كتب الأستاذ حليم خاتون: هل يمكن كسب هذه الحرب؟
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: هل يمكن كسب هذه الحرب؟
28 تموز 2022 , 22:55 م


هل أخطأ احمد عرابي حين خطى خطوة إلى الأمام ثم توقف ولم يتجرأ على الخطوة التالية في الثورة على الخلافة الفاسدة في الآستانة؟...

هل أخطأ محمد علي حين باع مجد الأمة، والمجد الشخصي لقاء مُلك على مصر والسودان؟...

يقول الوزير الاشتراكي الفرنسي شوفينمان، إن الغرب لم يتوقف يوماً عن التآمر على الأمة العربية والعمل على منع أي أمل بوحدة هذه الأمة خوفاً من القوة الكامنة القادرة على تحرير هذا المارد من داخل صومعة التخلف والموت في الماضي...

من أجل هذا، تبنى الغرب أسطورة عودة شعب الله المختار لبناء الهيكل الثالث...

كاد التيار الذي يريد إقامة الدولة اليهودية في أوغندا في إفريقيا يكسب في مؤتمر بازل في سويسرا... لكن دول الاستعمار الغربي تدخلت في الوقت المناسب وبدأت موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين حتى أيام السلطنة العثمانية...

يتحدث كثيرون عن أهمية أمن الكيان بالنسبة إلى دول الاستعمار المختلفة؛ لكن الحقيقة هي أن لهذا الكيان دور عليه لعبه...

عندما يقول السيد نصرالله أن الحرب ضد الكيان أقل وطأة من محاربة الفساد، يحاول السيد الفصل بين حرب الكيان المباشرة على هذه الأمة، وتلك الحرب غير المباشرة... وهذا مستحيل...

أكثر العارفين بهذه الاستحالة هو السيد حسن نفسه...

ألا يردد حزب الله ليل نهار إن ما يجري في لبنان هو حصار وحرب اقتصادية؟

إذا، لا يمكن الفصل بين القتال في فلسطين أو على الحدود، والقتال ضد الحرب الاقتصادية...

حتى محمد انور السادات عرف ذلك حين صرح بعد حرب تشرين ٧٣ إن ٩٩٪ من الأوراق هي في يد أميركا...

لم يخطئ السادات في التشخيص... خطأ السادات المميت هو في الرهان على سلوك طريق العبودية للوصول إلى التحرر...

النظام الرسمي العربي كله يعرف هذه الحقيقة؛ لكنه، كما السادات، لا يريد الصدام مع الإمبريالية للوصول إلى الحرية...

حتى بعض "الثوار"، لم يخرج عن هذه الطريق...

ألم يجر ياسر عرفات منظمة فتح إلى ذلك الفخ؟

ألم يجر معه نايف حواتمه والجبهة الديمقراطية...

حتى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين انقسمت على نفسها، واضطر الدكتور جورج حبش إلى الانزواء في دمشق حتى لا يقع لقمة سائغة في فم التنين كما حصل مع أبو علي مصطفى شهيداً أو احمد سعدات أسيراً...

يواجهني بعض الرفاق أني متهور ولا أرى غير الحرب وسيلة للتحرير ومواجهة الفساد...

يحاول البعض حشري في الزاوية سائلا عما كنت فاعل لو كنت مكان قيادة حزب الله...

الإجابة ليست صعبة...

هو تاريخ هذه الأمة في القرون الماضية منذ الحروب الصليبية إلى يومنا هذا...

لو سلك غاريبالدي سلوك احمد عرابي أو محمد علي، لما وُجدت إيطاليا الحديثة ولما عرف العرب سيارة الفيات...

لو قبل بيسمارك قبل حوالي القرن ونصف بمخططات فرنسا وانكلترا، لما تم توحيد ألمانيا الحديثة التي تعتبر اليوم موتور القارة الأوروبية في الاقتصاد...

أكيد أن لا إجابة واضحة في جملتين على كيفية العمل من أجل مواجهة الإمبريالية بشقيها الصهيوني في فلسطين، والرجعية في الوطن العربي، واتباع هؤلاء في لبنان...

لكن يجب عدم الضياع في تحديد العدو...

العدو هو ليس فقط إسرائيل؛ العدو هي اميركا والغرب وحتى بعض الشرق حين يرى هذا الشرق مصالحه مع إسرائيل...

العدو هو كل الأنظمة التابعة لهؤلاء، أو التي تقاتل ضد حركات التحرر والتحرير...

العدو هو الداخل الذي لا يفوت فرصة دون أن يخلق المصاعب من أجل إسقاط الوطن...

العدو هو ذلك الذي يدعي من جهة أنه ضد إسرائيل، ثم يطلب منك التمييز بين هذا الكيان وبين الإمبريالية، وكان هناك اختلاف جوهري بين الاثنين...

العدو في الداخل هو كل من يمنع قيام دولة قوية عادلة لا يمكن أن تقوم ضمن نظام طائفي، يشكل حزب الله أحد فروعه...

يحاول المرء تفسير قول السيد نصرالله أن حزب الله يملك تصورا فعلياً عن هذه الدولة القوية العادلة، فلا يجد إمكانية لذلك طالما أن هذا الحزب يصر على استمرار نظام الطوائف في لبنان...

القول إن إمكانية حل أزمة لبنان، هي مهمة سهلة ليس مستغرباً على الإطلاق...

يكفي أن يكون من يريد القيام بهذه المهمة صادقاً مع نفسه، ولا يقول الكلمة وعكسها في نفس الوقت ولا يقوم بفعل وعكسه في الوقت نفسه...

في لبنان ١٠٪ من الغنم مع امل، ١٠٪ مع جعجع، ١٠٪ مع عون، حوالي ١٠٪ موزعون بين كتائب، ومردة وجنبلاط، حوالي ١٠٪ سنة مع السعودية، ١٠٪ سنة محتارون..

الباقون يستطيعون تشكيل بداية...

هم يحتاجون فقط إلى قوة لا تتردد...

هؤلاء يحتاجون أن ينظروا أمامهم، ويجدوا برنامج نضال واضح...

قوة لا تضرب العملاء يوما ثم تغازلهم في اليوم التالي...

قوة لا تقوم بمساومات تؤدي إلى قانون انتخاب لا يملك من مقومات العدل شيئا...

قوة لا تذهب الى الدوحة لإيصال ميشال سليمان إلى سدة الرئاسة وتسليم عاصمة المقاومة صيدا إلى فؤاد السنيورة...

قوة لا تعطل البلد سنتين لإيصال ميشال عون إلى الرئاسة، ولا تفعل شيئا خلال ١٥ سنة من أجل فرض إقامة معامل كهرباء أو القضاء على مافيا الاحتكارات...

يقول السيد أنه مستعد لجلب الفيول مجانا إلى لبنان من إيران، لكنه يشترط قبول السلطة في لبنان بذلك...

بكلام آخر، يطلب السيد نصرالله موافقة إسرائيل وأميركا على ذلك؛ إلا إذا كان السيد يريد تجاهل أن قرار السلطة في لبنان هو في يد اميركا، ومن يقول اميركا، يقول إسرائيل...

ماذا يريد السيد قوله؟

هل يريد من شعب لبنان الثورة على هذه السلطة؟

ألن يدعوهم للانسحاب من الشارع خوفا من الفتنة حين يقوموا بالثورة، فينتهي الأمر بنا أن نستبدل بعض السفهاء من البرلمان، بأمثال وضاح صادق، أو سينثيا زرازير او غيرهما ممن يحمل من التغيير، الاسم فقط...

أكثر من ثلاث ساعات تحدث السيد، ثم لم يجب على سؤال حول إعادة نفس الطقم من نواب الحزب... طقم تراوح بين الفشل والسلبية...

عندما انتقد كاتب هذه الأسطر طريقة تلزيم المرفا للفرنسيين دون أية شفافية، حصل على إجابة أن الوزير حمية يتمتع بمصداقية عند السيد...

مرة اخرى وأخرى...

نحن تعرضنا إلى هزيمة المشروع القومي العربي الذي قاده جمال عبد الناصر، لأن حاجزا قام بين القائد وبين الشعب... وبصراحة لا نريد إعادة التجربة...

نحن لا مشكلة عندنا أن تتلاقى مصالح القومية العربية مع المشروع القومي الفارسي لأن عدونا واحد: إسرائيل...

نحن حين صدقنا أردوغان، رحبنا بتلاقى مصلحة القومية العربية مع القومية التركية...

لكن أردوغان مصمم أن يكون دوما في خدمة الإمبريالية... صورة أخرى عن شاه إيران...

لا يهمنا نباح سمير جعجع أو سامي الجميل أو ميشال معوض أو أشرف ريفي أو أي من هؤلاء الخونة... أجل خونة...

عندما يرى المرء اللون الابيض، عليه أن يقول إنه اللون الابيض...

كذلك فؤاد السنيورة أو فؤاد مخزومي أو أشباه الرجال...

هؤلاء مجموعة من الخونة...

مكان هؤلاء على المشانق...

حتى الفاسدين الذين لم يصلوا مستوى الخيانة، هم موضوعيا خونة لأنهم ساهموا ويساهمون في إسقاط الوطن...

كيف يمكن بناء دولة قوية عادلة دون مواجهة هؤلاء؟

إذا كان الطب قد اكتشف دواء يشفي من الخيانة غير حبل المشنقة، عليكم بهذا رحم الله امواتكم...

لكن العلاج الوحيد الذي عرفته الشعوب التي انتصرت هو تقويم المجتمعات بحد السيف...

أجل، لا مجال غير الحرب...

الحرب مع الاصيل، كما الحرب مع الوكيل...

ليس لأن كاتب هذه الأسطر يعشق القتل والحرب، بل لأن التاريخ لم ينبئنا بغير هذا الحل...

سوف يسقط آلاف مؤلفة في هذه الحروب، هذا أيضاً صحيح...

لكن كما قال السيد نفسه،

إذا لم نأخذ حقوقنا اليوم بقليل من الجهد والعزم والثبات، سوف ناخذ هذه الحقوق بالكثير من الدماء والخسائر والضحايا في المستقبل...

الذي يعتقد أن الصهاينة سوف تصحو ضمائرهم يوماً، فيحزمون الحقائب ويعودون من حيث أتوا، هو فعلا من يعاني من احلام افلاطونية...

اسقاط دولة نووية صار لديها قواعد في الخليج وآسيا الوسطى وبعض دول شمال وشرق إفريقيا لن يحصل دون حروب دموية...

عدم خوض هذه الحرب الدموية سوف يعني فقط مزيد من الازمات والانهيارات الاقتصادية والجوع وانهيار القيم الأخلاقية وانتشار الفوضى كما حصل في العراق وكما يحصل في سوريا ولبنان...

ثمن الحرب أخف ألف مرة من ثمن الخضوع...

الآن الآن وليس غدا...

لو استمعنا إلى تحذيرات أهل العلم والاقتصاد منذ التسعينيات، ووضعنا حدا للسلطة الحاكمة منذ ذلك اليوم، لما كان بعض السفهاء في لبنان يضعون أزمة الخبز في ذمة بضعة نازحين سوريين...

كأن المنار أرادت الرد على وصف معظم ضيوفها بقلة العلم والثقافة؛ في أقل من ٢٤ ساعة، اتحفتنا المنار بمقابلة مهمة مع الدكتور عبد الحليم فضل الله الذي نفتقد أمثاله في البرلمان بدل الأصنام التي تحضر ولا تتكلم، ثم مقابلة مع الدكتور علي فياض الذي حار ودار محاولا دون جدوى اقناعنا بأن شيئا قد ينتج عن لجنة المال والموازنة... كأن خطوة إلتعديلات على قانون السرية المصرفية يعوض عن الموبقات التي ارتكبت هناك...

خطوة صغيرة ضرورية، لكنها بالتأكيد غير كافية...

حتى عتاة الدفاع عن النظام الرأسمالي العالمي في أميركا يقرأون كارل ماركس، بينما يدفن البعض رأسه في الرمال عندنا مكتفيا ببعض القصاصات التي لا تسمن ولا تغني من جوع...

أيضاً، وكما قال السيد نصرالله، واقتباسات من الكاتبة الاميركية فيرجينيا وولف:

معرفة جزء من الحقيقة قد يكون أحيانا أسوأ من عدم معرف الحقيقة بشكل مطلق...

نصف علم، ونصف ثقافة هو مأساة الأغلبية العظمى ممن يعتقدون أنهم وحدهم يملكون الحقيقة...

ألا من جرس يوقظ هؤلاء...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري
الأكثر قراءة الشرق الأوسط الجديد بين حربين 2006-2023
الشرق الأوسط الجديد بين حربين 2006-2023
هل تريد الاشتراك في نشرتنا الاخباريّة؟
شكراً لاشتراكك في نشرة إضآءات
لقد تمت العملية بنجاح، شكراً