كتب الأستاذ حليم خاتون: هل يمكن مناقشة السيد بهدوء؟
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: هل يمكن مناقشة السيد بهدوء؟
26 تموز 2022 , 21:16 م

حرب تموز ٢٠٠٦...

استضافت مي شدياق النائب السابق من حزب الله السيد نواف الموسوي...

ليس حباً بالمقاومة بكل تأكيد...

مي شدياق هي أقرب إلى تلك العجوز في قصة الأميرة النائمة التي تحمل التفاح المسموم تقدمه إلى الاميرة الجميلة...

مع ابتسامة ملؤها الحقد واللؤم، توجهت مي شدياق إلى السيد نواف بالاشارة إلى جملة أعرب فيها السيد نصرالله عن الألم الذي يعصر قلب القائد حين قال إنه لو كان يعلم مدى الدمار والقتل والموت الذي سوف ينتج عن عملية الأسر، ربما اختلفت الأمور...

هل أخطأ السيد في التعبير يومها؟

الأكيد أن السيد رغم الألم الذي يعصر قلبه ما كان ليتراجع عن حرب كان مقدرا لها أن تغير وجه الشرق الأوسط...

حتى عظماء القادة التاريخيين، يجب النقاش معهم في الكثير من الامور...

هذا ما حصل مع (ماو تسي تونغ) في الصين؛ هذا ما حصل مع قائد الثورة الفيتنامية (هو شي منه)..

هل يمكن لقائد تاريخي أن يخطئ؟ وإذا حصل، هل يجب السكوت والقبول أمام وهج عظمة القائد؟

نحن الجيل الذي ذاق مرارة هزيمة حزيران ٦٧ في الطفولة...

عشنا هذه الهزيمة منذ سنين طفولتنا الأولى، كما عشنا كل الهزائم العربية التي حملها تاريخنا حتى قبل الولادة...

شعور المرارة لم يفارق جيلنا إلا في لحظات مجيدة مثل معركة الكرامة في الاردن أو إغراق المدمرة إيلات، أو عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف رغم ما انتهت إليه حرب تشرين ٧٣ من نصر بطعم الهزيمة، هذا إذا كان هناك نصر من الأساس...

قد لا يعرف الكثيرون من الجيل الشاب الآن، بما في ذلك حركات المقاومة، ذلك القائد العربي العظيم جمال عبد الناصر الذي كان عن جدارة أحد أهم قادة حركات التحرير والاستقلال في القرن العشرين، والذي جعل من القاهرة قبلة الأحرار، واستطاع أن يواجه الاستعمار القديم ويهزم الرجعية العربية ويكون زعيم العالم العربي دون منازع إلى درجة أن معظم الأطفال كانوا يعتقدون فعلا أن جمال عبد الناصر هو رئيس الجمهورية في بلدهم...

لا زلت أذكر اصفرار وجه مدرًسة اللغة الانكليزية البريطانية حين سألتني عن اسم رئيس جمهورية لبنان، وكان جوابي، جمال عبد الناصر...

كنا جميعا نعتقد فعلا أن عبد الناصر هو الرئيس...

ما وصله السيد نصرالله حتى اليوم من مركز معنوي في حركة المقاومة العربية، لم يصل بعد إلى ما وصله عبد الناصر...

رغم وهج الهالة العظيمة المحيطة بعبد الناصر، نجد اليوم أن هذا القائد العظيم قد أخطأ، في أكثر من حالة، وفي أكثر من موقع...

نسأل باستغراب لماذا لم يتواجد من يخرج إلى الرئيس عبد الناصر، ويقول له أين اخطأ، هنا او هناك...

هل كان يجب وضع الثقة العمياء بعبد الحكيم عامر مثلاً، خاصة بعد تجربة مأساة فشل تجربة الوحدة مع سوريا؟

هل كان يجب الثقة بالقيادة السوفياتية دون أخذ الحيطة خاصة أن الذين كانوا يعرفون ذلك البلد، كانوا على علم بمدى سيطرة "اليهود الصهاينة" على الحزب الشيوعي السوفياتي وعلى مفاصل الدولة السوفياتية...

هل كان يجب الموافقة على وقف إطلاق النار بعد خسارة سيناء سنة ٦٧؟

أما كان الأجدر اللجوء إلى الفدائيين كما في الخمسينيات ضد الإنكليز في السويس؛ أو الإسرائيليين في غزة...

لقد احتل هتلر باريس...

المانيا في تلك الأيام هي أقوى بكثير، ومن أكبر الدول العظمى...

ألمانيا أقوى من إسرائيل بكل تأكيد...

رغم هذا لم يستسلم الفرنسيون، وشنوا حرب مقاومة شعبية، لعبت دورا أساسياً على الأقل في حفظ موقع فرنسا بين الدول العظمى بعد انتهاء الحرب... لم تطلب ولم توافق المقاومة الفرنسية على وقف لإطلاق النار، كما فعل عبد الناصر...

في حديث السيد نصرالله أمس على الميادين مع الاستاذ غسان بن جدو، ظهر نوع من الثقة بالنصر الحتمي والقضاء على دولة الكيان، لكن مع نوع من فرملة الحديث عن قوة المقاومة...

كأننا بالسيد نصرالله يقف أمام تلك المعضلة التي تريد النصر دون وقوع شهداء...

كأن السيد يعود إلى تلك الأيام من تموز ٢٠٠٦، فلا يريد تهجير ولا نزوح ولا قصف ولا دمار...

من المفهوم جداً أن يحزن القائد للضحايا...

لكنها سنة الحياة...

لا يمكن الحفاظ على الكرامة والحرية والسيادة دون دفع الثمن بالدماء...

يقول غاندي إنه يكره لعبة الشطرنج لأن الجندي يجب أن يموت كي يحيا الملك...

قد يكره السيد نصرالله الحرب لأن الناس تموت في الحروب...

لكن الموت يظل افضل ألف مرة من حياة العبيد في عالم "الزنوج والامريكان"، كما يقول الشيخ إمام... هذا ما علمنا إياه تشي غيفارا...

فاجأنا السيد نصرالله بما يشبه القبول بما ذهبت إليه السلطة في لبنان في عملية الترسيم...

السيد نفسه يقول إن الاقتراح اللبناني مجحف جداً بحق لبنان...

السيد نفسه يقول إن ما يضعف البلد ويدفعه الى الركوع والقبول بهذا الظلم هو خوف أهل هذه السلطة على مصالحهم الشخصية...

إذا، هل يعقل أن توافق المقاومة على خسارة لبنان لحقوقه فقط لأن أهل هذه السلطة يبيعون الوطن من أجل مصالحهم الشخصية...

في تبرير هو اقبح من الذنب يتحدث بعض المعلقين دفاعاً عن موقف المقاومة بالقول إن ما سوف يجري سوف يكون خطاََ ازرقا بحريا، كما الخط الازرق البري... نوع من ربط نزاع دون اعتراف من المقاومة بأن هذه هي الحدود التي سوف توقع السلطة على تبنيها رسمياً...

هل نحن مجبرون على هذه المساومة..؟

هل يجب أن يخسر الوطن حقوقه من أجل تغطية سرقات أهل السلطة وسوء الإدارة وعدم أهلية الرؤساء والوزراء والنواب والقضاة...؟

هل يعقل أن تكون النائب پولا يعقوبيان ابعد نظرا من المقاومة في تقديم مشروع في مجلس النواب يلزم السلطة باعتماد الخط ٢٩ حدوداً للمياه الاقتصادية بينما يصمت نواب المقاومة وسط صمت بقية المتآمرين على حقوق الوطن؟

يتناول السيد مسألة ضعف الثقافة والعلم عند الكثيرين من شعب لبنان... ماذا عن كوادر المقاومة الذين لم نجد براعة ثقافية أو علمية لهم ألهم إلا في المجال العسكري... شكرا أخ عماد مغنية وبقية القادة العسكريين...

اين كوادر الاقتصاد والمال عند أهل المقاومة...

حتى ضيوف المنار من هؤلاء هم اقرب إلى تقنية البروباغاندا بدل الإلمام بمواضيع الساعة...

اعطوني خبيرا واحداً يكون من وزن الدكتور خليفة في المواثيق الدولية واتفاقات الحدود...

رداً على غباء القوات قليلاً ما نرى أمرا غير غباء مضاد لا أكثر ولا أقل...

لقد تحدث السيد نصرالله مطولاً، وتناول أكثر من موضوع...

هناك الكثير مما يثلج قلب الجماهير صحيح، لكن هناك أيضاً ما يوجب نظرة أكثر عمقاً...

الأمر الطارئ اليوم هو مسألة الترسيم لذا توجب تناول هذه المسألة تحديداً...

لكن مسألة عدم التوازن في الموقف بين السلطة والثورة هو أيضاً أمر خطير...

لذا، على المقاومة أن تحسم أمرها في هذه المسألة...

المقاومة هي ثورة بشكل من الأشكال...

لا يمكن للثورة أن تتبنى موقف

سلطة هي نفسها تقول عنها انها فاسدة، وإنها تبيع الوطن من أجل مصالحها الذاتية...

المشوار مع حزب الله طويل...

يبدو أن السيد نصرالله قد قرر اخيرا الانغماس في أمور الداخل...

على الاقل هذا ما قاله...

فهل سوف نرى مواقف أكثر جذرية في الوقوف مع الناس بدل لعب دور الدرع في الدفاع عن الفاسدين..؟

كل يوم يثبت جماعة ما يسمى التغيير، أنهم من أسوأ ما يمكن أن تبتلى به ثورة...

مع هؤلاء، يشعر المرء أنه أمام باختيار الإيراني أو كيرينسكي الروسي ممن يخرج من بين صفوف الجماهير ليكون درعا للنظام...

سواء اعجب هذا الأمر جماعة حزب الله ام لم يعجبهم، لقد لعب الحزب هذا الدور الرمادي الأقرب إلى السواد طيلة سنين...

اليوم يلعب التغييريون هذا الدور...

فهل سوف تخرج قوة ثورية جديدة من بين الجماهير لتصحيح الأمور أم أن حزب الله سوف يعود إلى رشده وبقود عملية التغيير بدل أن يسمح لليمين أن يجعل منه وقود هذا التغيير...

إن غداً لناظره قريب...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري