كتب الأستاذ حليم خاتون: نكسة السابع من آب
ثقافة
كتب الأستاذ حليم خاتون: نكسة السابع من آب
9 آب 2022 , 10:25 ص


بكت ام كلثوم بعد نكسة ٦٧...

بكى ابي...

كنت طفلاً رأى أبيه يبكي...

تذكرت ناصر عندما جاء يزور ملك مدينة كانو...

يومها كنا عرفنا ناصر الذي يساعد الحكومة الفيدرالية على الحفاظ على وحدة الأراضي النيجيرية بينما إسرائيل وفرنسا تعملان على انفصال إقليم بيافرا الغني بالنفط...

رأينا لاول مرة شكل الطيارين الروس...

أخذني ابي إلى المطار لارى طائرات الميغ ١٥ و١٧...

هل بكت سناء، الفتاة الصغيرة الشقراء الجميلة التي اختارتها المدرسة لتقديم باقة الزهور لمارد العرب...؟

أقفلت كل المصالح يوم الزيارة...

اصطف الجميع على جوانب الطرق...

الكل يريد رؤية الرجل الذي هزم بريطانيا وفرنسا وإسرائيل سنة ٥٦...

منذ السنين الأولى كانت صورة عبدالناصر في كل البيوت...

حتى بيت جدتي في جويا، كانت تزينه صورتان غلب عليها التناقض المرير...

عرفت صورة ناصر لأنها في كل البيوت، وفي كل قلوب العزة والكرامة التي أعادها ناصر بعد نكبة ٤٨...

سألت عن الصورة الأخرى...

قيل لي انها للملك حسين، سليل العائلة العلوية الشريفة...!!!

لكن الذي أعاد العزة للعرب يومها كان ضابطا مصريا من صعيد مصر...

منذ السنين الأولى علمني ابي أن عبد الناصر هو الذي سوف يستعيد فلسطين...

علمني ان عبد الناصر هو من بنى السد العالي في مصر قبل أن تحوله أموال الخليج إلى سد مهدد بالعطش بفضل سد "النهضة" في الحبشة...

علمني ابي أن إسرائيل تخطط، وحمير العرب والخراف تنفذ...

لم أكن أرى الناس تبكي إلا في الجنائز...

كم من الأطفال بكى على بكاء الآباء...

بالكاد مرت السنون...

في ٢٨ سبتمبر ايلول سنة ٧٠، بكى عشرات الملايين...

رحل المارد...

انتظرنا، تقاذفت بنا الأمواج من أمل خائب في ليبيا، إلى منظمة تحرير تحولت سلطة عميلة بأمر الاحتلال...

لطمت وجوهنا رياح جهنم أكثر من مرة واجتاحت إسرائيل كروم الزيتون والتين...

كم من الأطفال أضيفت أسماؤهم إلى مخيمات اللجوء والبؤس والفقر والعوز...

الفقر والبؤس قد يولد أبطالاً وقد أعطى...

لكنه يولد مجرمين وخونة أيضاً، وقد ولد...

كم مرت استبشرت الأمة خيرا بمن يرث مارد العرب ويعيد إلى الأمة ذلك الاحساس العظيم بالعزة والكرامة والشرف وكل ما تعمل اميركا وكلاب اميركا على وصفه بالشعارات الخشبية...

جاءت منظمات فلسطينية تلو المنظمات...

البعض خاب، والبعض زرع الخيبة...

حتى كانت الانتفاضة الأولى لشعب عظيم طمعت بأرضه قوى الاستعمار كلها، في الغرب وفي الشرق...

أرسلت إليه شذاذ الآفاق من عبيد المال والذهب والدولار...

على تلال الثلج في مرج الزهور، عرفنا قيادات شريفة من هذه الأمة...

وعدونا بحرب تحرير شعبية سوف تعيد الأرض وتصون العرض...

في عالمنا العربي، كانت فلسطين هي جواز سفر كل من يريد استلام السلطة...

حتى هذا صار لغة خشبية...

جعلوا من حب فلسطين لوثة...

جعلوا من عشاق الأرض المقدسة أناس من خارج العصر...

انتشرت ثقافة "بدنا نعيش"

صار صوت اذان الفجر يزعجهم...

أجراس الكنائس ايام الآحاد وفي المناسبات يزعجهم...

كل اوقات الاذان الأخرى تزعجهم...

لكن أكثر ما يزعج اولاد القحبة في وطني العربي الكبير هو ان تتذكر انك لست نكرة، وانك من سلالة ومن أرض انطلقت منها كل ديانات التوحيد...

اليوم سوف نبكي الحسين في عاشوراء...

حتى هذا يكرهه اولاد القحبة في عالمنا العربي والإسلامي...

هم لا يكرهون البكاء...

هم يكرهون ما تنتهي إليه المناسبة من شعارات أعادت هذه الأمة إلى سكة النضال والتحرر...

اليوم سوف يبكي الكثيرون الحسين...

بعض من يبكي سوف ينسى الحسين في اليوم التالي...

لكن الكثيرون الكثيرون سوف لا يتذكرون أهل البيت من شهداء وسبايا...

من بين صور القتل وقطع الرؤوس وحرق الخيم والسبي، سوف تخرج صورة العباس المقاتل...

من خلف صورة الحسين الشهيد، سوف تخرج زينب تزلزل اركان الظلم صارخة في خطبتها الشهيرة التي تعلمناها من عاشوراء لأن دروس اللغة العربية والأدب العربي وفن الخطابة في مدارس الأنظمة العربية لا تريد سماع صوت زينب المزلزل، ولا فصاحتها...

في المدارس عرفنا جان دارك...

لكن معرفة من وقف على بلاط الظلم مهددا بقوله،

كد كيدك، واسع سعيك، فما ايامك إلا عدد...

هذا جاء من مناسبة عاشوراء...

اليوم هو اليوم العاشر عند اهل بيت النبوة...

أول أمس كان اليوم العاشر في فلسطين...

في غزة سقط الشهداء الذين باعوا جماجمهم لله الذي لم ولا ولن ينسى ما فعله أنصار ثقافة العيش الذليل في الاحتلال...

قلة قليلة آمنت بأن ربها لا ينسى...

غزة في الأيام القليلة الماضية كانت كربلاء عصرنا...

هناك سقط الشهداء...

هناك زاد عدد الأيتام...

هناك بكى الضمير...

عاد طفل المغارة وبكى...

اطفال بكوا آباء وأمهات...

واهل بكوا الأطفال...

لكن من كل هؤلاء وأولئك...

سوف تخرج زينبية تصرخ في وجه اولاد القحبة أن كدوا كيدكم...

سوف يخرج من يؤمن أن الدم سوف يهزم السيف اليوم وغداً كما هزمه في العاشر من محرم...

اليوم عين الجهاد في غزة سوف تقاوم المخرز...

اليوم كما دوما في العاشر من محرم، سوف تتحول دماؤنا إلى سيول تجرف اركان الظلم في هذا العالم...

أبشروا يا اهل غزة...

أبشري فلسطين و"زغلطي"...

إن احرار العالم قادمون...

دموع الحزن سوف تتحول فرحة نصر يزيل من باع المسيح بسبعة من الفضة قبل صياح الديك...


المصدر: موقع اضاءات الإخباري