أول ما يخطر على البال حين الحديث عن التدويل هو المحكمة الدولية في اغتيال رفيق الحريري...
ما هو التدويل؟
ما هي المحكمة الدولية؟
هي باب من أبواب التسلط على جماعة ما، أو دولة أو دول ما، لصالح ما يسمى زورا بالشرعية الدولية... نفس الشرعية الدولية التي عملت لاغتصاب فلسطين، واستباحة العراق، وتدمير سوريا...
هي شرعية قانون الغاب حيث يفترس القوي الضعيف، وحيث يمارس البشر اسوأ ما في النفوس الامّارة بالسوء من موبقات...
وحيث الإله ليس سوى المال، ثم المال، ثم المال إلى أن يقضي الجشع على الحياة على كوكب الأرض...
تشاء الصدف أن تتحرك منذ أيام محكمة الحريري مرة أخرى، لكن هذه المرة على قناة الحدث السعودية...
يخرج على الشاشة أحد أهم شهود الزور الهاربين من العدالة الوطنية، المدعو فارس خشان...
يعلق خشان على مقابلات أجرتها وزيرة الدفاع الفرنسية السابقة إليو ماري تتهم فيها رجال من "النظام السوري" بالمشاركة في اغتيال رفيق الحريري جنبا إلى جنب مع حزب الله...
اتهامات غب الطلب...
كلما شعر الغرب بالحاجة إلى زرك أحد ما، سوف يعود إلى هذه "المحكمة المسخرة" التي كلفت لبنان أكثر من نصف مليار دولار في الوقت الذي تعجز الحكومة عن تأمين ٣٥ مليون دولار ثمن أدوية لمرضى السرطان من شيوخ ونساء وأطفال...
من يسمع الوزيرة الفرنسية، "يطق" من الضحك...
لقد تم الضغط على المحكمة لكي تبعد الاتهام عن النظام السوري، تقول إليو ماري!!!
تقر الوزيرة الفرنسية أن المحكمة الدولية خضعت للضغوط...
هذا جديد!
أين الكلام الكبير عن العدالة الدولية؟
لأجل ماذا، جرت الضغوط التي استطاعت تحييد النظام السوري..؟
عند وقوع انفجار مرفأ بيروت، خرج جماعة القفازات الملونة، والعقول الفارغة يطالبون بمحكمة دولية على غرار محكمة الحريري لأنهم لا يثقون بالقضاء اللبناني الذي سوف يتعرض ويخضع للضغوط...
صحيح أن القضاء في لبنان مسخرة... لكن ماذا عن القضاء في أميركا حيث يعرف كل الناس من كان وراء قتل الرئيس الأميركي الأسبق جون. ف. كينيدي، وحيث تم قتل المتهم الأول ثم تصفية قاتل هذا المتهم ليتم بعدها وضع حد للتحقيق...
ها هي الوزيرة الفرنسية تقر وتؤكد أن المحكمة الدولية قد خضعت للضغوط لأجل عدم تناول رجال النظام في سوريا...
يعني يا حبايب، "كلهن يعني كلهن"...
"ما في حدا احسن من حدا"...
القاضي الدولي ليس أفضل من القاضي اللبناني، هذا أكيد...
لا وجود للحياد والموضوعية إلا في الرؤوس الفارغة...
كل قاض يخدم مشروعا ما أو جهة ما...
الفارق الوحيد هو من يقوم بممارسة الضغط، ولصالح من!!
تناور الوزيرة الفرنسية، تتلوى، تلف وتدور وتكاد تقول إن المحكمة خضعت لضغوط النظام السوري... إجاباتها أقرب إلى السذاجه والهبل المغلف "بعظمة" دولة فرنسا...
هنا، ومع السذاجة والهبل الفرنسي تنقل شاشة الحدث المشاهد من المحاور الفرنسي الذي "لا يعرف شغله"، إلى محاور "العربية" الذي يأخذ المشاهد إلى بطل الحقيقة والجرأة فارس خشان الذي يتهم فورا كوفي أنان وباراك أوباما اللذين يريدان تحييد النظام السوري من أجل احتوائه ومحاولة انتزاعه من تحت النفوذ الإيراني...
"حاجي تحلل، حاجي تقول... تسلملي تحليلاتك!!!"
"شو جاب طز لمرحبا"...
كيفما أدار المشاهد ما يراه من تفاهة على الشاشة، تقع العين على عدالة دولية مسيسة وغبية في الوقت عينه...
بالطبع، من حق إليو ماري اتهام النظام السوري والمقاومة باغتيال الحريري خاصة بعدما تبين أن الرجل جاء إلى لبنان يحمل مشروعا مشبوها...
جاء إلى لبنان لتنفيذ أجندة اميركية وكان هو من صاغ القرار ١٥٥٩ وفق اتهامات صريحة ظهرت اسماء أصحابها على برنامج "الرئيس" على شاشة الجديد مع الاعلامي سامي كليب، وهو من سعى إلى إدخال المال اليهودي العالمي إلى سوليدير من أجل وضع اليد على حارة اليهود في وادي ابو جميل... وقد أظهر النائب الوطني السابق نجاح واكيم كثيرا من حقائق ذلك الرجل الذي قفز فجأة وخلال بضع سنوات من محاسب بسيط يعطي دروسا خصوصية ولا يملك ثمن حذاء بدل حذائه المهترئ باعترافه هو... يصبح الرجل بقدرة قادر لا يقوى عليها إلا الآبالسة إياهم؛ يصبح مليارديرا يتنقل بين العواصم بطائرة خاصة وتفتح له كل الابواب، في كل العواصم...
يحق لبعض الاغبياء ممن يؤمن بتبعية رفيق الحريري لمشروع مشبوه أن يؤمن بأن نظاما وطنيا أو مقاومة وطنية يمكن أن تغتال هكذا رمز لهكذا مشروع... وهذا ما يفعله معظم أغبياء تيار المستقبل و١٤ آذار...
لكن يحق لكل من عنده بعض الذكاء أن يرى أن المشروع قد يغتال حتى من يعمل لديه إذا كان في هذا الاغتيال خدمة لهذا المشروع...
لقمان سليم ليس استثناء...
لقد خدم قتل هذا الرجل البروباغاندا الغربية أكثر بكثير مما كان يقدمه نفس هذا الشخص من خدمات ضد الفكر المقاوم أثناء حياته...
لقمان سليم المقتول نفع الغرب أكثر بكثير من لقمان سليم الحكواتي...
كان الرجل يسكن الضاحية منذ ولادته ربما، وكان يقول ما لم يقله مالك في الخمر... لكنه كان بالكاد معروفاً من أهل الضاحية باستثناء شلة لا تملك أي تأثير على مجرى الأمور...
حتى جماعة بشير الجميل، كانوا أكثر ذكاء من كل بيت الحريري وجماعة بيت الحريري حين اتهموا اسرائيل باغتيال بشير، وادعوا أن الشرتوني والحزب القومي خدما اسرائيل ونفذا ما تريده دون تفكير لأن بشير عاد ورفض توقيع معاهدة صلح وعلاقات مباشرة مع الكيان دون حل شامل للقضية الفلسطينية تحرر البلد من عبء اللجوء الفلسطيني...
اليوم يعود البطريرك الراعي لطرح تدويل الأزمة اللبنانية املا بتدخل قوى غربية تستطيع بنظره موازنة سلاح حزب الله أو الخطر الديموغرافي الذي لا وجود له إلا في العقول المريضة...
ماذا لو اجتمع مبعوث غربي وطلب امتيازات غربية مقابل التخلي عن مسيحيي الشرق؟
ما طرحه الغرب حتى اليوم لقاء رأس المسيحية في الشرق يتعلق بطلبات لصالح اسرائيل والصهيونية العالمية... وهذا مستحيل في قاموس حزب الله وإيران والشرفاء...
هل من واع يشير على البطريرك مدى خطورة ما يفعل...
أقل شيء قد يخرج به التدويل هو ما كان الغرب قد طرحه فعلاً:
المثالثة وقضم جديد لحقوق الأقلية المسيحية وغيرها من الأقليات...
"لو تدرون، آه، لوتدرون!!"
لقد انتهى زمن القناصل الذي فرض يوماً نظام المتصرفية...
زمن السفراء الذين يريد البطريرك الاستقواء بهم لا يستطيع أكثر مما فعل حتى اليوم من حصار وتجويع شمل فيمن شمل، رعية البطريرك...
يا نيافة الكاردينال!
بلا هذه الشطحات الدونكيشوتية...!!!
تكلم بالمحبة التي أوصى بها السيد المسيح...
تكلم مع اخوانك في الوطن بروح الإخوة وليس بروح الشركة المساهمة التي نظّرت لها يوماً...
نأتي إلى الموضوع الثاني الذي طرحه جبران باسيل، ويطرحه الكثير من القوى المسيحية بما في ذلك بعض العقلاء من النخبة العلمانية... اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة...
افضل وصف لهذا الطرح جاء على لسان الإعلامي جاد غصن الذي عملت ماكينات السلطة على إسقاطه في الانتخابات لأنه يمثل صوت الكثيرين ممن لا صوت لهم في الوسط الوطني العلماني...
نحن في لبنان، نعيش اليوم في هذه اللامركزية...
ما فعلته كل الأحزاب، في كل المناطق هو الصورة الفعلية لهذه اللامركزية...
لقد استطاعت هذه القوى تدمير السلطة المركزية عبر تقاسم كل ما تملكه هذه السلطة من مناصب وأموال ومشاعات وحقوق...
لقد تم بالفعل تدمير المركز لصالح تلك القوى التي تنتمي إلى كافة الطوائف...
لم يصل الرخاء ولا المشاريع إلى مناطق الأطراف ليس لأن السلطة المركزية منعت ذلك، بل لأن تلك القوى قامت بنهب كل شيء ولم تترك لتلك المناطق إلا الفتات...
اللامركزية هي صورة طبق الأصل عن المحاصصة...
نفس تلك الأحزاب والقوى سوف تقوم بالسيطرة على مقدرات المناطق، كما جرت السيطرة على مقدرات المركز...
هل يظن أهل بيروت أن ضرائب بيروت سوف تصرف عليهم، أو أن الأمر نفسه سوف يحصل في المتن أو كسروان؟
المشكلة ليست في مركزية القرار...
المشكلة هي في مصادرة هذا القرار عبر التعطيل المتبادل بين نفس القوى التي تريد اللامركزية...
لنفترض أنه جرت لامركزية، كيف سوق يتم التعامل مع المرافئ والمطار وشركات الكهرباء والمياه وغيرها من المؤسسات الاستراتيجية؟
ماذا لو طبق معن الخليل هذه الامركزية وطلب من إيران بناء معامل كهرباء وتنقية مياه وإعادة تدوير النفايات في أراض ملاعب الغولف المصادرة اليوم لمصلحة حفنة من كبار أغنياء لبنان؟
ماذا إذا قامت بلدية الزهراني وبلدية طرابلس بقبول العرض الروسي لبناء مصافي نفط واحتكار الإيرادات لهذه المناطق وحدها باسم اللامركزية؟
ماذا إذا رد البقاع برفض تزويد المدن بالانتاج الزراعي وقرر بيع كل إنتاجه إلى الخليج بالفريش دولار...
ام أن المناطق سوف تعقد اتفاقات شراكة اقتصادية، كما بين الدول...؟
المسألة، كل المسألة هي في الإدارة؛ مركزية كانت أو لا مركزية...
إذا ما تم قبول هذا المنطق سوف نجد بناء جدران بين المناطق... نبدأ اولا بكانتونات طائفية، ثم ننتقل إلى كانتونات مناطقية لننتهي في الأخير إلى "حارة كل مين إيدو إلو"...
أن تكون المانيا دولة فيديرالية، مساحة ألمانيا هي أكثر من ثلاثين ضعف مساحة لبنان...
أن تكون روسيا دولة فيديرالية، مساحة روسيا هي حوالي ١٧٠٠ مرة أكبر من لبنان...
أن تكون اميركا فيدرالية، اميركا قارة بحد ذاتها وكل فيدرالية فيها تفوق لبنان مساحة وسكانا بأضعاف...
نحن مصابون بمرض، ونريد تناول دواء لمرض آخر...
هؤلاء الذين يريدون بناء إللامركزية في لبنان، هل سوف يقفلون حدود الكانتونات ويضعوا بوابات دخول كما في فلسطين المحتلة؟
ام أن ابن الغبيري ممنوع عليه السكن في الحدث وابن عين الرمانة ممنوع عليه السكن في الحمرا؟
نفس البرنامج المطلوب تطبيقه في المناطق، إذا طبق مركزياً سوف تنتهي كل مشاكلنا...
المشكلة ليست في فقدان البرامج، المشكلة هي في القوى المدنية والدينية الحاكمة التي تمنع اللبنانيين من العيش بكرامة في وطن القانون والعدالة...
مشكلتنا هي في قوانين الضرائب...
في قوانين الجمارك...
في قوانين البيع والشراء...
في قوانين الإيجار والملكية...
مشكلتنا هي أننا نريد أن نعيش في الغابة بقوانين المدن...
مشكلتنا هي في العقلية اللبنانية التي نعتقد أنه يحق لها ما لا يحق لغيرها...
مشكلتنا بكل وضوح وبساطة، هي في قلة الاخلاق وفقدان القيم...
من أجل هذا نحن بحاجة ليس إلا لبناء دولة قانون ومساواة كاملة دون أي تفريق بين مواطن وآخر لا بالدين ولا بالعرق ولا باللون ولا بالجنس ولا بأي معتقد طالما أن الأخلاق تبقى فوق الجميع...
هل هذا صعب؟
مع غنم مثل الذي في كل منطقة، وفي كل طائفة في لبنان، أجل، هذا صعب...
حليم خاتون