لم يستطع البروفيسور اليكسندر دوغين الصمت أكثر بعد انسحاب الجيش الروسي من خيرسون...
قد يكون اليكسندر دوغين محق في بعض النقد، لكن يجب ترك القرار العسكري بيد الجنرالات ما دام الهدف النهائي لا يزال قائماً...
البروفيسور دوغين، صاحب نظرية الرؤية الأوراسية التي تستند إلى روسيا +، محق في نقد السلطة التي تمتلك سلاح ردع نووي وترسل إلى أوكرانيا أقل من ١٠٪ من الجيش لمواجهة جيش يتفوق عدديا بأكثر من أربعة أضعاف رغم أن أي خبير استراتيجي يعرف أنه في حالة الهجوم يجب أن يكون العدد ٣ إلى واحد على الأقل لصالح المهاجم...
السلطة أيضاً محقة من منطلق أنها لم تعلن حرباً شاملة، بل عملية عسكرية خاصة...
في هذه الحالة، كان يكفي إرسال أقل من ١٥٠ ألفاً من الجنود والضباط لتحقيق الأهداف التي أعلنت والتي يمكن اختصارها بثلاث:
١-ضرب النازية في أوكرانيا...
٢- منع انضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلسي...
٣-رفع الظلم عن الأقلية الروسية في أوكرانيا...
استطاعت العملية العسكرية الخاصة تحرير أكثر من ٢٠٪ من الأراضي ذات الأغلبية الروسية في الأيام الأولى لهذه العملية...
يمكن القول إن القوة الخاصة التي دخلت أوكرانيا حققت كل الاهداف بعد أقل من ٦٠ يوما من المعارك...
القوة الخاصة التي أنهت الثورة الملونة في كازخستان خلال أقل من ٧٢ ساعة، نجحت في تحقيق الأهداف في أوكرانيا بعد حوالي ٦٠ يوماً...
الحقيقة هي أن الجيش الروسي قام بالمهمة على خير ما يرام...
ماذا حدث إذا؟
قرر حلف الأطلسي أنه بعد خسارة جورجيا وكازخستان وعدم النجاح في بيلاروسيا، لم يعد بالإمكان خسارة أوكرانيا بعد نجاح الانقلاب الغربي سنة ٢٠١٤...
قرر الغرب التحول من الدفاع إلى الهجوم وشن حرب شاملة عسكرية سياسية اقتصادية ضد روسيا...
هنا تبين أن المخابرات الروسية كانت عمياء بعض الشيء، ولم تر هذا الاحتمال ولم تحذر منه...
السلطة في روسيا قررت عدم الذهاب الى هذه الحرب الشاملة...
هنا يكمن الخلاف بين البروفيسور دوغين والقيادة السياسية...
يرى اليكسندر دوغين أن باستطاعة روسيا الزج فورا بعدة مئات من الآلاف من الجنود وتدمير أوكرانيا بشكل كامل والذهاب إلى الصدام المباشر مع الأطلسي في أوكرانيا...
صحيح أن قوة روسيا هي أقل من قوة الأطلسي، لكن هزيمة قوة نووية هو خط احمر لا يستطيع أي كان تجاوزه...
دوغين أراد لعب هذه الورقة، بينما فضل بوتين التراجع المرحلي بانتظار تدخل قوى الطبيعة مرة أخرى كما حصل مع نابليون قبل قرن ونصف وكما حصل مع هتلر قبل سبعة عقود...
فقط في الربيع القادم ممكن معرفة من على حق، بوتين ام دوغين...
في كل الأحوال، لقد تغير العالم...
لم تعد روسيا جمهورية موز أميركية وقد كانت كذلك...
حتى العقد الأول من الألفية الثانية، كانت روسيا مرتعا للمخابرات الأمريكية والغربية...
تم تدجين الشعب الروسي وتحويله إلى مستهلك للسلع والثقافة الغربية...
لم يكن موقف روسيا يتمايز عن موقف الدول السبع التي كانت ثمانية حتى وقت ليس ببعيد...
في شرم الشيخ، كانت روسيا إلى جانب المعتدين على لبنان...
في الأمم المتحدة كانت روسيا والصين إلى جانب فرض حصار أممي على الجمهورية الإسلامية...
اليوم تغيرت الأمور...
لا احد يطلب من إيران أو محور الممانعة أن يكون ورقة تفاوض في يد روسيا مع الغرب...
لكن الوقت حان، أن يذهب هذا المحور أبعد من السابق في استغلال هذا الخلاف الروسي الأطلسي من أجل إضعاف هذا الأخير بصفته صاحب كلب الحراسة الموجود في فلسطين...
في إيران، يبدو النظام طويل البال فيما خص المظاهرات، وهذا عين العقل...
رغم نباح الإعلام الغربي والإعلام العربي، ما يحدث في إيران لا يشكل ابدا خطراً على نظام الجمهورية الإسلامية...
مقابل بضعة آلاف من المحتجين، يستطيع النظام إنزال الملايين إلى الشارع...
لكن الرئيس رئيسي والمرشد يعرفان جيدا أن جزءًا من المطالب محق...
على الاقل فيما يخص الحريات الشخصية التي هي بالمناسبة افضل ألف مرة من تلك الموجودة في الغرب دون الحديث عن منطقة الخليج الغارقة في بحر من الظلمات والاستبداد...
تماما كما حصل في سوريا؛
فاقد الشيء يريد أن يعطي دروسا للآخرين عن هذا الشيء...
أين الجزيرة العربية من الحريات؟
اين العرب من حرية التفكير...
حتى مهرجان القراءة في دبي الذي يستحق كل التقدير، لكنه لا يصل إلى ١٠٪ مما حققته الثورة الإسلامية في إيران...
صحيح أن هناك تطورا علميا في الخليج؛ لكن هذا التطور يغرق في ظلام الثقافة المعدومة...
جميل ان تجري مهرجانات قراءة في القرآن أو الترتيل...
جميل ومفيد جداً أن يتعلم الجيل الجديد التحدث بلغة عربية فصحى صحيحة وغير ركيكة...
لكن المطلوب نشر الثقافات العامة والمعتقدات الفلسفية والاقتصادية وتعليم الناس احترام الرأي الآخر والفكر الآخر وهذا ما لا تستطيع أنظمة القمع السماح به...
أيضاً في إيران، هناك فكر آخر يتعلق ربما بالدين، يجب السماح لمناقشته العلنية أن تكون مقبولة...
في إيران يسود مذهب الإجتهاد وهذا بحد ذاته يشكل خطوة عظيمة لتطوير الفكر الديني، وعدم البقاء في القرون الوسطى...
لا يعني هذا اطلاقا القبول بالنقد الغربي...
الغرب الذي يمنع حرية العبادة وحرية الالتزام الديني لا يحق له نقد إيران، فيما هو عارف في شبر ماء ضد الحجاب عند المسلمين، وضد الصليب عند المسيحيين...
أما المثقفون الايرانيون، فلهم كل الحق في المطالبة باحترام الحريات الشخصية طالما هي لا تؤذي الآخر...
في الظاهر، تبدو الأمور وكأن النظام الإيراني يقاتل في تراجع في الشوارع...
كما سبق القول، النظام لا يحتاج لقتال كل المحتجين لأن بين الجمع الكثير من السذج والبسطاء...
النظام يستطيع مجابهة أي شارع بشارع يفوقه آلاف المرات، لكن النظام يعرف أن المطلوب في النهاية هو أن تنظف الثورة نفسها بنفسها من البيروقراطية والتحجر...
الشارع يسمح للنظام بهذا التنظيف...
أوروبا وأميركا لا يسمحون لنا بزيارة إيران لكي لا نرى ويرى العالم مدى الكذب المنتشر في الميديا حول تلك الجمهورية التي انتقلت من مرتبة شرطي
الإمبريالية في المنطقة، كي تصبح الرافعة الأساسية لتطور المنطقة وتقدمها...
رغم كل شيء، يسير العالم خطوة إلى الأمام في التحرر من طغيان العبودية الغربية...
حليم خاتون