ذاكرة مغارة / حلقة 9
مقالات
ذاكرة مغارة / حلقة 9" مراح سلامة "\ جورج حدادين
18 تموز 2022 , 15:04 م


فن الغساسنة، فن الفسيفساء، بتوقيع الأستاذ سلمان المادبي أو سلمان من حسبان، فهل من عاقل يصدق أن سلمان المادبي / الحسباني هذا بيزنطي،

لماذا يشاع أنه بيزينطي، علماً بأن خرائط الفسيفساء عمل فني أنجز في عهد مملكة الغساسنة، الممتدة بين معان الشامية و دمشق الى الجولان، من عام 128 الى عام 638 ميلادي، وكانت عاصمتهم الأولى بصرى الشام، ثم نقلت الى الجابية في الجولان،

التاريخ البيزنطي ذاته يتحدث عن حلف بين البيزنط والغساسنة ضد الفرس الساسان، أي أن مملكة الغساسنة كان معترف باستقلالها من قبل البيزنط أنفسهم، ولم تتواجد على أرضها تجمعات بيزنطية

فلماذا هذا الإصرار الرسمي والشعبي على تزييف التاريخ، وإطلاق لقب بيزنط على هذا الشعب العربي القح.

أخطر الأسلحة المستعملة لحجز نهوض الأمة، هو تزيف تاريخها، وطمس معالم حضارتها، وإلغاء مفاهيم واستبدالها بمفاهيم تسمى "تاريخية" وهي مزيفة، في سياق مخطط خبيث عنوانه تجهيل شعبنا بتاريخه وحضارته ، وغرس تاريخ ومفاهيم بديلة مزيفة، تهدف إلى طمس ذاكرة تراث حضارتنا الشرقية مقابل تشييد الحضارة الغربية اليونانية الهيلينية والبيزنطية الرومانية،

للآسف الشديد تساهم أدوات محلية بوعي أو بدون وعي في إنفاذ هذا المخطط: المناهج والإعلام والنخب ، المؤسسات الرسمية والشعبية، في ظل غياب وعي جمعي بخطورة وتداعيات هذا المخطط.

أحتل العبرانيين، أبناء عمري، مادبا حوالي عام 891 ق.م. حررها الملك ميشع، من الاحتلال العبراني، عام 851 قبل الميلاد، بعد احتلال دام أربعون عاماً.

المؤابيون هم أول من أتقن وطور سياسة الحصاد المائي، حيث اعتمدوا حفر آبار لتجميع مياه الأمطار وبناء برك لجمع الماء وتخزينه وكانت مادبا مثلاً ساطعاً لهذهالسياسة، وخارطة مادبا المؤابية تحتوي بركة كانوا أهل البلد يسمونها " بركة حبيب الطوال" وهي البركة التي ورد ذكرها في مسلة ميشع،

صورة ( 11 ) خارطة مادبا المؤابية

وفي عصر الدولة الغسانية، ذهب أسقف مادبا مندوباً لحضور مجمع خلقدونيا عام 451 ميلادي، وعرّف عنه في محضر الإجتماع، مندوب مادبا النبطية، ولم يذكر على أنه مندوب مادبا البيزنطية.

أين يقع التزييف في وقتنا الحاضر بمعرفة أو بغير معرفة، بخبث أم بسذاجة:

يقال آبار رومانية وبرك رومانية ، علماً بأن حضارة المؤابيين قد سبقت الحضارة الرومانية بأكثر من آلف عام ، والرومان هم من أخذ عنهم وتبنى سياسة الحصاد المائي المؤابية، ولا يمكن ان يكون العكس صحيحاً.

الغساسنة هم أصحاب الحضارة وفن الفسيفساء التي تميزت به مادبا، لتصبح مدينة الفسيفساء الأولى في العالم ، وصاحب مدرسة الفسيفساء هو سلمان المادي/ الحسباني، فلماذا يطلق على هذه الحضارة، الحضارة البزنطية؟؟؟

صورة ( 12 ) كنيسة الرسل وأرمة عن تاريخ الخارطة وذكر توقيع سلمان الحسباني

الغساسنة بنوا مملكة ، امتدت من معان جنوباً إلى حدود دمشق شمالاً، بداية القرن السابع إلى حوالي 633 ميلادي، كانت عاصمتها بصرى الشام، ثم انتقلت إلى الجابية في الجولان، وهم عرب أقحاح، وليسوا بيزنطي.

‏معلومات غير دقيقة ومضللة عن الغساسنة وتاريخهم

مقولة أن الغساسنة قدموا من اليمن، بعد إنهيار سد مأرب، غير صحيحة اطلاقاً و تدحضه الوقائع التاريخية، إنهيار سد مأرب حصل في منتصف القرن السادس ( 575) ميلادي،

وفي الوقت ذاته، تدحض مقولة أخرى، أن هجرة الغساسنة من اليمن قد تمت بعد "عام الأخدود " الذي حصل حسب المراجع في القرن الرابع الميلادي، بينما أقام الغساسنة مملكتهم في الأردن وجنوب سوريا وبعض مناطق من فلسطين، ابتداء من عام 128 م ، أي قبل انهيار سد مأرب بحوالي أربعة قرون، وقبل عام الأخدود بقرنين.

تحالف الغساسنة مع البزنطي ( وقبل ذلك مع الروم ، انقسمت الإمبراطورية الرومانية منتصف القرن الرابع ميلادي إلى قسمين:

روما في الغرب، الدولة الرومانية،

والقسطنطينية في الشرق، الدولة البيزنطية

وكان للغساسنة مملكة مستقلة، قوية ومنيعة وثرية، وكانت حضارتهم مزدهرة اقتصادياً واجتماعياً وعمرانياً وثقافيا، حيث عم شعراء العرب قصور الغساسنة،

اعتنقوا المسيحية الأرثوذكسية المشرقية المعروفة في سوريا آنذاك باليعقوبية.

كان الغساسنة رعاة الأدب والشعر، فقد التحق بالغساسنة لمدحهم جهابذة الشعر " الجاهلي "

مثل لبيد بن ربيعة والنابغة الذبياني وحسان بن ثابت.

يتبع

المصدر: موقع إضاءات الإخباري