اخي ورفيقي كريم

كنت قد كتبت البارحة، الرسالة التالية أدناه، وللأسف، ولأسباب تقنية لم أستطع إرسالها، سأترك جلها كما هو، فجوهر ما أردت قوله لم يتغير.

اتوجه لك بهذه الرسالة وانت تحزم امتعتك وتستعد بعد ساعات لمغادرة السجن الذي قضيت فيه ٤٠ عاما وهي المدة الأطول في التاريخ.

اخي كريم

اليوم وانت تغادر ظلام السجن الى شمس الحرية وترحل عائدا إلى حضن الوطن تاركا خلفك اخوة ورفاق تقاسمت معهم العيش والكفاح... رفاق احببتهم واحبوك. صمدتم وقاتلتم سويا وواجهتم العدو غطرسته وقمعه. سوف تودع عالما عشته اربعون عاما،بين رفاق الدرب والمناضلين... عالم تسوده المحبة والصدق والوفاء .. وتأتي الى عالم يكثر فيه الكذب والرياء

مدة طالت كثيرا... كثيرا، ولكنك صبرت، وقاومت فيها وانتصرت، وها انت تخرج من السجن رافعا رأسك، لم تنحنٍ، وبقيت متمسكا بالموقف الوطني السليم، ولم تتنازل او تنهزم امام العدو وجبروته، ولم تتراجع بل انتصرت عليه في كل المعارك التى خضتها في مواجهته طوال هذه المدة

اخي كريم...

قرأت ما جاء في رسالتك بتمعن شديد، ودققت فيها مرات ومرات، وكل مرة كنت ازداد قناعة في عظمتك، كم انت عظيم وانت تقول" اترك زنزانتي وروحي باقية مع القابضيين على الجمر... مع الذين لم ينكسروا".

كم انت كبير وبعيد عن الذاتية وانت تقول "اغادر زنزانتي... طالما تمنيت ان اغادرها منتزعا حريتي مع اخوة الدرب ورفاق النضال... احاول ان اتجنب آلام الفراق ومعاناة لحظات الوداع لأخوة ظننت انني ساكمل معهم العمر وهم ثوابت في حياتي".

كم انت صبور وصامد ودقيق في الوصف وانت تقول "الى متى يستطيع الأسير ان يحمل جثمانه على ظهره، يتابع حياته ويمشي مع الموت... وتتساءل الى متى يبقى هذا الموت قدرا لا ينتهى؟؟؟"

كم انت وفي وانت ترفع قبعتك للجيل الجديد، الذي يتصدر المشهد ويواصل النضال وهو الجيل الذى تعلم في مدرستكم النضالية.

كم انت عظيم وانت تقول "كم انا فخور بشعبي واهلي اينما كانوا في الوطن والشتات"، ونحن نقول لك شعبك هو الاكثر فخرا واعتزازا بك، وبدورك، ونحن تلاميذ في مدرستك كم كنت صادقا عندما قلت في رسالتك "اترك زنزانتي والرهبة تنتابني والدخول إلى عالم لا يشبه عالمي..." وطرحت السؤال الاهم حيث قلت وهل استطيع التاقلم مع واقعي الجديد... كم هو مؤلم ودقيق هذا الوصف وهذا التساؤل.

والان اسمح لي اخي ورفيق دربي كريم يونس ان اخاطبك في رسالتي هذه اليك بكل وضوح وصراحة واعبر لك عن وجهة نظري.

كم انت محق في كل ما جاء في رسالتك و مصيب في تساؤلاتك

بداية

اتقدم لك باسمي وباسم كافة المناضلين والمقاومين الفلسطينيين والعرب، وباسم كافة احرار العالم باطيب التهاني واجمل التبريكات، وانت تغادر السجن وتعود لاستنشاق نسيم الحرية، تعانق شمسها.

واعتذر منك باسم الجميع كوننا قصرنا، وما زلنا مقصرين في حقك وحق الاسرى، كوننا لم نستطع تحريركم و بقينا عاجزين عن ذلك.

كم كنت اتمني لو تم تحريرك وبقية الأسرى من خلال عمل ثوري يجبر العدو على ذلك وليس من خلال انتهاء مدة حكمك.

العار سيبقى يلاحقنا جميعا لاننا لم نفعل.

ومن حقك اليوم ان تقول للجميع كما قال رفيقك الأسير السابق ابو مخ (لقد تحررت ولم يحررني احد) وهذه هي الحقيقة المرة..

اخي و رفيقي كريم

اليوم وانت تخرج من عالم السجن الى عالم جديد ستجد امامك الكثير من الامور التي تغيرت ولم تعتاد عليها سابقا. ستجد ان العالم العربي قد تغير وعصفت به الكثير من الرياح.

مصر لم تعد مصر عبد الناصر واصبحت مصر كامب ديفيد

سوريا تم تدميرها وتخوض حرب منذ سنوات طويلة لكنها لا زالت صامدة وتقاوم

العراق لم يعد كما كنت تعرفه واحدا موحدا قويا

الآن هو ضعيف وثرواته منهوبة. ويعاني من التقسيم، هو موحد في الشكل فقط حيث يقيم الاكراد دولتهم الخاصة بهم.

ليبيا مقسمة وثرواتها مبددة، وشعبها يخوض معاركه الداخلية.

اليمن تآمر عليها (الاخوة) و دمروها

الصومال تكاد تختفي عن الخارطة

لبنان يعاني ما يعاني من انقسامات تكاد تعصف به

ستجد نفسك امام اتفاقيات ابراهام وصفقة القرن ورجالات العدو تصول وتجول في العديد من الدول العربية وقياداتها تستقبل بالاحضان من بعض الزعماء العرب.

والوضع العالمي شهد الكثير من المتغيرات، الاتحاد السوفيتي لم يعد موجودا حيث تفكك وانهار

امريكا وصلت القمة واصبحت القطب الاوحد في العالم.. قتلت ودمرت وخاضت الحروب وعاثت في الأرض فسادا، لكنها الان بدات رحلة التراجع ولم تعد تحكم قبضتها على الدول والشعوب كما كان سابقا، وهذا ما نراه اليوم. في امريكا اللاتينيه والعالم.

الصين صاعدة وروسيا والهند كذلك واصبحوا في موقع التحالف والتعاون بعد ان كانوا احدهم في مواجهة الاخر

ايران تتقدم في مختلف المجالات رغم الحصار

دولة الكيان تتفكك من الداخل وترتفع فيها حدة التناقضات وسوف تواجه مصيرها المحتوم، والمحكوم بالزوال

حرب تشتعل في اوكرانيا يراد منها اعادة ترتيب خرائط العالم، وهي حرب بين حلف الناتو ودول الغرب ضد روسيا وحلفائها.

الان وانت تخرج من السجن ستجد نفسك امام صورة ولوحة جديدة غير التي عرفتها سابقا.

بعد ذلك، وهذا هو الأهم، سترى ان الثورة الفلسطينية التي عشتها وعرفتها لم تعد موجودة، وان منظمة التحرير لم تعد كما كانت وتخلت عن ميثاقها الوطني واعترفت بدولة الكيان، ستجد ان اكثر القادة الشرفاء قد رحلوا، وان من يتربع على عرش القيادة اليوم هم مجموعة من الوكلاء وعملاء الإحتلال الذين تخلوا عن اهداف شعبهم في تحرير كامل التراب الفلسطيني وقبلوا باقل من ٢٢% من الأرض يتم التفاوض عليها.

ستجد نفسك في الضفة الغربية وهي مقطعة الأوصال والحواجز في كل مكان

ستجد نفسك امام مئات الآلاف من الدونمات المصادرة، ومئات البيوت الت هدمت والأشجار التي اقتلعت.

ستجد نفسك امام قيادة رسمية تخلت عن الكفاح المسلح واعتبرت المقاومة ارهابا واختارت طريق المفاوضات طريقا ابديا لا خيار سواه ولا تراجع عنه.

ستجد نفسك امام قيادة تعتقل وتقمع شعبها وتحمي المستوطنين... قيادة قتلت نزار بنات وزجت المناضلين في السجون ومنعت حرية الرأي

ستجد نفسك امام قيادة فردية يتحكم فيها شخص واحد ولا شراكة فيها

ستجد نفسك امام شخص تنتهي صلاحيته من زمن طويل ويرفض الانتخابات ويتولى كافة المسؤوليات

ستجد نفسك امام اتفاقيات كارثية وقعت بإسم الشعب الفلسطيني وهو بريء منها

نعم يا كريم

وفوق كل ذلك ستجد ان الوحدة الوطنية اصبحت جزءاً من التاريخ وان الانقسام هو السائد. ..ليس هذا فقط، ستجد نفسك امام فتح المنقسمة بعد ان كانت موحدة

ستجد نفسك امام بعض القيادات وهي المهيمنة مع الأسف قد اغتصبت السلطة وحولت الثورة الى ثروة.

انظر الى بيوتهم والفلل التي يسكنون.. انظر الى السيارات التى يركبون... وفوق هذا لو تعلم حساباتهم في البنوك الغربية وامتيازاتهم وبطاقات ألـ VIP ، وكل هذا مجبول بدم الشهداء وتضحيات الشعب.

طبعاً أدرك أنك تعرف جزء كبير من هذه الحقائق والوقائع، ولكن معرفة الحقيقة عن بعد شيء، والإضطرار لمعايشته شيء آخر.

سترى الكثير الكثير وارجو ان لا تفاجأ وتصاب بالصدمة...

رغم كل ذلك سوف تجد شعبا فلسطينيا لا زال يقاوم وشباب مازال يقاتل وامهات واباء يودعون أبنائهم الشهداء ويستمرون في المقاومة

و هاهي معركة سيف القدس ووحدة الساحات وسلاح غزة وصواريخها والمواجهات في الاقصي وانطلاقة كتائب المقاومة في جنين ونابلس وعربن الاسود والعمليات النوعية تبشر بالنصر واليوم الموعود.

ما قلته لك ليس كل شيء هناك الكثير الذي لا بتسع المجال لقوله في هذه الرسالة.

اخيرا

عندما تخرج من السجن سوف يستقبلك أبناء شعبنا الشرفاء بالفرح والورود وتخرج مئات الالاف لاستقبالك و تحيتك ويقدمون لك التهاني. وانت اول واكثر من يستحق ذلك.

كما سيتوافد اليك العشرات من اصحاب السيادة والمعالي (اعضاء القيادة والوزراء) يقدمون لك التهنئه والكثير منهم يتمنى لو بقيت في سجنك. عارضين خدماتهم والمناصب عليك هم كذابون نصابون ومنافقون، لم يفعلوا شيئا من اجل تحريرك... سوف يعرضون عليك المناصب والامتيازات من اجل ان يكسبونك في صفهم وان تنحاز لهم.

لكنني ادرك كل الادراك من خلال مسيرتك الوطنية والتزامك بتحقيق اهداف شعبك والتضحيات التي لامثيل لها التى قدمتها طوال سنوات عمرك الذي لم تنعم به كما الاخرين.

ان انحيازك اولا واخيرا لن يكون الا لصالح الشعب وسوف ترفض كل اغراءاتهم.

نرحب بك حرا طليقا كي تعود لممارسة دورك النضالي والقيادي في صفوف الثورة والمقاومة.. قائد نحن باشد الحاجة اليه خاصة في هذا الزمن الذي تسود فيه الازمات و تستعصي الحلول

نقول لك من كل قلبنا مبروك الحرية نضع يدنا بيدك من اجل التغيير المطلوب

وعقبال تحرير كافة الأسرى

طارق ابو بسام