيعيق الأول ثورية ونظافة وسمو اهداف التحرير، ويبتز الثاني حركة التحرر هذه عبر التمترس داخل قوقعة عفنة من العصبية الطائفية والمذهبية...

ما فعله نبيه بري وميشال عون لإعاقة أية إمكانية للإصلاح أو لبناء دولة العدالة الاجتماعية، أحيانا من أجل مكاسب رخيصة لا تليق بحركة التحرير، وأحيانا كثيرة خدمة لنرجسية تميز هذين الرجلين اللذين باعا المجد والتاريخ من أجل دنيا زائلة، وبطانة زائفة، واموال مكدسة في بنوك الغرب وبلاد ترزح تحت نير هذا الغرب...

نبيه بري، ابن بلدة تبنين، حيث تقوم قلعة مشابهة واكبر حجما من قلعة في جزيرة مايوركا الإسبانية... قلعة تبنين تغرق في إهمال لا يطاق كما كل شيء له قيمة تاريخية في لبنان، بينما قلعة مايوركا تحتل المركز الثاني بين المعالم التي يزورها السواح في تلك الجزيرة الإسبانية...

مدينة صور، التي تدين بالولاء لحركة أمل، تغرق في إهمال تاريخي قد يكون بدأ مع المماليك ومن ثم مع بني عثمان، إلا أن معالمها التاريخية قائمة على حالها، دون خرائط، ولا دليل سياحي ولا وريقة، ولا حتى إشارة تفيد الزائر عما يقف أمامه من أحجار بقيت صماء، لأن حركة أمل لا تزال تعيش على أسطورة السيد موسى الصدر وتغذي فسادها من هذه الأسطورة، ومن شراء ذمم الناس عبر الخدمات التي من المفروض أن تكون تلقائية وطبيعية في أي مجتمع كان...

ميشال عون، الذي قال يوما أن سيارة الفولسفاغن أفضل من سيارة الرولز رايس لأن الأولى تفي بالغرض دون دفع الثمن من التبعية وهدر الكرامة والشرف، بينما الثانية تربط سائقها برسن تمسك به الامبريالية والإستعمار...

ميشال عون هذا، يقول إن نبيه بري لم يسمح له ببناء معامل كهرباء، وهذا صحيح إلى حد بعيد لأن نبيه بري هو أحد ملوك الدولة العميقة التي في ايديها النفط والفيول والمولدات والدواء والطحين وحتى الماء والهواء...

لكن الصحيح أيضاً أن ميشال عون لم يكن يريد بناء دولة عدالة اجتماعية بقدر ما أراد بناء دولة ميشال عون وجبران باسيل، ولا يحتاج المرء لا إلى لبنان ٢٤, ولا إلى أبواق حزب القوات اللبنانية حتى يجد اين غرق ميشال عون من تلقاء نفسه، واين تم إغراقه...

في الوسط بين الفساد والنرجسية والعفن السياسي، جلس حزب الله رابكا، عاجزاً حتى الثمالة...

هل كان الحزب يستطيع غير ذلك...؟

بكل تاكيد...

كان يكفي أن يريد الحزب الخروج من القوقعة الطائفية المذهبية العفنة التي ولد داخلها والتي لم يرد أن يخرج منها إلى رحاب الله الواسعة...

كان يكفي أن يريد حزب الله إقامة جبهة وطنية عريضة لا يدخل في اهتمامها أي بعد طائفي أو مذهبي، بل مجرد مواقف وطنية وقومية وإنسانية تستند إلى نهج الامام علي والى عظمة الحسين الذي رفض أن يعطي البيعة وهي ليست إلا كلمة لخليفة الخمر والفساد، يزيد بن معاوية...

حتى الكلمة، رفض الحسين اعطائها إلى يزيد... فإذا نواب ووزراء حزب الله يقفون في لقاءات الاربعاء بالصف لإضفاء القداسة على من لا قدسية له، ويهرعون للدفاع عن عون في مواقف كان يجب صلبه من أجلها... كل ذلك باسم وفاء المقاومة ورد الجميل لمن قصد من الجميل امتلاك قوة لا يستحقها وكان يجب أن تكون قوة للوطن، والقضية. فقط، لا غير...

حتى مظلومية السيد المسيح والإمام الحسين، خرج ناصر قنديل يستغلها في تبرير بعض أخطاء محور المقاومة في عدم الرد على الصفعة بصفعة أشد، والله يعلم أن المحور أكثر من قادر على ذلك، والتاريخ الذي مضى يشهد، وكذلك التاريخ الآتي...

هل يمكن اتهام حزب الله في المبدئية...؟

سؤال محير فعلاً...

لا يكاد المرء يصل إلى الكفر بحزب الله وهذه المبدئية، حتى يفاجئنا الحزب بمواقف صلبة تعيد إلى الأذهان ذلك الامام الذي قال يوما إن قبوله بوقف النار هو أشد إيلاما من شرب السم العلقم، حين كان وقف النار بأمر من الإمبريالية الأميركية...

حتى المقارنة بين حزب الله وإيران، كثيرا ما يثير الاستفزاز...

في رسائل من محبين وأصدقاء، يقول لي البعض اني ادعوا إلى الحرب وانا بعيد في الغربة ولن يصيبني من المكروه شيئا...

لقد بدأت غربتي، يوم هزم المشروع الوطني في لبنان، ويوم رأيت نفسي في موقف معاد للنظام السوري الذي دخل في مساومات مع الأميركيين، وصار قول كلمة الحق يعني الاعتقال على أيدي من يُفترض بهم أن يكونوا حلفاء وقادة حركة التحرير...

لقد بدأت غربتي، يوم صارت الوطنية تهمة، ويوم صار الفكر اليساري كفرا وإلحادا، ويوم ذُبح المقاومون باسم إقامة الدولة ونصرة الجيش الذي لم يكن سوى ألعوبة في يد الغرب...

أجل، ذهبت إلى الغربة لأن قول ما قلته في نبيه بري ممنوع في مناطق الشيعة، وقول ما قلته في ميشال عون وما اعتقده في سمير حعجع، ممنوع في مناطق المسيحيين، أما مناطق السنة... فليرحم الله القومية العربية الذبيحة في الطريق الحديدة، حيث دُفنت الثقافة، وصُلب الفكر الثوري، وصار الهمج هم من يقرر من يتكلم ومن يستطيع التنفس...

إلى اين تسير القافلة...؟

هل سوف ينظف حزب الله نفسه يوما من لعنة المذهبية؟

هل سوف تصبح قناة المنار، قناة للمقاومة والتحليل والنقد البناء الذي يسمو بهذه المقاومة بدل الرقص على كل ضربات طبولها، حلو هذه الضربات ومرها.... أم تبقى المنار مجرد بوق يصدح بما في الإناء حتى بعد البصق فيه...؟

لبنان ليس سوى صورة عن الوضع الرديء للمنطقة...

نحن نعيش المخاض...

المطلوب هو أن تقال الكلمة التي تجعل الوليد فائدة للأمة...

كل حالة غير ذلك لن تكون سوى مأساة... أو كما يقول كارل ماركس...

أن التاريخ الذي يعيد نفسه، يصبح مسخرة...

حتى لا يكون تاريخنا مسخرة...

حتى لا يكون لبنان موطن هذه المسخرة...

على حزب الله أن يتوقف أن يكون ابي ملحم بين رواد الفساد والسرقة والنهب والصفقات...

قد يكون معظم التغييريين أكثر سوءاً من رجال المنظومة، لكنهم في بعض ما يقولونه، هم يستندون إلى الوسخ الذي أفرزته هذه المنظومة، وقبل به بكل أسف، حزب الله...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري
الأكثر قراءة ماذا بعد السويداء؟
ماذا بعد السويداء؟
هل تريد الاشتراك في نشرتنا الاخباريّة؟
شكراً لاشتراكك في نشرة إضآءات
لقد تمت العملية بنجاح، شكراً