"نص الألف، خمس مية"...
بالمنطق... تعالوا إلى كلمة سواء...
لو كان الطائف هو الحل، لما كنا نحن اليوم حيث نحن...
لا يمكن مداواة مرض السرطان بالمسكنات...
الذي لا يوافق على أن الطائفية صارت لعنة، عليه أن يعرض نفسه على طبيب للأمراض العقلية...
التعددية بكل أشكالها، شيء جميل جدا في الجسد السليم.
لكن شرط الضرورة لجسد السليم، هو العقل السليم؛
نحن بكل أسف، لا نملك هذا العقل السليم...
التعددية الدينية هي شكل من أشكال التعددية الثقافية والحضارية، خلقها الله لتكون نعمة للإنسانية، فجعل اللبنانيون منها نقمة تأتي كل بضع سنوات بفتنة قاتلة...
صحيح أن النفس البشرية أمّارة بالسوء، لكن الدواء هو في الأخلاق أولاً، وفي القوانين التي تحكم العلاقات بين البشر...
جاءت قوانين موسى في الوصايا العشر التي تشكل أسس التعايش البديهية في النهي عن المنكر من مثل القول، لا تقتل، أو لا تسرق، أو لا تزني... الخ...الخ...
ثم أرسل الله رسالة السيد المسيح التي اختصرت كل قوانين الوجود الإنساني في كلمة، كلمة بسيطة لا غير... المحبة...
لم يفترض الله هذا، بل هو قالها بوضوح حين اختصر الرسالة المسيحية بكلمة ساحرة، كاملة، مطلقة، خالدة كما هو خلود الله نفسه، المحبة...
لكننا، نحن معشر البشر، لم نستطع رؤية هذه النعمة العظيمة حين خلقنا الله مختلفين عن بعضنا حتى في بصمة الاصبع والعين، فحولنا هذه النعمة الى نقمة عندما ابتعدنا عن المحبة، ولم نلتزم حتى الوصايا العشر البديهية...
ولأن بصمة الفكر هي أيضاً من بصمات الاختلاف الإنساني، اكمل الله نواميسه في كتاب مقدس فصّل القوانين على قياس البشر وجمع النهي عن المنكر إلى الأمر بالمعروف، فكانت الرسالة الخالدة التي تنظم هذا الاختلاف وتمنع تحوله إلى خلاف...
ثلاثة أديان سماوية تضاف إلى أديان كثيرة ورسالات كثيرة أخرى ارسلها الله الى بني البشر حتى يتميزوا عن الحيوانات...
عرفنا بعض هذه الرسالات، وأباد الإنسان الشرير رسالات أخرى...
لكنها تلك النفس الإمارة بالسوء التي ترى العيب ولا تستطيع تجنبه...
لو كان البخاري أتى ليقول لنا أن لبنان القائم على رسالة المحبة، ورسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وان عليه أن ينظم هذا الاختلاف عبر قوانين بشرية يتم تطويرها مع تطور المجتمع، لكان هذا البخاري ومن ارسل به إلى لبنان من رجال الله الصالحين...
لكن أن يزعم هذا البخاري الخلود لوثيقة كتبها بضعة رجال تحت وصايا ثلاث قوى اتفقت في فترة ما، على مصلحة ما...
عذراً، هذا الخلود هرطقة، حتى لو تبنته عشائر وقوى متخلفة لا تقل تخلفا عن مملكة لا تزال تعيش خارج العصر وخارج التاريخ، رغم كل الاضواء المشعة في نظام الظلام المطلق...
لم تصل وثيقة الطائف حتى إلى جزء بسيط مما فعلته معاهدة ويستفاليا في أوروبا...
حتى ويستفاليا وقعت في المحظور حين لم تتطور لتشمل الكنيسة الشرقية في البلاد السلافية...
خرج من اللبنانيين بعض "العباقرة!" الذي تفتقت عبقريتهم عن نظرية تطهير النفوس قبل فرض النصوص...
لو كانت النفوس مطهرة، لما احتاج الناس إلى نصوص يا نيافة البطريرك صفير!
لأن النفوس غير طاهرة، يتوجب فرض القوانين في نصوص...
يحب اللبنانيون رمي المسؤولية على الغير دائما، كما في نظرية "الحق عالطليان!"
يرجم البعض الوصاية السورية، في محاولة تبرئة من قَصُر نظره عن رؤية ما هو أبعد من أنفه... بينما يرى الكثيرون، الكثيرون جداً، أن الوصاية الأميركية على البلد هي العلة الأساسية...
لا شك أن الوصاية السورية لعبت دورا غير حميد حين لم تفرض القانون ووقفت إلى جانب الهيئات الدينية اللبنانية المتخلفة، خاصة في نظرية النفوس والنصوص البلهاء...
كما لا شك أن الوصاية الأميركية هي علة العلل في منع تطور لبنان وحبسه دائما في حدود الخضوع لمصلحة الكيان الاستعماري في فلسطين، كلب الإمبريالية وسلاحها في السيطرة على الشعوب...
لكن السبب الحقيقي، أو المسبب الحقيقي لما نحن عليه اليوم، هم اللبنانيون أنفسهم الذين لا يريدون الوصول إلى كلمة سواء...
كما الطفل المدلل الذي يرفض سماع النصيحة ويمد يده إلى النار، يتمسك كل طرف من اللبنانيين بكرة من كرات الحقد والبغضاء والكراهية تجاه الآخر، حتى لو أدى ذلك إلى خراب البصرة...
لأن اللبنانيين اعتادوا السير تحت سلطة الوصاية الأجنبية منذ مئات السنين، هم يرفضون أن يجلسوا بعضهم إلى بعض، ويصلوا إلى كلمة سواء كما فعل الأوروبيون في ويستفاليا...
يتحدث اللبنانيون عن السيادة وهم يتحركون وفق حبال مربوطة إلى الخارج...
يريدون التحرر من سيطرة الخارج، لكنهم لا يتحركون إلا عبر الحبال المربوطة إليهم في مسرح الدمى المتحركة...
ظل إيلي محفوض يتفلسف عن الاتفاق النووي وسيطرة إيران على لبنان إلى أن تجاوز الخلط وراح يدور حول نفسه...
فلا هو مع حزب الله حين يحارب، ولا هو مع حزب الله حين "يسالم!"...
"مش عارف وين ربو حاطه"...
محفوض هذا ليس إلا مسطرة صغيرة من مساطر اللبنانيين الذين قد يكبر حجمهم إلى مستوى سامي الجميل أو حتى سمير جعجع... لكن العقلية تبقى هي ذاتها، عقلية "الولد اللي بدو يحكم بلد!!!"...
يدعو البخاري بعض اللبنانيين؛ يهرع من يهرع، ويركض من يركض، ويرقص من يرقص على انغام التانغو السعودية في مبنى اليونسكو...
هؤلاء اللبنانيين عبيد مال ودولار، والسعودية كيس مال ودولار...
لكن سعودية محمد بن سلمان لم تعد نفس سعودية خادم الحرمين الشريفين المعهودة...
محمد بن سلمان لا يرضى بأقل من جمع الحرمين الشريفين إلى ممتلكاته الخاصة وحده، وفق نظرته هو إلى بنيان الدولة...
لم تعد السعودية مملكة عائلة...
مع محمد بن سلمان، تحولت السعودية إلى مملكة الملك الفرد الذي هو اليوم محمد بن سلمان...
إذا ما قارن المرء مملكة بني سعود مع مملكة بني عثمان، فإن محمد بن سلمان هو السلطان سليم المجنون بالعظمة المستعد لقتل حتى إبنه من أجل مصلحة دولة محمد بن سلمان...
نفس هؤلاء اللبنانيين الذين هرعوا إلى حفل البخاري الهزلي في اليونيسكو، ارتعدت فرائضهم حين نهى البخاري عن حفل عشاء سويسري...
فضلوا الذهاب الى النوم ليلا بلا عشاء على أن يخالفوا أمر السلطان المعظم الذي لديه المال، وما ادراك ما المال في ميزان شرف هؤلاء...
لقد جعل البخاري من وثيقة الطائف مرسوما همايونيا يشبه في القداسة قانون منع مناقشة الهولوكوست في أوروبا...
في فرنسا، استيقظ ذات صباح الفيلسوف روجيه غارودي، المحاضر في جامعة السوربون في باريس، ليجد نفسه مضطر لدفع غرامة ضخمة لأنه شكك في عدد ضحايا الهولوكوست وقال إن عدد الستة ملايين من اليهود، عدد مبالغ فيه...
قامت قيامة صهاينة فرنسا، ولم تقعد حتى يومنا هذا...
انتشر وباء التحريم إلى كل أوروبا...
في بريطانيا "العظمى"، يمنع انتقاد الحكومة الاسرائيلية لأن في هذا النقد شبهة معاداة السامية...
في أوروبا، مسموح شتم الرسل والسخرية من معجزات السيد المسيح ومن عذرية السيدة مريم، لكن توجيه ولو كلمة عتب إلى إسرائيل، "تابو"... ممنوع تحت التهديد بأقصى العقوبات التي أدخلت فلاسفة المان إلى السجن لأنهم تجرؤوا على رفض تحمل المسؤولية عن الجرائم النازية واتهموا اسرائيل بأخذ الشعب الألماني رهينة في يد الولايات المتحدة الأميركية...
يريد السفير "المعظم" البخاري تطبيق نفس شريعة الاستنساب الأوروبية تلك في لبنان...
يأخذ وثيقة ناقصة منقوصة صيغت في مدينة الطائف السعودية ووقع عليها مجموعة من نواب جمهورية ال ٤٣، ويضعها في موضع القداسة كما كتب السماء...
جمعت السعودية كل ابواقها الإعلامية، وجعلت على رأسهم وليد عبود الذي وافق ورقص على شتم رئيس جمهورية لبنان، لكنه انتفض لانتقاد من يرى الدواء في شرب بول البعير...
تصدر وليد عبود مسرحية الدمى المتحركة أمس على مسرح اليونيسكو حيث كان من أبرز الحاضرين رئيس فرع لبنان في الاشتراكية الدولية وليد جنبلاط، إضافة طبعا إلى جموع غفيرة من القطعان التي يعمل البخاري على جمعها قبل سوقها إلى بيت الطاعة في أحد اسطبلات ولي العهد، السلطان سليم محمد بن سلمان...
ذهب كل من ذهب إلى هناك، عل الأمير يتعطف عليهم بنظرة تجعل أسنانهم تظهر من خلف بسمة بلهاء تخفي ضحكات عاهرات شوارع الدعارة الرخيصة...
وحده عمى الألوان يستطيع منع رؤية مدى التطابق بين عهر اليونيسكو أمس وعهر بائعات الهوى ممن لا تزيد اثمانهم على بضعة ريالات لا غير...
حليم خاتون