كتب الأستاذ حليم خاتون: إذا صدقت النوايا...
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: إذا صدقت النوايا...
7 تشرين الثاني 2022 , 06:12 ص


يرفض سمير جعجع رئيساً لا لون له ولا رائحة...

ألم يكن هذا موقف التيار العوني يوماً؟

يهزأ الكثيرون من تعبير الديمقراطية التوافقية...

يقول هؤلاء إنه في الديمقراطية، الأغلبية تحكم والأقلية تعارض...

في عصورها الأولى، في المدن اليونانية القديمة، حملت الديمقراطية هذا المعنى بالتحديد...

لكن التطور الإنساني فرض تطورا في أنظمة الحكم أيضاً...

كما زادت التخصصات العلمية مع توسع آفاق المعرفة، كذلك توسع مفهوم الديمقراطية...

لم يعد مقبولاً في العصر الحديث أن تكون السلطة مطلقة في يد الأغلبية...

من هنا خرج مفهوم الديمقراطية النسبية...

هل يعقل أن يستأثر بالسلطة من يحصل في الانتخابات على ٥٠٪ زائدا واحداً، ويتم إقصاء من يحصل على ٥٠٪ ناقصا واحداً؟

سؤال محير فعلاً...

لهذا ابتدع المشرع ديمقراطية الثلثين...

يقول الفيلسوف الإيرلندي الشهير إنه في مجتمع الحمير تفرض الديمقراطية (ديمقراطية الأغلبية) حمارا على رأس السلطة...

هل يعقل القبول بهذا المنطق، خاصة أن تعابير سياسية ظهرت كي تدين هذا النوع المبسط من الديمقراطية...

كم من المجتمعات عانى من السياسات الشعبوية التي تهدف فقط لإرضاء الأغلبية والبقاء في الحكم عبر قرارات سوف تؤدي إلى انهيار هذه المجتمعات في النهاية...

كما أن هناك ديمقراطية مركزية، كذلك هناك ديمقراطية لامركزية..

شئنا أم أبينا، لا يوجد في الكون نظام عادل في المطلق...

من هنا خرجت مقولة نسبها البعض إلى الشيخ الأفغاني، ونسبها البعض الآخر إلى الامام محمد عبدو...

لا ينهض بالشرق، إلا مستبد عادل...

لعل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر أفضل من عبر عن هذه المقولة حيث ازدهرت مصر في عهده وكانت تتفوق على كوريا الجنوبية وتجاري الهند في القوة الاقتصادية...

لم يكن النظام الناصري نظاما مثالياً...

لا يمكن أن يوجد ذلك النظام المثالي...

افضل النظم، هو النظام المتحرك غير الجامد... Flexible...

لعل هذا النوع من أنواع النظم في الحكم هو ما تحتاجه المجتمعات المختلطة...

لبنان بلد التعددية والاختلاط...

هناك تعددية مذهبية واضحة وضوح الشمس...

هناك تعددية عرقية قد لا تكون بنفس الوضوح لكنها موجودة عبر الأقليات الكلدانية أو السريانية أو الآشورية أو القبطية أو غيرها مما تراكم على مر تاريخ هذه المنطقة...

النظام العادل هو النظام الذي يحتضن التعددية بكل أشكالها باعتبارها غنى إنسانياً...

هل يوجد هكذا نظام في العالم؟

في النهاية، نحن لسنا البلد الوحيد الذي حمل هذا التراكم على مر التاريخ...

هناك بلاد كثيرة قد تشبهنا...

هناك من غرق في حروب أهلية لا تنتهي، وهناك من توصل إلى أنظمة تتطور ويتم تحديثها كل فترة لكي لا تكون هناك حروب أهلية...

على اللبنانيين دراسة تجارب الشعوب الأخرى من أجل الوصول إلى النظام الأكثر مثالية ممكنة، والاكثر واقعية...

صحيح أنه من الغريب على المنطق أن ينجح نائب بأقل من مئة صوت، ولا ينجح آخر رغم حصوله على آلاف الأصوات...

لكن الغريب أن أكثر من رفض العشاء السويسري هم الأكثر حاجة إلى دراسة النظام السويسري وهم وإن كانوا الاكثر تمثيلاً في التقوقع والانعزال، إلا أنهم الأقل تمثيلاً على مستوى الجمهورية...

يسخر هؤلاء من الديمقراطية التوافقية في مكان ويتشبثون بتمثيل حصلوا عليه بفضل هذه الديمقراطية...

يريدون تطبيق ما يحلو لهم من الطائف، ولا يريدون تطبيق البنود الأخرى...

يتكلم الجميع عن تطبيق الطائف...

هل يقبل سامي الجميل بالدوائر الانتخابية الكبرى...

سامي الجميل الذي يحمل شعار

One man, one voice

هل يرضى بتطبيقه على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة؟

في الطائف، توافق الجميع على شعار وقف العد من أجل استقرار النظام...

النظام يستطيع وقف العد... لكن هل يتم وقف العد فعلاً في الواقع...

قد لا يتوافق المرء مع كثير من مواقف الحكومات السويسرية؛ لكن هذا البلد يتمتع بالاستقرار رغم التعددية عنده...

هل نريد العيش في خوف لا ينتهي من الآخر...

الأحزاب الموجودة الآن في معظمها أحزاب تعتاش من الخوف من الآخر ومن بث الكراهية للآخر...

المشكلة في الطائف أن الذين وضعوه هم السياسيون الذين أرادوا إنهاء الحرب بفضل وجود مناخ دولي أراد هذا...

الكاردينال صفير الذي وقف إلى جانب الطائف، كان أكثر المعارضين لإلغاء الطائفية...

ما هو موقف سامي الجميل أو سمير جعجع أو حتى سينثيا زرازير من إلغاء الطائفية...

ما هو موقف وضاح الصادق الذي يعرف جيدا إنه ليس أكثر من نائب صدفة وأنه مدين بهذا لاعتكاف سعد الحريري...

الكل يعرف أنه لا بد من الجلوس في النهاية ومحاولة إيجاد الحل..

كلما طال الوقت ارتفعت الأثمان..

ربما ما كان يجب الاعتذار عن العشاء السويسري...

ربما ما كان يجب رفض طاولة الحوار التي دعا الرئيس بري إليها...

لكن ما دام الأمر كذلك...

على القوى التي تريد بناء لبنان المستقبل والتي تملك حق فيتو قوي جدا في الانتخابات الرئاسية أن لا تسمح بانتخاب لا ميشال سليمان آخر، ولا أبو ملحم آخر...

يجب عدم إنهاء الفراغ لمجرد الخروج من الدوامة...

حتى لو زادت الأمور سوءاً، الأفضل ترك الإنهيار يستمر إلى أن يجلس الجميع الى طاولة ويبدأ البحث فعلاً في ايجاد نظام سياسي قابل للتطبيق يقوم على رفض التقسيم ورفض العزل والانعزال...

كما أنه يجب احترام كافة الأديان والمذاهب والأعراق، كما يجب فصل هذه كلها عن قوانين الأحوال الشخصية...

احترام الفرد يجب أن يقترن بالمساواة الكاملة غير المنقوصة لكل اللبنانيين بغض النظر عن أي اختلاف بينهم...

نائب الشعب اللبناني يجب أن يمثل كل الشعب اللبناني...

من أجل ذلك يجب أن يكون انتخابه من قبل كل الشعب...

من الأفضل وضع صيغة تفرض أن يشارك الجميع، من الناقورة جنوباً وحتى النهر الكبير شمالاً، ومن البحر حتى الحدود السورية، في انتخاب هذا النائب...

قد يكون الانتخاب مركبا من عدة مراحل... لكن مرحلة التأهل للانتخاب يجب أن تكون بالحصول ليس فقط على رضى المذهب أو الطائفة بل أيضاً على أن يكون مقبولا على مستوى كامل الجغرافيا اللبنانية...

لا يمكن رفض المثالثة أو المرابعة والتشبث بالتقسيم المذهبي...

هناك من يرى الحل في العلمانية..

هناك من يراه في صيغة أخرى...

لكن الكل متفق على وجوب رفض هذا التمييز الديني والعرقي بين اللبنانيين...

من لا يريد الجلوس إلى الحوار اليوم، سوف يجلس غدا...

كفى حلولا تؤجل المشكلة...

لقد انتظرنا قبلا سنتين في الفراغ، ولم يتم فرض حلول...

هذه المرة، من الأفضل استمرار الفراغ حتى يجلس الجميع الى الطاولة ونخرج بحل...

حليم خاتون

المصدر: موقع إضاءات الإخباري