المجاعة ستلتهم أوروبا قبل النووي\ مها علي
مقالات
المجاعة ستلتهم أوروبا قبل النووي\ مها علي
30 آب 2022 , 14:02 م


الكاتبة: مها علي

جفاف قد يكون هو الأسوأ في القارة الأوروبية منذ أكثر من 400 عام بحسب خبراء الأرصاد الجوية, فكل أسبوع تظهر مشكلة جديدة بسبب التغير المناخي, وهذا الموضوع غير متوقف فقط عند مياه الشرب بل له أبعاد كبيرة جداً, وخطيرة ومرتبطة بأزمة الطاقة التي تمر بها أوروبا , حيث يُلقي هذا الجفاف غير الاعتيادي كما الارتفاع غير المسبوق لدرجات الحرارة بظلاله على أنهار أوروبا الرئيسية, فنرى أنهاراً حيوية تتحول تباعاً إلى مجرد برك مياه, وهذا الوضع يُنذر بكوارث وخيمة على قطاعات الصناعة والطاقة والشحن والغذاء مصحوبٌ بنقص بالإمدادات وارتفاع الأسعار بسبب الحرب الأوكرانية الروسية.

فالنرويج على سبيل المثال 90% من الطاقة لديها تأتي من خلال السدود التي تم إنشاؤها على الأنهار, وعند انخفاض منسوب المياه سينخفض مقدار الطاقة الكهرومائية التي تولدها هذه السدود,وهذا ماحدث في الشهرين الفائتين بعدما زادت درجة الحرارة وزادت معها نسبة الجفاف في الأنهار داخل معظم الدول الأوروبية ومن ضمنهم النرويج,

ولكن السؤال المهم لماذا التركيز على النرويج وما هي تداعيات الأزمة الحاصلة فيها هذه الفترة على أزمة الطاقة في باقي الدول الأوروبية وخاصة ألمانيا, الجواب ببساطة لأنه بعد الحرب الروسية الأوكرانية لم نسمع أي خبر يقول أن النرويج عندها أزمة في الطاقة , فهي دولة مصدرة للغاز وللنفط, كما أنها دولة مصدرة للكهرباء, لأنها تُولد طاقة كبيرة جداً من السدود الموجودة في الأنهار النرويجية, لذلك تقوم بتصدير الطاقة الفائضة عنها للدول المجاورة مثل ألمانيا, وبسب الجفاف اعتذرت النرويج لألمانيا سلفاً, لأنها أصبحت بحاجة للغاز والنفط الذي تقوم بتصديره, وذلك لأن نسبة الجفاف أثرت بشكل مباشر على توليد الطاقة, وأصبحت النرويج مضطرة لتوقيف تصدير النفط والغاز والاستفادة من هذه الكمية في تشغيل المحطات التي تعمل بالوقود الأحفوري(الغاز والنفط), وبسب أزمة الطاقة اضطرت النرويج أيضاً لتخفيف الطاقة الكهربائية التي تصدرها لألمانيا, حتى تصبح نسبة صادرات النرويج من الطاقة الكهربائية هي الأقل منذ 25 عاماً, وهذا شكل صدمة كبيرة للألمان, فالنرويج ترى نفسها أهم من ألمانيا في الإستفادة من فائض كمية الطاقة الكهرومائية والنفط والغاز أيضاً.

ولا يخفى على أحد أن ألمانيا تعاني من أزمة طاقة كبيرة أكثر من كل الدول الأوروبية وذلك لأنها أكبر مستورد للغاز الروسي والروس قطعوا الغاز تقريباً عنها, بالإضافة إلى أن أسبانيا التي كانت تصدر للدول الشمالية الأوروبية قطعت التصدير لأن الجزائر أعلنت فرض عقوبات عليها وذلك لأنها تقوم بتصدير الغاز إلى المغرب الذي يوجد خلافات بينه وبين الجزائر بسبب الصحراء الغربية.

ننتقل إلى نهر بو وهو أطول نهر في إيطاليا حيث انخفض معدل المياه فيه إلى عُشر معدله المعتاد, وهذا النهر يُمثل نحو 40% من الإنتاج الزراعي في إيطاليا, لكن مزارعي الأرز على وجه الخصوص حذروا من فقدان نحو 60% من محاصيلهم بسبب الجفاف,

علاوة على ذلك إن أهم الأنهار الأوروبية وهو نهر الراي ... والذي يمر في ألمانيا وفرنسا وسويسرا وإيطالية, انخفضت فيه نسبة المياه لدرجة عالية ومخيفة وهذا النهر كان يُستخدم لنقل البضائع عبر السفن من شمال ألمانيا إلى جنوبها, ومن أهم البضائع التي كان يتم نقلها هو الفحم, لأن ألمانيا عندها أزمة في الغاز وأزمة في النفط وأزمة في الطاقة التي تستوردها من النرويج, لذلك توجهت لإستعمال الفحم كبديل مؤقت لتشغيل بعض محطات الطاقة الكهربائية, وما زاد الطينة بله أنهم غير قادرين على الحصول على هذا الفحم لمحطات الطاقة بسب جفاف الأنهار, وهذا طبعاً سيؤدي إلى زيادة فواتير الطاقة في ألمانيا, أي مايعادل 500 يورو سنويا على المواطن.

ومن ناحية قصة حجارة الجوع فعندما انحسرت مياه الأنهار ظهرت هذه

الحجارة التي كانت مغمورة بالمياه و المكتوب عليها منذ عام 1616م

عبارة: (إذا رأيتني فابكِ), وهذا يعني تحذير الأوروبيين من الجفاف والمجاعة أيضاً لأن المياه هي عصب الحياة.

وبالإنتقال إلى فرنسا نجد أن فيها حوال 56 محطة تعمل بالطاقة النووية, تنتج حوالي 70% من حاجة فرنسا من الكهرباء, والعلاقة بين المحطات النووية وجفاف الأنهار هي أن بعض هذه المحطات يتم تبريدها من خلال الماء التي تتدفق عبر الأنهار فعندما حدث هذا الجفاف وانخفض مستوى المياه بالإضافة إلى الارتفاع الغير مسبوق في مستوى درجات الحرارة جعل الماء الجارية في الأنهار ذات درجة حرارة عالية, وهذا يعني أن فرنسا لن تستطيع استخدامها في تبريد المفاعلات النووية للمحطة,

والمشكلة الثانية وهي أن الماء الذي يخرج من المفاعل النووية بعد عملية التبريد تكون ساخنة جداً وعندما تجري في الأنهار ستؤدي إلى قتل الأسماك الموجودة في الأنهار كما سيؤثر على الزراعه التي تستفيد منها هذه الأنهار, ونتيجة هذا قامت الحكومة الفرنسية بإيقاف هذه المحطات, وتركت فقط خمس محطات.

نتابع لنحط في الولايات المتحدة ونرى ماذا فعل بها الجفاف؟ فحسب نيويورك تايمز لم يحصل هذ الجفاف منذ ألف عام, فإن أكبر أنهارها

وهو نهر كولورادو الذي يمر عبر سبع ولايات أمريكية بالإضافة إلى ولايتين في المكسيك زادت فيه نسبة الجفاف بشكل مرعب, فقامت الحكومة الأمريكية باجتماع مع حُكام هذه الولايات وقررت من خلاله تقسيم مياه هذا النهر على ولاياتها وإبقاء القليل القليل للمكسيك, لكن حُكام الولايات المتحدة اختلفوا مع بعضهم لأن التقسيم لم يكن عادلاً بينهم, أي ليس متساوياً, فمثلاً ولاية كاليفورنيا أخذت ثلث المياه المارة عبر النهر, وذلك بحجة أن لديها مساحات زراعية واسعه وتحتاج للمياه لأجل السقي, فاعترضت بقية الولايات, لأن الجميع يعاني من شح المياه وطالبت في المساواة في كميات المياه, لذلك تدخلت الحكومة الأمريكية وبدأت بالتقسيم بين هذه الولايات.

وإن أردنا الغوص في نسبة الخطر المتشكلة عن انخفاض مستوى المياه في نهر كولورادو, فسوف نلاحظ أن مساحة الأراضي المزروعة في كاليفورنيا وحدها ستقل بما يقارب ثلاثة ملايين دونم, وهذه أرقام خطيرة للغاية سيما وأن جميع الدول تعاني من ارتفاع الأسعار لكافة المواد الغذائية, فماذا سيحدث عندما تقل هذه المساحات المزروعة؟ طبعاً ستنخفض كمية هذه المزوعات وبالتالي زيادة أكثر في الأسعار, وزيادة المجاعة.  

المصدر: موقع إضاءات الإخباري