الإطاحة بالدولار \ مها علي
مقالات
الإطاحة بالدولار \ مها علي
18 تموز 2022 , 21:55 م


مها علي


إن المعركة بين الرئيس بوتين والولايات المتحدة هي معركة وجود, فالمعركة ليست فقط ضد الولايات المتحدة كدولة بل هي معركة ضد جميع المؤسسات المالية التي تشكل النظام العالمي الحالي , وذلك لأن هذه المؤسسات هي التي أعطت لأمريكا الهيمنة الاقتصادية على كل دول العالم, و هي من جعلتها تفرض عقوبات, وتُشل اقتصاد دول وبالتالي فإن روسيا تعرف أن المعركة الاقتصادية التي تخوضها الآن مع جميع الدول الغربية هي أهم من المعركة العسكرية الدائرة في أوكرانيا, لذلك نلاحظ أن الرئيس بوتين من بداية ولايته هدفه تحطيم الدولار, وتحطيم المؤسسات المالية الداعمة له, وفي هذا المقال سأحاول أن أذكر لكم أهم الخطوات:

إن أول خطوة وهي الأهم أنه تعاون مع دول كبيرة مثل الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وأنشؤوا تحالف البريكس عام 2009,

وجميعنا يعلم أن لهذه الدول تأثير كبير على الاقتصاد العالمي,

لذا اجتمعت روسيا والصين على مبدأ واحد بأن النظام المالي العالمي هو نظام فاسد, واتفقتا على وضع استراتيجية إصلاح الوضع الراهن , وذلك بإنشاء مؤسسات بديلة وتنميتها بالتدريج حتى يتم تهيئة الوقت لإعلان نظام مالي جديد لجميع دول العالم.

بعد أن بدأت الحرب بين روسيا وأكرانيا وقامت أوروبا بتطبيق العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة ضد روسيا, واستغلتها بشكل سيء, لأجل عزل روسيا عن العالم , لكن الأخيرة لم تستسلم ولم تنعزل , وقام بوتين بأخذ القرار الذي كان مؤجل وهو قرار إخراج الدولار من معادلة النفط والغاز , وفعلاً تم تنفيذه, للقضاء على الوضع الراهن, فكيف تم هذا؟

لم يخفَ على بوتين أن أهم خطوة كانت خلق نظام بديل للسويفت(swift)

لأن أول عقوبة من الغرب ضد روسيا كانت فصلها عن نظام سويفت, وهذا أدى لشلل كبير في الإقتصاد الروسي, لأنها لم تعد تستطيع التواصل مع عشرات الدول على مستوى العالم, ومن هنا نعلم أن الصين كانت جاهزة لدعم روسيا في هذا المجال لأن لديها نظام مستخدم في التبادلات التجارية بينها وبين روسيا, ويشترك به 103 دول , بالإضافة إلى 1280 مؤسسة, كما لا أخفيكم أن دول أوروبيه مشتركة بهذا النظام , والشيء الأكثر أهمية في هذا النظام أنه قائم على التداول في العملة الصينية (اليوان), وهذا النظام استخدم مع إيران في عامي 2012 , 2013 , واستحضرنا إيران الآن لأجل القول أن روسيا أنشأت نظام خاص بها , وربطته مع نظام إيران, لأجل التجارة الحرة بينهما, وذلك لأن إيران أيضاً تخضع للعقوبات من الولايات المتحدة, وقد أعلنت انضمامها لهذا النظام.

كانت دول البريكس اتفقت مُسبقاً على إيجاد عملة جديدة موحدة بينهم خاصة بهم, لأجل الإستغناء عن الدولار, وإحلال الأمن للجميع, وكانوا يدركون أن الدولار لن تتم إزاحته بسهولة, وأن هذا الإجراء يحتاج إلى فترة من الزمن, ولكن هذه تُعتبر خطوة أولية وأساسية.

أما الإجراء الثاني الذي قامت به دول البريكس لأجل إزاحة الدولار فهو إيجاد نظام بديل عن فيزا وماستر كارد , اللتين علّقتا عمليهما في روسيا أيضاً بعد بدء الحرب في أكرانيا, فكان الإعتماد على نظام (يونيون باي) أو (UnioPay) وهي شركة خدمات مالية صينية مقرها في شنغهاي, الصين, توفر خدمات البطاقات المصرفية التي يتم استخدامها على الأنترنت في جميع الدول, وقد تأسست عام 2002,

ومع هذه الخطوة استطاعت دول البريكس الخروج أكثر من تحت عباءة النظام الدولي المنقاد من الولايات المتحدة,

والملفت أن عدد البطاقات التي تم بيعها من يونيون باي هي 7,5 مليار بطاقة, أي أكثر من عدد البطاقات التي بيعت من فيزا وماستر كارد,

فمنذ عام 2006 تستخدم البرازيل هذا النظام, و70% من مؤسسات البرازيل تتعامل مع الصين, وبعض المؤسسات في أوروبا ضمن هذا النظام أيضاً,

وفي روسيا نجد 90% من المؤسسات المالية تستخدم نظام يونيون باي,

فماذا تستفيد دول البريكس من هذه الخطوات أي: (بديل نظام السويفت ونظام يونيون باي , والبنك الدولي الخاص بها؟

إن أهم إفادة لها هي تجنب العقوبات الغربية, ومتابعة التبادل التجاري وعدم العزلة عن العالم , بالإضافة إلى تخفيض الرسوم عن التي كانت تفرضها فيزا وماستر كارد,

والإفادة الأخطر والأهم هي الهروب من مراقبة الولايات المتحدة والدول الغربية لما يحصل من تبادل بين دول البريكس,

نصل للإجراء الثالث والأخطر من قبل دول البريكس لأجل الإطاحة بالدولار, وهو إنشاء بنك التنمية الجديد, البديل عن البنك الدولي الذي يفرض شروط صعبة على التمويل للدول, فكانت مهمة بنك التنمية الجديد تمويل المشروعات للبنى التحتية في دول البريكس وقد بدأ رأس مال هذا البنك بمئة مليار دولار, وهذا البنك قام بتمويل ثمانين مشروع برأس مال حوالي 40 مليار دولار, والجميل أن هدف هذا البنك هو إلغاء استخدام الدولار بالتدريج واستخدام العملات المحلية, ولكن حتى الآن تم استخدام 30% من المشاريع بالعملات الوطنية لدول البريكس, والجوهري في البنك أن الإقراض للدول يكون بالعملات المحلية وهذا هو مشروع إزالة الدولار وإلغاؤه, علماً أن هذا البنك حصل على أعلى تقييم في العالم تقريباً من المؤسسات المالية في اليابان, ومن المؤسسات المالية الغربية نفسها, والمفيد في هذا التقييم العالي يدعم سهولة الإستلاف لبنك التنمية من الدول الغربية وذلك يخفف عبء الإستلاف عن دول البريكس, لأن الإقتراض يعتمد على تقييم الإقتصاد للدولة المُقترِضة, خاصة أن تقييم اقتصاد غالبية الدول انخفض بعد جائحة كورونا , وهذا البنك يستطيع الإستلاف لأي دولة بسهولة مع التقييم العالي الذي اكتسبه, كما أن دول البريكس وضعت شروط سهلة للإقتراض من البنك, وهذا يدعم استمرارية عملة ومضاعفته.

والإجراء الرابع أن دول البريكس قررت إنشاء تحالف البورصات, أي يعملون بورصات خاصة بهم, ويضعون ضمنها الشركات الكبيرة الخاصة بهم, ويتم التعامل بالأسهم الخاصة لهذه الشركات بالعملات المحلية, لأجل القضاء على الدولار.

نصل للإجراء الخامس وهو استخدام العملات المحلية في التجارة الداخلية ما بين دول اتحاد البريكس, وهذا التعامل بدأ من عام 2014 بعد أن فرضت دول الغرب عقوبات على روسيا وحينها بدأ الحديث عن فصل روسيا عن نظام سويفت وتجميد احتياطها من الدولار, لأجل هذا قالت دول البريكس سنقوم بنفس الإجراء ونعتمد على العملات الوطنية في تبادلاتنا التجارية ولسنا بحاجة للدولار, والآن 90% من التبادلات التجارية بين الصين وروسيا تقوم بالعملات المحلية, وكذلك جنوب افريقيا 65% من تبادلاتها بالعملات المحلية,

والجدير بالذكر أن الصين أطلقت خطوتها الذهبية لإزالة الدولار وذلك من خلال إنشاء عقود آجله للنفط بالعملة الصينية وهي اليوّان, وهذا يعكس ثقة الدول المُصدرة للنفط بالعملة الصينية , والإبتعاد عن الدولار, وذلك سيؤدي بالتدريج لزيادة قيمة اليوان وانخفاض الدولار, وإن سألتم ما هو السبب الذي يجعل الدول تثق بالتعامل مع اليوان الصيني , سأقول بأن الدول تستطيع استبدال اليوان بالذهب من البورصة في شنغهاي, وهذا نفس السبب الذي جعل الدول تثق بالدولار سابقاً حيث كانوا يستبدلوه بالذهب في أمريكا من عام 1971.

المصدر: موقع إضاءات الإحباري