رفض ناجي حايك مستغرباً ربط كلمة الانعزالية بالفيديرالية في مقابلة على سبوت شوت...
كون الدكتور حايك طبيباً، يعطيه صفة العلم بالتأكيد...
لكن كون الدكتور حايك "إنعزالي ماروني" بالمعنى الحرفي للكلمة، هذا يعطيه صفة "مثقف الفصل المذهبي... أبارتايد على الطريقة اللبنانية"...
الدكتور ناجي حايك ليس حالة نادرة أو يمثل أقلية في المجتمع الماروني، تماماً كما أن حالة الانعزال المذهبي لا تقتصر على الطائفة المارونية...
من يستمع إلى النائب وضاح الصادق يحلل الأزمة الاقتصادية والمالية التي يتخبط فيها لبنان هذه الأيام، يرى إلى أي مدى يمكن أن تصل الانتهازية المذهبية حين يقفز النائب المذكور فوق كل الكوارث التي سببها رفيق الحريري وفؤاد السنيورة في محاولة بائسة لتبرئة زعماء السنية السياسية من الجرائم المالية والإدارية التي ارتكبت في التسعينيات من القرن الماضي والتي كانت الأساس في هذا الإنهيار الكبير...
كما ان أخطبوط العنصرية المارونية يصل إلى بكركي، فإن النائب وضاح الصادق ليس سوى مثل عن كل الانعزاليين السُنّة الذين تدفقوا إلى دار الإفتاء بمجرد أن أشار عليهم السفير السعودي بذلك...
أما عند الشيعة، فتتمثل تلك الانعزالية أحياناً في الفئات الشعبية التي علا صوتها وراحت تطالب الثنائي الشيعي بالقيام بقبول الهبات الإيرانية والروسية داخل المناطق الشيعية "وستين ألف عمرن ما ياخدو كهربا وقمح إذا ما بدن..."، وأحياناً أخرى عبر نغمة تتردد كردة فعل على عنصرية جعجع وباسيل، فيقوم البعض بالعودة إلى العد الديموغرافي أو التصفيق للمجلس الشيعي بمناسبة وغير مناسبة...
أما عند الدروز، فلا تزال عقدة وصم الآخر بالجنس النجس تسيطر على الأكثرية العظمى في هذه الطائفة، بما في ذلك عند منافسي وليد جنبلاط على الزعامة الطائفية...
ما ينطبق على هذه الطوائف، ينطبق بالتأكيد على بقية الطوائف رغم أن مصلحة الأقليات يجب أن تكون في نسف النظام الطائفي من الأساس...
لكن هل يمكن تطبيق الانعزالية على الاقتصاد كما يجري الأمر على الناس؟
حتى في عز الحرب الأهلية، والقتل على الهوية... كانت الليرة، يوم كانت الليرة لا تزال ليرة؛ كانت "بتقطع من هوني لهونيك" وفقا لأغنية "يا زمان الطائفية" لزيادة الرحباني والمرحوم جوزيف صقر...
كما كانت الليرة التي تمثل الرأسمالية اللبنانية، تعبر بين الشرقية والغربية دون حواجز، سوف يصبح الدولار هو من يعبر بين الكانتونات...
سوف ترفض الجبهة اللبنانية خطف ابن كمال جنبلاط وتقوم بإعادته إلى أبيه في الوقت عينه الذي كانت تقوم بذبح الدروز في الجبل حيث يمكنها ذلك...
العكس صحيح طبعاً في بقية الكانتونات... الحمدلله دواعش لبنان أثبتوا حيوانيتهم أثناء الحرب الأهلية بأحقر الصور الممكنة..
هل يريد الدكتور حايك تشييع أهل القاع ودير الأحمر ومورنة أهل جبيل بالمقابل...؟
هل يريد النائب وضاح الصادق إعلان مدن بيروت الغربية، وطرابلس وصيدا جمهوريات مدينية مستقلة...؟
بكل أسف تخلى ميشال عون عن أهم مبدأ كان يحفظ له عند الطوائف الأخرى بعض المودة قبل أن ينقلب التيار إلى نظرية المحاصصة والترويكا التي قادها جبران باسيل في العقد الأخير من زمن الإنهيار...
إن مشكلة الانعزاليين في جميع الطوائف أنهم يرسمون خطوطا دموية بين هذه الطوائف، بينما يقومون في الوقت عينه بتصميم صورة وردية لن تستطيع العيش أبدا عند أصحاب العقليات المريضة...
هل يريدون استكمال التطهير العرقي الذي نفذته الجبهة اللبنانية أثناء الحرب، فيصبح لدينا أكثر من دامور، وأكثر من نبعة...
هل يتصور الانعزاليون اللبنانيون من كل الطوائف أنه يمكنهم إجراء ترانسفير كالذي حدث مع تقسيم الهند الذي تسبب بمجازر وحروب لا تزال شبه قائمة بعد أكثر من سبعة عقود على اختراع باكستان ومن ثم بنغلادش...
لن يكون بين الطوائف من يكون أكثر تضرراً من غيره...
الكل سوف ينحدر إلى الحيوانية المطلقة...
كل ما سوف يحصل هو أن اللصوص الموارنة واللصوص المسيحيين سوف يقومون على احتكار سرقة المناطق المسيحية كما فعلت القوات اللبنانية أثناء الحرب الأهلية وسوف ينتقل الصراع بين الطوائف إلى صراع داخل كل طائفة، فيتم تهديد ابن امين الجميل ليعود ويهرب، ويتفق سمير جعجع مع السعودية ربما على تصفية ما تبقى من العونيين، وسوف يسجل التاريخ مجازر في الشمال كما مجزرة إهدن، وقد يلحق كميل شمعون الحفيد بجده كما حصل مع داني شمعون...
عند السنة، سوف يتنافس مخزومي مع ريفي لكنهما بالتأكيد سوف يخاصمان وضاح الصادق الآتي من خارج العصابة ولكن الذي ينافس بقوة على كسب الرضى السعودي والخليجي عبر الانبطاح أكثر وأكثر أمام المفتي...
من يعرف؟
قد يقرر محمد بن سلمان الإفراج عن الحريرية السياسية وإعادة تعويمها للسيطرة عبرها على الطائفة السنية...
باختصار سوف ينتقل لصوص السُنّة من السيطرة عبر دولة الطائف، إلى السيطرة عبر هيئات جديدة سوف تجد السعودية لها الإطار الملائم...
نفس الأمر سوف يحصل عند الشيعة فتتملك حركة أمل السوق الشيعي باتفاق مع حزب الله يقوم على مبدأ لكم الاقتصاد والمال والأعمال، ولنا السلاح...
الفساد الذي يتشارك فيه الجميع عبر لبنان المركزي الذي يعيش التفكك هذه الأيام، سوف يصبح فسادا بالتراضي بين مختلف زعماء الكانتونات... تماماً كما أن موتور الكهرباء في عين الرمانة لا يعطي إلى الطرف الآخر عبر طريق صيدا القديمة احتراماً لاتفاق جنتلمان حيث لا يعطي موتور الشياح كهرباء اشتراك إلى عين الرمانة...
الأطراف التي ترفض الجلوس إلى طاولة حوار لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل انهيار الهيكل، سوف تجتمع سرا أحياناً، ثنائيا أو جماعيا، وعلانية أحياناً أخرى لتبادل المصالح بين الطبقات العليا في كل الطوائف...
أما بقية المخلوقات في الطوائف، فسوف تعود الى العيش على كارتونة إعاشة توزعها القوات أو المستقبل أو المخزومي أو حركة أمل أو حزب الله أو بيك المختارة الذي هرّب الأموال الى سويسرا من أجل الطائفة وفقاً لأحد نواب التقدمية الاشتراكية...
أما مشكلة التزاوج بين الطوائف، هذا يكون ممنوعا عند الطبقات الشعبية لكن علية القوم من أصحاب الدم الأزرق يحق لهم ما لا يحق لغيرهم...
المشكلة هي أن لصوص الطوائف هؤلاء لا يذبحون بعضهم بعضاً ولكنهم يشجعون اغبياء الطوائف على جزر بعضهم البعض في سرديات دموية لا تقل عن اختراعات داعش والنصرة...
من يشكك في هذا، عليه سؤال الاحياء عن بطولات صعاليك الحرب الأهلية في القتل والذبح والسحل وبقر البطون كما جرى في صبرا وشاتيلا تطبيقا لتعاليم الاسياد الذي ليس منهم لا محمد ولا يسوع...
بين كل هؤلاء، "بتروح" على العلمانيين الوطنيين الذين يؤمنون بالإنسان مقابل عودة الرعاع إلى أصولهم الحيوانية وفقاً لنظرية داروين في اصل الاجناس...
أمس اعتصم نائبان من جماعة التغيير من أجل... انتخاب رئيس للجمهورية...
لم يعتصم أحد ضد آلاف الموبقات التي ارتكبتها السلطة الحاكمة والمصرف المركزي والمصارف...
لم يعتصم أحد من أجل فرض احترام الذات الإنسانية في بلد حيوانات الطوائف...
لم يعتصم أحد حين رفض مار نصرالله بطرس صفير تطبيق بنود الطائف...
لم يعتصم أهل الطائف من أجل تطبيق هذه البنود...
لم يعتصم المودعون من أجل ودائعهم...
لم يعتصم فقراء الطوائف ضد الجوع والعطش والمدرسة والجامعة...
لم يعتصم من كان يعرف بوجود النيترات في المرفأ من أجل تنفيذ القانون وإبعاد الخطر...
لم يعتصم اللبنانيون من أجل إجبار الحكومة على قبول الهبات الإيرانية والروسية...
لم يعلن أي لبناني الإضراب عن الطعام لمنع العقاب على الجريمة في هذا البلد...
لكن على الأقل...
هذا درس لمن يتخذ من البرلمان واجهة زعامة وشوفة حال على بقية اللبنانيين...
هذا درس لجماعة ما خلونا...
هذا أيضاً درس لجماعة عدم محاربة الفساد خوفاً من الفتنة...
هذا درس للمودعين الذين هم عن سرقة ودائعهم ساهون...
تصوروا فقط لو نزل إلى الشارع، الشيعي والسني والماروني والدرزي وكل الباقين وقد خلع كل منهم رداءه المذهبي، وحيوانيته الطائفية لصالح الإنسان في الجوهر...
تصوروا شعب لبنان ينزل إلى الشارع معتصما حتى عزل كل الطبقة الحاكمة ومصادرة كل ممتلكاتها...
تصوروا المودعين يعتصمون حتى تأميم المصارف ومصادرة كل ممتلكات أصحاب هذه المصارف وأعضاء مجالس الإدارة وكبار المودعين...
تصوروا شعب لبنان وقد نزل إلى الشارع معتصما مطالبا بقيام محاكم شعبية علنية لمحاسبة أهل السلطة والمال والأعمال...
هل يمكن لنا أن نحلم؟
الاعتصام الذي جرى خطوة صحيحة لكن بأهداف اصغر بكثير من مطلب بناء وطن ودلة قوية عادلة...
حليم خاتون